الدول الأكثر فقراً تتكبد النسبة الأكبر من وفيات «كورونا»

مع تخطي ضحايا الفيروس حول العالم الـ3 ملايين

صفعة للآمال بشأن اقتراب موعد نهاية الوباء (أ.ف.ب)
صفعة للآمال بشأن اقتراب موعد نهاية الوباء (أ.ف.ب)
TT

الدول الأكثر فقراً تتكبد النسبة الأكبر من وفيات «كورونا»

صفعة للآمال بشأن اقتراب موعد نهاية الوباء (أ.ف.ب)
صفعة للآمال بشأن اقتراب موعد نهاية الوباء (أ.ف.ب)

تستمر وتيرة الوفيات الناتجة عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد، بلا هوادة، رغم جهود التطعيمات العالمية، وقد صارت الدول الأكثر فقراً حول العالم تتكبد حالياً النسبة الأكبر من الوفيات بصورة متزايدة، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
وقد أسفر فيروس كورونا الذي اكتُشف للمرة الأولى في عام 2019، عن وفاة أكثر من 3 ملايين شخص، حيث تم تسجيل آخر مليون حالة وفاة أسرع من المليوني حالة الأولين، بحسب ما ذكرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء.
واستغرق الأمر نحو ثمانية أشهر ونصف بعد تسجيل أول حالة وفاة في الصين حتى بلغت الوفيات المليون الأول، ثم لم يمر سوى ثلاثة أشهر ونصف أخرى للوصول إلى المليون الثاني. ثم تجاوز عدد الوفيات الـ3 ملايين السبت الماضي، بحسب بيانات جامعة جونز هوبكنز، وذلك بعد مرور نحو ثلاثة أشهر فقط من تجاوز حاجز المليون الثاني في 15 من يناير (كانون الثاني) الماضي.
ويشار إلى أن قِصَر الفترة الفاصلة بين تسجيل كل مليون حالة والأخرى، إلى جانب العدد المتزايد من الحالات الجديدة التي يتم تسجيلها في جميع أنحاء العالم، يوجه صفعة للآمال بشأن اقتراب موعد نهاية الوباء في ظل نشر اللقاحات على نطاق واسع.
ومن المرجح أن تكون الحصيلة الحقيقية للوفيات المرتبطة بالإصابة بمرض «كوفيد - 19» الناتج عن الإصابة بالفيروس، أعلى بكثير من ثلاثة ملايين، بسبب التقارير غير المكتملة في أنحاء العالم، بحسب «بلومبرغ».
ويؤكد ذلك المنعطف الكئيب على اتساع التفاوت في مكافحة الوباء العالمي، وهو ما يتوازى مع الفجوة المتعلقة بالوصول إلى اللقاح. وبينما تباطأت معدلات الوفاة إلى حد كبير في الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا بفضل حملات التطعيم التي تعد بالعودة إلى بعض مظاهر الحياة الطبيعية، فإن دول العالم النامي، ولا سيما البرازيل، تتحمل عبء حصيلة الوفيات المتزايدة.
ويشار إلى أن هناك خمس دول فقط تم فيها تسجيل نحو نصف آخر مليون حالة وفاة. فقد سجلت الولايات المتحدة وحدها 18 في المائة من إجمالي الوفيات العالمية، وهي ما زالت الدولة ذات أعلى نسبة وفيات. إلا أن الوضع يتغير في الوقت الحالي، حيث صارت حالات الوفاة تتزايد في الأجزاء الأقل ثراء من العالم، ومن بينها تلك التي تكافح من أجل الحصول على اللقاحات.
ومن بين آخر مليون حالة وفاة تم تسجيلها حول العالم، زاد عدد الوفيات التي سجلتها البرازيل بنسبة 5.‏9 نقطة مئوية بالمقارنة مع المليون حالة وفاة السابقة، تليها المكسيك وبيرو.
من ناحية أخرى، انخفض عدد الوفيات في دول أخرى عند تسجيل المليون حالة وفاة الأخيرة، حيث كانت الهند وإيران والأرجنتين أكثر الدول التي شهدت تراجعاً في أعداد الوفيات. كما كان للدول المتقدمة، من إيطاليا والولايات المتحدة إلى فرنسا وبلجيكا، نسبة أقل من حيث عدد الوفيات الجديدة التي تم تسجيلها بالمقارنة مع نسبتها عند تسجيل المليون وفاة السابقة.
ومن جانبهم، يقول مسؤولو الصحة العامة إن النتائج تؤكد على ضرورة توصيل اللقاحات إلى جميع دول العالم. ويشار إلى أن حوالي 40 في المائة من اللقاحات المضادة لمرض «كوفيد - 19» ذهبت إلى أشخاص في 27 دولة غنية تمثل 11 في المائة فقط من سكان العالم، بحسب إحصاءات وكالة «بلومبرغ» للأنباء.
من ناحية أخرى، يقول بالي بوليندران، أستاذ علم الأحياء الدقيقة والمناعة في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، إن وتيرة إعطاء اللقاحات صارت أسرع بنسبة 2400 في المائة في أغنى دول العالم، مضيفاً أن «هناك الكثير من الدول التي لم يحصل فيها المواطنون على تطعيم واحد».
وقال: «لا يكفي تطعيم الجميع في دولة واحدة. ما لم يتم تطعيم جميع السكان، لن نتمكن من السيطرة على الوباء».
وتمثل التفاوتات في الحصول على اللقاحات خطراً على العالم، فكلما زاد انتشار فيروس كورونا بدون رادع، زادت فرص تطوره لسلالات جديدة خطيرة.
وقد ثبت بالفعل أن بعض اللقاحات المستخدمة حالياً، أقل فعالية ضد السلالات الجديدة، مثل السلالة التي تم اكتشافها في جنوب أفريقيا. ولا يمكن استبعاد فرضية دخول سلالة إلى دولة حصلت على التطعيمات اللازمة بصورة كبيرة، مما يؤدي إلى حدوث موجة أخرى من انتشار حالات الإصابة بـ«كوفيد - 19».
وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس قال، في إحاطة إعلامية في وقت سابق من الشهر الجاري، إن «اللقاحات تعطي لنا ضوءاً في نهاية النفق، ولكننا لم نصل إلى هناك بعد... يجب علينا جميعاً الاستمرار في حماية أنفسنا ومن حولنا، من خلال اتخاذ الخيارات الصحيحة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟