باسيل يخوض آخر معاركه لاسترداد نفوذه السياسي

«حزب الله» يؤمّن مستلزمات الصمود تحسباً لأزمة مديدة

TT

باسيل يخوض آخر معاركه لاسترداد نفوذه السياسي

أشعل «التيار الوطني الحر» لبنان في مواجهة سياسية وأمنية غير مسبوقة بتوفيره كل أشكال الدعم للقاضية غادة عون في اقتحامها للمرة الثالثة على التوالي لمكاتب شركة مكتّف لنقل الأموال وسط صمت مريب من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي تردد طويلاً قبل أن يرأس أمس الاجتماع الأمني الموسع للبحث في الأوضاع الأمنية الطارئة، مع أن ما حصل من جراء هذا الاقتحام أصاب الوسط الدبلوماسي بحالة من الذهول لأنه شكّل تمرداً على قرارات مجلس القضاء الأعلى بكفّ يدها عن التحقيق في ملف الشركة المستهدفة، وسرّع في انحلال مؤسسات الدولة وتفكيكها وصولاً إلى تفتيتها.
فالقاضية عون استعانت في اقتحامها لمكاتب شركة مكتّف بـ«ضابطة عدلية» خاصة بها أمّنها لها «التيار الوطني» من دون أن يحرّك عون ساكناً في الوقت المناسب لوقف التدمير الممنهج للدولة، وكذلك الحال بالنسبة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الذي فضّل الصمت ونأى بنفسه عن التدخل.
ومع أن المسؤولية في كفّ يد القاضية عون ووقف تمرّدها على قرار مجلس القضاء الأعلى تقع على عاتق هيئة التفتيش القضائي، فإن تمادي «التيار الوطني» - كما يقول مصدر نيابي لـ«الشرق الأوسط» - في مشروعه الرامي إلى انحلال الدولة وانهيارها يطرح مجموعة من الأسئلة حول ماذا يريد رئيسه النائب جبران باسيل من توفيره الغطاء الميداني واللوجيستي للقاضية «المتمردة»؟ وأين يقف رئيس الجمهورية في ضوء ما نُقل عنه بأنه يعترض في الشكل على ما قامت به باعتبار أن الهدف من تحركها يكمن في مكافحة الفساد واسترداد الأموال المهرّبة إلى الخارج؟
ويلفت المصدر النيابي إلى أن باسيل بدعمه غير المشروط للقاضية عون أراد أن يفتح منصة على حسابه الخاص بذريعة استرداده لحقوق المسيحيين تحت غطاء الحفاظ على أموال المودعين، ويسأل: كيف السبيل إلى استردادها؟ هل بتخريبه للنظام المصرفي للبنان الذي يشكّل القاعدة الأساسية للاقتصاد الحر وبضربه القضاء بكل مؤسساته ووضعه موقع رئاسة الجمهورية في مهب الرياح الذي بات يهدد ما تبقى من ولاية عون في ضوء ارتفاع منسوب الدعوات إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة أو بتوفير الغطاء السياسي لحليفه «حزب الله» والإفادة من تجربته في استحداث «سرايا» خاصة به.
ويؤكد أن باسيل لم يخف سراً عندما هدد بقلب الطاولة وبسقوط الهيكل فوق رأس الجميع، خصوصاً الذين يهددون بإسقاطه فوق رأسه ومن خلاله عون، ويقول إن باسيل الذي يحاصَر أميركياً بالعقوبات المفروضة عليه سرعان ما اكتشف أن الحصار تمدد أوروبياً بمبادرة باريس إلى إلغاء الدعوة التي وجّهت إليه للبحث في إسقاط الشروط التي تؤخر تشكيل الحكومة العتيدة، ويرى المصدر نفسه أن باسيل الذي يحاصَر دولياً وعربياً أخذ على عاتقه الانتحار السياسي حتى لو انسحب انتحاره على نحر الدولة وجرّها إلى السقوط، ويكشف بأنه لا يحبّذ حتى إشعار آخر إجراء الانتخابات النيابية في ربيع 2022 ليتولى المجلس النيابي المنتخب انتخاب خلف لعون، هذا إذا ما تسارعت التطورات وحالت دون تحقيق طموحاته في هذا المجال في ضوء إصرار وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل على إجراء الانتخابات في موعدها لتأمين انتظام مؤسسات الدولة بإعادة إنتاج السلطة.
ويجزم بأن هيل أعلم جميع من التقاهم بعدم الرهان على التمديد للمجلس النيابي ليتولى انتخاب رئيس جمهورية جديد، وهو يلتقي مع رئيس البرلمان نبيه بري برفضه التمديد، ويقول إن «التيار الوطني» ينطلق من رهانه على التمديد من مقولة مفادها بأن التمديد يجب أن ينسحب تلقائياً على عون بذريعة عدم إحداث فراغ في الرئاسة الأولى إلا إذا أيقن بأن التمديد يتيح لباسيل الترشح للرئاسة، مع أنه يدرك جيداً أن طموحه ليس في محله لأن البرلمان الممدد يشهد إعادة لخلط الأوراق ولم يبق له من حليف سوى «حزب الله».
ويقول إن باسيل يضع أوراقه في سلة «حزب الله» وهو يخوض حالياً مواجهة مفتوحة وبالنيابة عنه مع جميع القوى السياسية، ما اضطر حليفه للوقوف خلفه مع أنه يخدمه في تعطيل تشكيل الحكومة وتمديد الأزمة ليكون في وسعه إيداع تشكيلها بيد حليفه النظام الإيراني للاستقواء بها في مفاوضاته مع الولايات المتحدة الأميركية بخلاف ما ذهب إليه البعض أن الحزب يبيع ورقته لفرنسا بدعمه المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان.
ويؤكد المصدر أن الحزب وإن كان أيد المبادرة الفرنسية، فإنه أبلغ الموفد الفرنسي إلى بيروت باتريك دوريل ألا يتوقع منه الضغط على باسيل، ويقول إن الحزب وإن كان لا يراهن على إقحام البلد في فراغ مديد، فإنه في المقابل يستطيع أن يفرض شروطه في حال تقرر الدخول في تسوية لإنهاء الفراغ.
وفي هذا السياق، يسأل المصدر عن استنكاف «حزب الله» الدخول كطرف في المواجهة الحاصلة الآن، وهذا ما برز من خلال حرص أمينه العام حسن نصر الله على حصر إطلالته على جمهوره بالحديث عن مناسبة حلول شهر رمضان المبارك، فيما استكمل إعداده لكل المستلزمات من تموينية واقتصادية لتأمين بيئته الحاضنة له سواء من خلال البطاقات التي وزّعها على محازبيه وتتوزّع بين حصولهم على المواد التموينية لمرة واحدة شهرياً بأسعار تشجيعية، وبين إفادتهم من بطاقات الائتمان لتأمين احتياجاتهم بالدولار بواسطة الصراف الآلي، إضافة إلى توفير المستلزمات الصحية من طبية ومخبرية.
لذلك فإن التدابير التي اتخذها الحزب بتوفير بطاقات الائتمان وأخرى باسم «السجاد» و«النور» توحي بأن الأزمة مديدة، إلا إذا كانت مؤقتة استدعت تكديسه للمواد التموينية والأدوية المستوردة من إيران من باب الاحتياط، تاركاً المواجهة في عهدة باسيل لئلا يؤدي دخوله إلى صدام سنّي - شيعي.



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».