«حظر الكيماوي» تعاقب دمشق... ومطالب في واشنطن بـ«معاقبة النظام»

المنظمة الدولية أقرت تجريد الحكومة السورية من «امتيازات» في لاهاي

TT

«حظر الكيماوي» تعاقب دمشق... ومطالب في واشنطن بـ«معاقبة النظام»

صوتت الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على تجريد سوريا من حقوقها في المنظمة، إثر ثبوت مسؤولية النظام السوري في عدد من الاعتداءات، وعدم الإجابة عن 19 سؤالاً تخص برنامج دمشق «الكيماوي»، في وقت حث فيه أعضاء في الكونغرس إدارة الرئيس جو بايدن على «معاقبة النظام السوري بسبب استخدام الكيماوي».
وصوتت الدول الأعضاء في المنظمة بغالبية ثلثي الأصوات لصالح مذكرة دعمتها دول عدة، أبرزها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، تنص على تعليق حقوق دمشق وامتيازاتها داخل المنظمة، بما فيها حقها في التصويت. وتقول المذكرة المطروحة إن المنظمة «قررت بعد التدقيق تعليق حقوق سوريا وامتيازاتها»، بما فيها حق التصويت، وحق الترشح لانتخابات المجلس التنفيذي، إضافة إلى حرمانها من تولي أي منصب داخل المنظمة.
وصوتت 87 دولة بالموافقة على المذكرة، خلال الاجتماع الذي عقد في مقر المنظمة في لاهاي، فيما عارضتها 15 دولة، أبرزها سوريا وروسيا والصين وإيران، كما امتنعت 34 دولة عن التصويت. وقد شاركت 136 دولة في التصويت، من أصل الدول الأعضاء الـ193.
ودعت كندا، في تغريدة على حسابها الرسمي في المنظمة، النظام السوري إلى العودة إلى التزاماته ضمن معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، مضيفة: «لقد صوتنا، إلى جانب 86 دولة، لتعليق حقوق سوريا في التصويت، ومنعها من الحصول على مقاعد في المنظمة؛ هذا تدبير مهم يظهر أن هناك عواقب لاستعمال الأسلحة الكيماوية. على سوريا أن تعود للالتزام بتعهداتها».
وكانت المنظمة قد نشرت تقريراً، العام الماضي، يفيد بأن نظام دمشق استخدم غاز السارين والكلور ضد بلدة اللطامنة في محافظة حماة في مارس (آذار) 2017، تبعه تقرير ثانٍ، الأسبوع الماضي، يتهم النظام السوري باستخدام غاز الكلور عام 2018 في هجوم على بلدة سراقب جنوب حلب.
ولم تلتزم دمشق التي نفت مسؤوليتها عن الهجمات بمهلة الـ90 يوماً التي حددتها المنظمة للإفصاح عن الأسلحة المستخدمة في الاعتداءات، والكشف عن المخزون المتبقي لديها.
ويأتي هذا التصويت بعد أن حثت مجموعة من المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين الإدارة الأميركية على معاقبة النظام السوري لاستعماله الأسلحة الكيمياوية. وعبر هؤلاء، في رسالة موجهة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، عن دعمهم الشديد لفرض المعايير الدولية ضد استعمال الأسلحة الكيمياوية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاستعمال غير القانوني لنظام الأسد لهذه الأسلحة، بحسب نص الرسالة.
وكتب الشيوخ الجمهوريون والديمقراطيون: «منذ انضمام النظام السوري إلى معاهدة الأسلحة الكيمياوية في عام 2013، فشل هذا النظام في الالتزام بتعهداته الأساسية ضمن المعاهدة. إضافة إلى ذلك، وبحسب تقارير موثقة بعد تحقيقات لمنظمة الأسلحة الكيمياوية والأمم المتحدة، فإن نظام الأسد استمر باستعمال الأسلحة الكيمياوية ضد المدنيين الأبرياء في سوريا، حتى بعد التفكيك المزعوم لترسانته من الأسلحة الكيمياوية في عام 2014».
وعد أعضاء الكونغرس، وأبرزهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بوب مننديز، وكبير الجمهوريين فيها جيم ريش، أن على الولايات المتحدة أن تتحرك فوراً للضغط على المجتمع الدولي بهدف تعليق حقوق سوريا وامتيازاتها في منظمة الأسلحة الكيماوية، مشددين على أن هذه الحقوق لا يجب أن تستعاد إلا في حال التزمت سوريا كلياً بتعهداتها ضمن المعاهدة الدولية، واعترف النظام باعتداءاته على الشعب السوري.
وذكر المشرعون من الحزبين أن تقارير منظمة الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة ربطت الاعتداءات بالأسلحة الكيماوية مباشرة بمسؤولين في النظام السوري، ولم تشر بأصابع الاتهام إلى عناصر متمردة أو مجموعات إرهابية. كما أن عدداً من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وثقت بالصور والشهود إثباتات تتعلق بالاعتداءات بالأسلحة الكيماوية من قبل نظام الأسد.
ووجه أعضاء مجلس الشيوخ، في رسالتهم، انتقادات مباشرة لروسيا، فحملوها مسؤولية توفير الغطاء العسكري للأسد لتنفيذ هجماته على المدنيين، قائلين: «إن روسيا مستمرة في توفير دعم عسكري مهم موثق لتسهيل هذه الأنشطة الفظيعة. كما أنها مستمرة في العمل لعرقلة عمل المنظمة».
وشددت الرسالة على ضرورة أن تضغط الولايات المتحدة على الدول الأعضاء في المنظمة لتسجيل موقفهم الرسمي من انتهاك سوريا الصارخ للقوانين الدولية، بما فيه استعمال الأسلحة الكيمياوية.
ويشكل ملف الحد من انتشار الأسلحة الكيمياوية واستعمالها من قبل النظام السوري أولوية على أجندة إدارة بايدن. وسبق لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن قال في أكثر من مناسبة إنه على الولايات المتحدة الحفاظ على القوانين الدولية ضد استعمال الأسلحة النووية «وإلا فإن استعمالها سيصبح طبيعياً»، مكرراً أن روسيا وسوريا ليس لديهما أي حس بالمسؤولية في هذا المجال.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.