على وقع متصاعد يوازي إيقاع الحياة لاهث الأنفاس من فرط التسارع في مصر، انفجر بركان مكنون من الحالة الوطنية في كافة ربوع الدولة التي تكافح الإرهاب على أرضها منذ شهور، وتطور إلى حرب خارجها خلال الأيام الماضية.
الحالة الوطنية العامة طالت وسائل الإعلام، التي أطلقت يدها في بث الأغاني الوطنية، بين بعض الإذاعات والقنوات الخاصة التي تذيع على مدار اليوم أغنيات وطنية حديثة، إلى مواقع إلكترونية تبث محتوى شبابيا له جمهور عريض يحث على التضامن والوحدة، لكن الأكثر انتشارا وإدهاشا وإثارة لوجدان المصريين خلال اليومين الماضيين كان إذاعة عدد كبير من الأغاني الوطنية القديمة، التي صارت جزءا من تراث مصر خلال حقبة الحرب مع إسرائيل في العقد الماضي.
المدهش في الأمر لم يكن إذاعة أغنيات مثل «يا حبيبتي يا مصر» لشادية، و«على الربابة بغني» لوردة، وهي أغنيات استمرت إذاعتها وشعبيتها بالطبع منذ بثها للمرة الأولى إلى اليوم، في كل المناسبات الوطنية أو حتى الكروية.. لكن أغنيات أخرى «محظورة» لكبار فناني مصر، وأغلبها لعبد الحليم حافظ، كانت سر الدهشة الممزوجة بالحنين.
وكانت أغنيات شهيرة لحافظ على غرار «خلي السلاح صاحي» و«فدائي» و«ابنك بيقولك يا بطل» و«احلف بسماها وبترابها» و«عدى النهار»، و«راجعين» لأم كلثوم، وغيرها مما اصطلح على تسميته بـ«أغنيات حرب الاستنزاف»، والتي خاضتها مصر ضد إسرائيل عقب هزيمة عام 1967 وحتى انتصار عام 1973، كانت ممنوعة من الإذاعة العامة بأمر سياسي «غير مكتوب أو معلن»؛ لكنه معلوم للكافة من القيادة المصرية في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات منذ دخول مباحثات اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في نهاية السبعينات إلى حيز الجدية.
واستشرت موجة إذاعة الأغاني الحماسية على كل موجات القنوات والإذاعات المصرية بعد تأكد أنباء توجيه القوات الجوية لمصرية لضربات لمعاقل تنظيم داعش في ليبيا، ثأرا لنحر 21 مصريا هناك. وبينما حازت هذه الأغنيات «العتيدة» على إعجاب واسع، خاصة من جيل قد يسمعها لأول مرة بعد غياب لأكثر من 35 عاما، كانت أغنيات أخرى حديثة تذاع على موجات وفضاءات أخرى، تدعو على طريقتها لذات الغرض من الوحدة الوطنية عبر نبذ العنف الداخلي، لتحقق رواجا فائق المليون مشاهدة على موقع «يوتيوب».
ولأن الأحزان تلف بيوتا كثيرة في مصر، كل لأسبابه، تأتي دعوات إعادة الاصطفاف والرجوع إلى السلام النفسي من الجميع، في محاولة للقفز عبر دائرة لا تتوقف من الشجون. ومن هنا، قام فنان كوميدي مصري غير مشهور يدعى شادي سرور، يبلغ من العمر 19 عاما، بإطلاق فيديو لأغنية تحمل عنوان «دم رخيص» على قناته الخاصة على موقع «يوتيوب»، يتناول فيها سجل دماء المصريين المسطر في مشاهد متعددة ومواقع مختلفة باختلاف الانتماءات السياسية، منذ أحداث ثورة يناير (كانون الثاني) وضحايا الملاعب من ضحايا بورسعيد وصولاً إلى استاد الدفاع الجوي، وكذلك ضحايا رابعة وضباط الجيش والشرطة في سيناء، والتفجيرات التي ملأت محافظات مصر، وأيضا ضحايا حوادث الطرق، داعيا في نهاية الأغنية إلى توحيد الصف والاصطفاف حول الوطن دون الخوض في معارك جديدة لا يخسر فيها المصريون سوى أعداد إضافية منهم نتيجة اقتتال داخلي؛ تحت أي مبرر.
سرور الذي التقطت آذان الشباب المصري أغنيته المستقلة ليتخطي عدد مشاهديها المليون متابع على موقع «يوتيوب»، اشتهر بتقديم المقاطع الكوميدية الصغيرة التي ينتقد بها الواقع المصري بشكل ساخر وخفيف.. إلا أن أغنية «دم رخيص» التي تقع في 4 دقائق و15 ثانية، لاقت خلال نحو 24 ساعة من إطلاقها، نسبة مشاهدة عالية تخطت 764 ألف مشاهد.
وتباينت ردود الفعل الشابة مع دعوة سرور إلى نبذ الاختلاف، ما بين تعليقات تقول إنه من الصعب أرضاء جميع الأطراف في أربع دقائق، وإن ما يرجوه صعب تحقيقه على أرض الواقع، وآخرون يرون أنه في وقت الأزمات العاصفة التي تمر بها مصر علينا أن نتنازل عن انتماءاتنا السياسية من أجل تلافي حدوث الكارثة، فيما اتفق الجميع على أن دماء المصريين رخيصة دائمًا على مختلف الأصعدة.
شادي، الذي يمثل نسبة كبيرة من الشباب المصري الذين أرهقتهم النزعات واختلافات المعسكرات الفكرية والسياسية التي ينتمون لها، وتَحمل كما متدفقا من التطورات والأحداث الدامية خلال وقت قصير، يُعرف نفسه على صفحته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه «يحلم أن يصبح أكبر صانع أفلام في العالم».
«داعش» يعيد المصريين إلى أحضان الأغنية الوطنية
«دم رخيص» تتجاوز المليون في يومين.. و«خلي السلاح صاحي» تعود بعد 35 عامًا من الغياب
«داعش» يعيد المصريين إلى أحضان الأغنية الوطنية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة