اليمن يتهم الانقلابيين بافتعال أزمة وقود ونهب العائدات

في أعقاب دعوات دولية لتسهيل وصول السفن إلى الحديدة

ميناء الحديدة في صورة التُقطت يوم 20 مارس الماضي (أ.ف.ب)
ميناء الحديدة في صورة التُقطت يوم 20 مارس الماضي (أ.ف.ب)
TT
20

اليمن يتهم الانقلابيين بافتعال أزمة وقود ونهب العائدات

ميناء الحديدة في صورة التُقطت يوم 20 مارس الماضي (أ.ف.ب)
ميناء الحديدة في صورة التُقطت يوم 20 مارس الماضي (أ.ف.ب)

جددت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً اتهام الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران بالوقوف وراء افتعال أزمة المشتقات النفطية، في مناطق سيطرة الجماعة، وإنشاء سوق سوداء لمضاعفة معاناة السكان، وجني المزيد من الأموال لتسخيرها لمصلحة المجهود الحربي.
الاتهام الحكومي للجماعة الانقلابية وقادتها جاء عقب بيان لمجلس الأمن الدولي عبّر فيه عن قلقه البالغ إزاء الحالة الاقتصادية والإنسانية المتردية، «وتزايد خطر حدوث مجاعة على نطاق واسع»، مع تأكيده على «أهمية تسهيل الواردات التجارية المهمة والمساعدات الإنسانية».
كما دعا البيان الحكومة إلى تسهيل دخول سفن الوقود بشكل منتظم لميناء الحديدة، لضمان إيصال السلع الأساسية والمساعدات الإنسانية، لكنه في الوقت نفسه شدد على أن «الوقود الذي يصل عبر ميناء الحديدة يجب ألا يُستخدم لتحقيق مكاسب شخصية أو لتمويل تصعيد الصراع».
وفي هذا السياق كشف المجلس الاقتصادي الأعلى التابع للحكومة اليمنية عن أن تدفق الوقود عبر الموانئ اليمنية بلغ خلال النصف الأول من أبريل (نيسان) الحالي، أكثر من 276 ألف طن متري، ذهب نحو 70 في المائة منها براً إلى مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، حيث تصر الجماعة على افتعال أزمات الوقود المتكررة.
وأوضح المجلس الاقتصادي اليمني في أحدث بيانات له على «تويتر» أن الكميات التي تصل من الوقود إلى مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية بشكل يومي تُقدّر بنحو 12 ألف طن متري، حيث تقوم الجماعة بالسيطرة على هذه الكميات «وتوجيهها لتعزيز السوق السوداء».
كما أفاد المجلس الاقتصادي اليمني الأعلى بأن نحو 56.856 طناً مترياً من المشتقات النفطية تم توريدها إلى الموانئ في المناطق المحرّرة الخاضعة للحكومة، بواسطة شركات وتجار من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بعد تطبيق قرارات الحكومة وإجراءاتها وبسهولة ودون أي مشاكل أو عوائق أسوة بالتجار والشركات من المناطق المحررة.
وأوضح المجلس أن الميليشيات الحوثية فرضت زيادة في أسعار المحروقات في مناطق سيطرتها بلغت في النصف الأول من أبريل 150 في المائة، وأضاف: «رغم تدفق الوقود بكميات تجاوزت الاحتياج المدني... يصر الحوثيون على تعزيز السوق السوداء واستغلال حاجة المواطنين والمتاجرة بالمعاناة الإنسانية التي تسببوا بها».
في السياق نفسه، عزز وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية معمر الإرياني من هذه الاتهامات، وقال في تصريحات رسمية: «إن مؤشرات تدفق الوقود إلى اليمن خلال النصف الأول من أبريل الحالي (2021) التي كشف عنها المجلس الاقتصادي الأعلى، تؤكد من جديد أكذوبة الحصار، وافتعال ميليشيا الحوثي أزمة المشتقات النفطية في مناطق سيطرتها لإنعاش السوق السوداء التي تديرها، ونهب المواطنين لتمويل ما تسميه المجهود الحربي».
وأوضح الإرياني أن المؤشرات تؤكد أن كمية الوقود المتدفق إلى اليمن في النصف الأول من أبريل بلغت 276، 503 طن متري، وهي تلبي متوسط الاحتياج المدني والإنساني في جميع مناطق اليمن لمدة 20 يوماً، وأن 70 في المائة منها تم نقلها براً لمناطق سيطرة ميليشيا الحوثي بمتوسط يومي 12.000 طن متري وجهتها الميليشيا للسوق السوداء.
وأكد الوزير اليمني على ما أورده المجلس الاقتصادي الأعلى من بيانات، وقال: «إن مؤشرات تدفق الوقود أكدت أن 56.856 طناً تم توريدها من الموانئ المحررة بواسطة شركات وتجار من المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، وأن 150 في المائة هي نسبة الزيادة التي تفرضها الميليشيا في أسعار الوقود بمناطق سيطرتها، وتفرضها عن طريق السوق السوداء التي تديرها بعد أن جففت السوق الرسمية.
وأكد الإرياني استخدام ميليشيا الحوثي الملف الإنساني كورقة لتضليل وابتزاز المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، واستمرارها في افتعال أزمة المشتقات النفطية، والمتاجرة بالأوضاع والمعاناة الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية ومادية، وتنفيذاً لسياسات الإفقار والتجويع الممنهج بحق المواطنين.
ويشير مراقبون يمنيون إلى أن الميليشيات الحوثية دأبت على تحويل ملف استيراد الوقود إلى ميناء الحديدة إلى ورقة ابتزاز سياسية وإنسانية للحكومة الشرعية والمجتمع الدولي رغم الآلية المتفق عليها مع الأمم المتحدة، التي تنصلت منها الجماعة لاحقاً للاستيلاء على عائدات الشحنات التي كان من المتفق عليه بموجب الآلية الأممية أن تخصص لدفع رواتب الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الانقلاب.
ورغم وفرة المشتقات النفطية في مناطق سيطرة الجماعة حيث تحرص الحكومة الشرعية على تواصل تدفق الإمداد بما لا يؤثر على احتياجات السكان، فإن الجماعة جابهت هذا الصنيع بإخفاء الوقود في مستودعات يديرها قادتها للتربح من هذه الكميات وبيعها في السوق السوداء لتمويل مجهودها الحربي، دون الالتفات إلى معاناة السكان.
وتستغل الجماعة المدعومة من إيران هذا الملف (ملف الوقود) سواء للضغط على الأمم المتحدة والدوائر الغربية، ليس من أجل خفض الأسعار أو إنعاش الحركة التجارية، ولكن من أجل إطلاق يدها في الاستيلاء على عائدات الشحنات من جهة، وسعياً لرفع القيود التي تراقب حركة الشحنات للحصول على النفط الإيراني المهرب، وفق ما تقوله تقارير حكومية وأخرى أممية.
الابتزاز الحوثي بهذه الورقة دفع الحكومة الشرعية قبل يومين إلى السماح بدفعة جديدة من سفن الوقود المستوفية للمعايير إلى ميناء الحديدة، في وقت حصلت الجماعة فيه أيضاً على شحنة وقود أممية من مادة الديزل تُقدّر بنحو 4500 طن وهي المادة التي عادة ما تستخدمها الجماعة في تسيير آلياتها القتالية وإدارة ورش صناعة الألغام وتركيب الصواريخ المهربة.


مقالات ذات صلة

اتهامات للحوثيين بارتكاب 13 ألف انتهاك حقوقي في البيضاء خلال عشر سنوات

العالم العربي جانب من المؤتمر الصحافي الذي عقد بمحافظة مأرب عن انتهاكات جماعة الحوثي في البيضاء (سبأ)

اتهامات للحوثيين بارتكاب 13 ألف انتهاك حقوقي في البيضاء خلال عشر سنوات

كشف تقرير حقوقي يمني عن توثيق نحو 13 ألف انتهاك لحقوق الإنسان في محافظة البيضاء (وسط اليمن) ارتكبتها ميليشيا الحوثي خلال السنوات العشر الأخيرة

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ خلال أحدث إحاطاته أمام مجلس الأمن (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط»: غروندبرغ ملتزم بالوساطة... والتسوية اليمنية

في أعقاب فرض عقوبات على قيادات حوثية، أكد مكتب المبعوث الأممي التزامه بمواصلة جهوده في الوساطة، والدفع نحو تسوية سلمية وشاملة للنزاع في اليمن.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي الحوثيون يحكمون قبضتهم على مناطق شمال اليمن ويسخرون الموارد للتعبئة العسكرية (أ.ب)

عقوبات أميركية على قيادات حوثية

فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة أمس على سبعة من كبار القادة الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي الأمم المتحدة تخطط للوصول إلى 12 مليون يمني بحاجة إلى المساعدة هذا العام (إ.ب.أ)

انعدام الأمن الغذائي يتفاقم في 7 محافظات يمنية

كشفت بيانات أممية عن تفاقم انعدام الأمن الغذائي في 7 من المحافظات اليمنية، أغلبها تحت سيطرة الجماعة الحوثية، وسط مخاوف من تبعات توقف المساعدات الأميركية.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي الشراكات غير العادلة في أعمال الإغاثة تسبب استدامة الأزمة الإنسانية في اليمن (أ.ف.ب)

انتقادات يمنية لأداء المنظمات الإغاثية الأجنبية واتهامات بهدر الأموال

تهيمن المنظمات الدولية على صنع القرار وأعمال الإغاثة، وتحرم الشركاء المحليين من الاستقلالية والتطور، بينما تمارس منظمات أجنبية غير حكومية الاحتيال في المساعدات.

وضاح الجليل (عدن)

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.