لبنان: انقسام قضائي حيال إنهاء تمرّد القاضية عون على رؤسائها

«القضاء الأعلى» استدعاها إلى جلسة اليوم

TT

لبنان: انقسام قضائي حيال إنهاء تمرّد القاضية عون على رؤسائها

ينتظر أن يحسم مجلس القضاء الأعلى، في جلسة يعقدها قبل ظهر اليوم (الثلاثاء)، موقفه من المدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون، حيال رفضها تنفيذ قرار النائب العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، بكف يدها عن النظر في الملفات القضائية، بعدما انتهى الاجتماع الاستثنائي الذي عقده أمس إلى «لا قرار»، واكتفى ببيان مقتضب جداً، أعلن فيه أنه «تباحث في الوضع القضائي، وأكد قرار دعوة القاضية غادة عون للاستماع إليها في جلسة تعقد عند الساعة العاشرة من قبل ظهر غدٍ (اليوم)، وأبقى جلساته مفتوحة».
وتضاربت المعلومات حول الإرباك الذي ساد جلسة مجلس القضاء الأعلى أمس، وعدم اتفاق كامل أعضائه على قرار واضح، ما استدعى تأجيل الموضوع إلى جلسة اليوم، إلا أن الأجواء التي رافقت الاجتماع تحدثت عن «ضغوط سياسية كبيرة يتعرض لها مجلس القضاء، واتصالات متلاحقة من فريق رئيس الجمهورية، لقطع الطريق على أي قرار عقابي ضد القاضية عون، على الرغم من تمردها على قرار رئيسها، ما يكشف بوضوح انسحاب الانقسام السياسي على الواقع القضائي».
ويعد مجلس القضاء الأعلى رأس السلطة القضائية الناظم لعملها الساهر على حسن سير العدالة ومراقبة سلوك القضاة وإخضاعهم لمبدأ الثواب والعقاب، كما أن مجلس القضاء الأعلى هو المرجعية التي أوكل إليها القانون وحدها إجراء التشكيلات والمناقلات القضائية، وإسناد المراكز الحساسة لقضاة ذوي كفاءة، غير أن المجلس الحالي برئاسة القاضي سهيل عبود سرعان ما أصيب بانتكاسة كبيرة، جراء تجميد مرسوم التشكيلات القضائية الذي أعده ربيع العام الماضي، من خلال رفض رئيس الجمهورية توقيعه، لسبب أساسي وجوهري، وهو نقل معظم القضاة المحسوبين على العهد من مناصبهم التي عينوا فيها، وعلى رأسهم القاضية غادة عون، بسبب مآخذ كبيرة على أدائهم.
وفي حين لم يفصح المجتمعون عن الأسباب الموجبة لتأخر اتخاذ موقف من تمرد القاضية عون، قلل مصدر في مجلس القضاء الأعلى، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، من سلبيات تأخير اتخاذ قرار حاسم بهذا الصدد، مشيراً إلى أن المجلس «أبقى جلساته مفتوحة إلى حين التوصل إلى قرار جامع يضع حداً للانقسام الحاصل، ويحول دون انفجار الوضع القضائي برمته».
ولم ينفِ المصدر وجود تباين في الآراء حول المنحى الذي يفترض أن تسلكه الأمور، وعلمت «الشرق الأوسط» أن أحد أعضاء المجلس أطلق خلال الاجتماع صرخة أشبه بانتفاضة، وقال: «يجب أن نتحدث بلغة يفهمها الشعب اللبناني الذي نحكم باسمه، وليس بلغة القانون فحسب»، داعياً إلى وضع حد «لهذه المهزلة التي تضرب هيبة القضاء ومصداقيته لدى الناس». وفهم من هذا الكلام دعوة صريحة إلى اتخاذ قرار تأديبي نهائي بحق القاضية عون التي تضرب عرض الحائط بالأصول القانونية.
وفي المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» أيضاً أن عضوين في مجلس القضاء الأعلى محسوبين على العهد «اعترضا على أي قرار تأديبي أو زجري بحق القاضية عون، وطالبا بتسوية الخلاف من دون إجراءات تعقد الأمر؛ وهذا يتعارض مع الموقف الموحد الذي اتخذه المجلس الأسبوع الماضي، وفوض القاضي عويدات بإقصاء القاضية عون عن بعض الملفات».
ووفق الأجواء المواكبة للاجتماع، فإن «التحفظ المستجد لأعضاء في مجلس القضاء على معاقبة القاضية عون أحدث ما يشبه حالة الانقسام، ما استدعى التريث في اتخاذ قرار، ودعوة القاضية عون للمثول أمام مجلس القضاء للاستماع إليها، ومساءلتها عن سبب عدم التزامها بقرار رئيسها (عويدات)، بكف يدها عن الملف المالي، وإصرارها على اقتحام مكاتب شركة (مكتّف) للصيرفة، على الرغم من إحالة هذا الملف إلى المحامي العام الاستئنافي القاضي سامر ليشع، بعد قرار عويدات إعادة توزيع الأعمال لدى قضاة النيابة العامة في جبل لبنان».
وعُلم أن القاضية عون أبلغت مجلس القضاء الأعلى، خلال الاتصال بها واستدعائها، أنها ستحضر جلسة اليوم، لكنها سترفض تنفيذ قرار القاضي عويدات تسليم الملف المالي إلى القاضي سامر ليشع، وهو ما سيعقد الموقف. ولا تخفي المصادر المواكبة لتطورات هذه الأزمة أن «رفض القاضية تسليم الملف إلى القاضي البديل عنها يعني أنها كرست تمردها على رؤسائها، وعلى مجلس القضاء مجتمعاً؛ وهذا يضع الأخير أمام عدة خيارات كلها مرة».
وشددت على أن «الخيار الأول الممكن اللجوء إليه إعلان عدم أهليتها للاستمرار في عملها بصفتها قاضية، إلا أن ذلك يحتاج إلى إجماع أعضاء مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائية، وهذا الأمر غير متوفر، لوجود أعضاء معترضين على هذا التوجه؛ والثاني إحالتها على هيئة التفتيش القضائي، ومطالبتها بالتوقف عن ممارسة مهامها إلى أن ينتهي من التحقيق معها، ورفع توصية إلى مجلس القضاء الأعلى، إما بخفض درجاتها أو إحالتها على التأديب القضائي، وهذا الطرح غير ذي جدوى لأن ثمة قضايا أربع عالقة أمام التفتيش ضد القاضية عون، وهي ترفض المثول أمامه والانصياع إلى أوامره؛ والخيار الثالث هو صرف النظر عن معاقبتها، وهذا يعد موقفاً مدمراً للقضاء لأنه يفتح الباب أمام أي قاضٍ للتمرد على رئيسه، والعمل وفق حساباته».
وعلى الرغم من إعلانها الاستمرار بالتحقيق في ملف شركة «مكتّف» للصيرفة التي سبق للقاضية عون أن ادعت على صاحبها ميشال مكتّف، وعلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس مجلس إدارة مصرف «SGBL» أنطوان صحناوي، بجرائم «تهريب الأموال إلى الخارج، والتلاعب بسعر صرف الدولار، وضرب العملة الوطنية»، أعلن مصدر في النيابة العامة التمييزية لـ«الشرق الأوسط» أن «الأسلوب الذي لجأت إليه القاضية غادة عون، لجهة التمرد على قرار النائب العام التمييزي، والدخول إلى مكاتب شركة (مكتّف) عبر الكسر والخلع، أساء إلى التحقيق القضائي الذي أوكله عويدات إلى القاضي سامر ليشع، خصوصاً أنه طلب منه اتخاذ الإجراءات القانونية كافة التي يقتضيها التحقيق». وذكر المصدر بأن العمل القضائي «يقوم على مبدأي الأصول والحقوق، فإذا جرى تخطي الأصل ضاع الحق»، معتبراً أن القاضية عون «ليست صاحبة صلاحية للتحقيق في قضية عالقة أمام النيابة العامة المالية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».