المعسكر المناوئ لنتنياهو يتقدم نحو تشكيل حكومة بديلة

TT

المعسكر المناوئ لنتنياهو يتقدم نحو تشكيل حكومة بديلة

على إثر نشر نتائج استطلاع رأي تعزز قوة المعسكر المناوئ لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يسارع قادة هذا المعسكر إلى مفاوضات لتشكيل حكومة بديلة تضع حدا لحكمه. فقد أشارت نتائج استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الجمهور يؤيد اقتراح نتنياهو التوجه لانتخابات على رئاسة الحكومة بشكل مباشر. وإذا جرت انتخابات عامة سيتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة مع نفتالي بنيت من دون الحاجة إلى مساندة الحركة الإسلامية، التي سترتفع بمقعد واحد.
وبقدر ما تشجع هذه النتائج نتنياهو على المضي قدما في الدفع نحو انتخابات جديدة، بعد فشل جهوده لتشكيل حكومة جديدة، فإن خصومه يشعرون بالخطر من أن تقضي انتخابات جديدة على فرصة العمر لإنهاء عهد نتنياهو. ورغم الاستقطاب الواسع بينهم، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فإن رئيس المعسكر يائير لبيد يؤكد أنه متفائل من تسوية الخلافات والتوصل إلى الحكومة البديلة. وحسب مصادر مطلعة، يسعى لبيد إلى إنهاء المفاوضات في الأسبوع القادم، أي عندما تنتهي مدة تكليف نتنياهو، وذلك حتى ينقل الرئيس رؤوبين رفلين كتاب التكليف له. وأضافت أنه تم التوصل إلى عدة تفاهمات، خاصةً في قضايا العلاقة بين الدين والدولة، وأن الخلاف المركزي بين أقطاب هذا التحالف، يائير لبيد ونفتالي بنيت وغدعون ساعر وأفيغدور ليبرمان وبيني غانتس، يتمحور حول الحقائب الوزارية. ويطالب لبيد أن تتألف الحكومة من 18 وزيرا فقط، وأن تكون المعادلة بتعيين وزير مقابل 3 أعضاء كنيست من حزب يشارك في الحكومة، ما يعني أن الحكومة قد تكون مؤلفة من 20 وزيرا. ويطالب بينيت وساعر، اللذان يعملان كوحدة واحدة في المحادثات، بأن يكون لديهم تمثيل أكبر في الحكومة، وأن يحصل حزب ساعر، الممثل بـ6 أعضاء كنيست، على 4 وزراء بدلا من وزيرين. وحجتهما في ذلك أنهما يقيمان حكومة مع اليسار ويريدون أن يضمنا أكثرية يمينية فيها وفقاً لنتائج الانتخابات، وحتى يصدوا ادعاء نتنياهو بأنهما فضلا التحالف مع اليسار على التحالف معه. ويضاف إلى ذلك أن بنيت يطالب بتولي رئاسة الحكومة للنصف الأول من الدورة البرلمانية. وكانت نتائج استطلاع رأي جديد قد نشرت، أمس الجمعة، قال فيها 48 في المائة إنهم يؤيدون مطلب نتنياهو بأن تجرى انتخابات خامسة فقط حول رئاسة الحكومة (عارضه 39 في المائة). وقال 45 في المائة إنه في حال فشل نتنياهو بتشكيل حكومة خلال الأسبوعين المقبلين، فإنه ينبغي نقل التكليف بتشكيل حكومة إلى مرشح آخر من الليكود. وعندما سئلوا عن هوية قائد الليكود الذي يفضلون أن يخلف نتنياهو، حصل رجل الأعمال وعضو الكنيست نير بركات، الرئيس السابق لبلدية القدس، كمرشح مفضل بتأييد 31 في المائة، فيما حصل وزير الصحة، يولي إدلشتاين، على تأييد 13 في المائة، ويسرائيل كاتس، وزير المالية، على 8 في المائة، ورئيس الكنيست، ياريف ليفين، على 5 في المائة. وقال 36 في المائة إنهم سيصوتون لنتنياهو في انتخابات كهذه، فيما قال 23 في المائة إنهم سيصوتون لصالح يائير لبيد، و9 في المائة لبيني غانتس، و8 في المائة لنفتالي بنيت، ونسبة مشابهة لغدعون ساعر. وفي حال تقليص المنافسة بين مرشحين اثنين فقط فإن نتنياهو يحصل على تأييد 43 في المائة مقابل لبيد، الذي سيحصل على 37 في المائة، ويحصل نتنياهو على 41 في المائة في مواجهة بنيت (الذي سيحصل في هذه الحالة على 26 في المائة).
وقال 43 في المائة من ناخبي الليكود إن الحل المفضل لديهم في حال فشل نتنياهو في تشكيل حكومة هو انتخابات خامسة، و21 في المائة فضلوا التناوب بين نتنياهو وبنيت، و9 في المائة فضلوا ترشيح عضو كنيست من الليكود يختاره نتنياهو لتشكيل حكومة.
وحسب استطلاع آخر، أجرته إذاعة 103FM، فإنه فيما لو جرت انتخابات برلمانية جديدة الآن، سيحافظ نتنياهو على قوة معسكره الحالي مع المتدينين، أي 52 مقعدا (الليكود 30 مقعدا، حزب اليهود الأشكناز المتدينين، «يهدوت هتوراة»، يرتفع من 7 إلى 8 مقاعد، وحزب المتدينين اليهود الشرقيين، «شاس» يهبط من 9 إلى 8 مقاعد، فيما تحافظ قائمة «الصهيونية الدينية» برئاسة بتصلئيل سنموترتش، على قوتها وتحصل على 6 مقاعد. ولكن حزب «يمينا» برئاسة بنيت يرتفع مقعدين، من 7 إلى 9 مقاعد. وعليه فإن نتنياهو يستطيع في هذه الحالة تشكيل حكومة من 61 مقعدا، ولن يحتاج إلى الحركة الإسلامية برئاسة منصور عباس.
وأما معسكر التغيير المناوئ لنتنياهو، فسيهبط من 61 إلى 59 مقعدا: «ييش عتيد» بقيادة لبيد سيرتفع بثلاثة مقاعد إلى 20 مقعدا، «كحول لفان» يتراجع مقعدا من 8 إلى 7 مقاعد، حزب العمل 7 مقاعد، القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة 6 مقاعد، القائمة الموحدة للحركة الإسلامية 5 مقاعد، «يسرائيل بيتينو» يتراجع من 7 إلى 5 مقاعد، وميرتس يتراجع من 6 إلى 5 مقاعد، ويخسر «تيكفا حداشا» برئاسة ساعر مقعدين ويحصل على 4 مقاعد.
وعليه فإن هذا المعسكر، الذي تسوده خلافات شديدة ولكنه متفق على تغيير نتنياهو، لن يستطيع تشكيل حكومة في حال إجراء انتخابات خامسة. وليس أمامه سوى التفاهم الآن، إذا كان يريد فعلا تغيير نتنياهو.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟