«حزب الله» يتمسك بعون لاستحالة تأمين البديل

TT

«حزب الله» يتمسك بعون لاستحالة تأمين البديل

يقول مصدر سياسي إن الرهان على تخلي «حزب الله» عن حليفه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ليس في محله لأنه لن يفرّط بتحالفه معهما طالما أن البديل المسيحي ليس في متناول اليد، ولن يتأمن بسهولة لاعتبارات تتعلق بخصومه في الشارع المسيحي بدءاً بحزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية»، مروراً بالشخصيات المستقلة المنتمية إلى «قوى 14 آذار» سابقاً وانتهاءً بالحوار المتعثّر بين «حزب الله» وبكركي الذي اقتصر حتى الساعة على عقد جلسة يتيمة بقيت في حدود رفع العتب ولم تُسفر عن نتائج توحي بأن البطريرك الماروني بشارة الراعي سيرعى شخصياً استئناف الحوار.
ويؤكد المصدر السياسي أنه لا مصلحة لـ«حزب الله» في إضعاف رئيس الجمهورية وتياره السياسي لأن المستفيد من إضعافهما في الشارع المسيحي خصومه الذين يراهنون على إضعافه، آخذين بعين الاعتبار تراجعه منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 التي كانت وراء مبادرة عدد من الشخصيات التي أسهمت في تأسيس «التيار الوطني»، إلى الانسحاب منه احتجاجاً على السياسة التي يتّبعها باسيل برفضه مبدأ الشراكة في اتخاذ القرارات.
حتى أن المصدر نفسه لا يؤيد الرأي القائل بأن «حزب الله» يغض النظر أحياناً عن الأخطاء التي يرتكبها باسيل أو الهفوات التي يقف خلفها الفريق السياسي المحسوب على عون واضطرارهما للالتحاق به أكثر من اللزوم لحاجتهما الماسة إليه، ويقول إن الحزب يشكو من بعض مواقفهما، لكنه يحرص في المقابل على أن تبقى الشكاوى محصورة في الاجتماعات المغلقة التي تُعقد بينهما، وبالتالي لا صحة لكل ما يقال إن الحزب يترك حليفيه يغرقان في الأخطاء لدفعهما للالتصاق به، لأنه بذلك يكون قد أوقع نفسه في تناقض يتعارض وإصراره على تقويتهما في الشارع المسيحي لأنهما يؤمّنان الغطاء لمنظومة الحزب أكانت سياسية أو عسكرية.
وفي هذا السياق، يلفت إلى أن الحزب يذهب إلى أقصى الحدود في مراعاته لعون وباسيل، وهذا ما يُؤخذ عليه من قبل الآخرين الذين يرمون عليه مسؤولية عدم ممارسته الضغط عليهما للانخراط في التسوية التي طرحها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإزالة العقبات التي تؤخر تشكيل الحكومة كأساس لإنقاذ المبادرة الفرنسية والسير بلا شروط بخريطة الطريق التي رسمها الرئيس إيمانويل ماكرون لتأمين انتقال لبنان من الانهيار إلى التعافي.
فـ«حزب الله» الذي أيد المبادرة الإنقاذية التي تقدّم بها حليفه الاستراتيجي الرئيس بري وقف عاجزاً أمام إقناع عون وباسيل للسير فيها، وخصوصاً الأخير الذي يصر بأن تأتي التسوية على قياس طموحاته الرئاسية لإدراج اسمه مجدداً على لائحة السباق لخوض الانتخابات خلفاً لعمّه، رغم أنه يدرك بأن حظوظه أخذت تتراجع، ليس بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليه فحسب، وإنما لدخوله في اشتباكات سياسية مع جميع القوى باستثناء حليفه «حزب الله»، الذي يمتنع عن الدفاع عنه من دون أن يتخلى عن احتضانه كأمر واقع لعدم توافر البديل المسيحي الذي يؤمّن له الغطاء السياسي.
كما أن الحزب - بحسب المصدر السياسي - أوقع نفسه في حالة من الحرج الشديد ناجمة من الخلل الذي يسود موقفه السياسي تحت سقف التعاون مع الأضداد، وإلا كيف يوفّق بين تأييده لمبادرة بري وبين مقاومتها من باسيل الذي ينوب عن عون في التفاوض مع الحزب الذي أيقن بأنه وحده من يحل ويربط في ملف تأليف الحكومة.
حتى أن الحزب وإن كان يبدي تأفّفاً من تصلّب باسيل المتعلق بتشكيل الحكومة ومقاومته لمحاولات تأليفها برئاسة سعد الحريري، فإن تأفّفه هذا لا يُصرف في مكان وإن كان البعض يتهمه بأنه ليس مستعجلاً على تشكيلها وهو يتلطى وراء عون - باسيل اللذين يشكلان خط الدفاع الأول لحجب الأنظار عن قراره بترحيل تشكيلها، وإن كان لا يعارض ولادتها رغم أنه يتحصّن وراء رفضهما لحكومة برئاسة الحريري.
لذلك، فإن «حزب الله» لن يقاتل من أجل الإسراع بتشكيل الحكومة لأنه يربط ولادتها بالموقف الإيراني الذي يبدو بأن طهران ليست على عجلة من أمرها وترهن موقفها من تأليفها بمصير المفاوضات الجارية حول الملف النووي للاستقواء بالورقة اللبنانية في مقاومتها حتى إشعار آخر لإصرار المجتمع الدولي على ولادتها اليوم قبل الغد لوقف سقوط لبنان في دوامة من الفوضى والانحلال الذي يستهدف مؤسساته، وهذا ما حذّر منه نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي بدعوته الجيش لتسلُّم السلطة لمرحلة انتقالية لمنع الانقلاب على هذه المؤسسات والضغط لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان.
وعليه، فإن الحزب ليس في وارد التفريط بتحالفه مع عون وباسيل أو اللجوء إلى تهديدهما بفك ارتباطه السياسي بهما، وهذا ما يفسر وقوفه على الحياد حول الخلاف الدائر في خصوص تعديل المرسوم 6433 لزيادة المساحات اللبنانية في المفاوضات الجارية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين رغم أن مجرّد صمته يعني حكماً عدم اعتراضه على قرار رئيس الجمهورية بتسهيل استئناف المفاوضات بالتناغم مع طلب مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل من دون التفاته إلى تعديل المرسوم.
ومع أن معظم الأطراف تحاول استقصاء المعلومات المتعلقة بتجاوب عون مع هيل للتأكد ما إذا كان يتطلع من خلال تسهيله لمعاودة المفاوضات للوصول إلى ترسيم لحدود علاقته بواشنطن تبدأ بمهادنتها، أم أن هناك أثماناً سياسية أخرى لم يُكشف النقاب عنها؟



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم