كاسترو يدعو إلى «حوار قائم على الاحترام» مع واشنطن

كاسترو في المؤتمر الذي يتعين عليه في ختامه التنازل عن منصب السكرتير الأول للحزب الشيوعي (رويترز)
كاسترو في المؤتمر الذي يتعين عليه في ختامه التنازل عن منصب السكرتير الأول للحزب الشيوعي (رويترز)
TT

كاسترو يدعو إلى «حوار قائم على الاحترام» مع واشنطن

كاسترو في المؤتمر الذي يتعين عليه في ختامه التنازل عن منصب السكرتير الأول للحزب الشيوعي (رويترز)
كاسترو في المؤتمر الذي يتعين عليه في ختامه التنازل عن منصب السكرتير الأول للحزب الشيوعي (رويترز)

في الوقت الذي ندد راؤول كاسترو، في آخر خطاب له على رأس الحزب الحاكم في كوبا، بما سمّاه «الحرب الاقتصادية»، التي تشنّها واشنطن ضد بلاده، دعا السكرتير الأول للحزب الشيوعي الكوبي إلى «حوار قائم على الاحترام». وقال كاسترو أمام مؤتمر الحزب الذي افتتح الجمعة: «أؤكد أمام مؤتمر الحزب، الرغبة في حوار قائم على الاحترام، شكل جديد من العلاقات مع الولايات المتحدة، على ألا تتخلى كوبا عن مبادئ الثورة والاشتراكية». وأضاف أن «الهدف من الإجراءات (الأميركية) تشديد الحصار الاقتصادي» على كوبا، «بغية خنق البلاد وإحداث انفجار اجتماعي». وافتُتح الجمعة في كوبا مؤتمر الحزب الشيوعي الذي يستمر أربعة أيام، والذي يشكل هذا العام حدثاً تاريخياً، إذ سيضع حداً لستة عقود من حكم الأخوين كاسترو اللذين حل محلهما الآن جيل جديد. وعقب انفراج تاريخي بين عامي 2014 و2016، توترت العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة مجدداً في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي شددت إدارته الحصار المفروض على البلاد منذ عام 1962. من جهته، لم يعلن بايدن الذي تعهد خلال حملته الانتخابية برفع بعض من القيود المفروضة على كوبا، منذ توليه سدة الرئاسة، أي تدبير على صلة بالجزيرة. ولاقى راؤول كاسترو الذي كان يرتدي الزي العسكري، ترحيباً حاراً لدى وصوله إلى المؤتمر الذي سيتعين عليه في ختامه التنازل عن منصب السكرتير الأول للحزب الشيوعي إلى الرئيس ميغيل دياز كانيل، المدني البالغ 60 عاماً.
ويعقد الاجتماع المغلق بعد ستين عاماً تماماً من اليوم التالي لإعلان فيدل كاسترو الطابع الاشتراكي للثورة، الذي «لا عودة فيه» منذ تبني الدستور الجديد في العام 2019. وقال كاسترو: «فيما يتعلق بي، تنتهي مهمتي بصفتي سكرتيراً أولاً للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي، وأنا راضٍ عن أداء دوري ولدي ثقة بمستقبل الوطن».
وسيكون دياز - كانيل الذي تولى رئاسة البلاد منذ 2018 أول مدني يقود الحزب أيضاً، الذي أمضى فيه كل مسيرته السياسية.
وجاء في تغريدة أطلقها دياز - كانيل «إنه مؤتمر الاستمرارية»، مشدداً على أن الخطوط التوجيهية لأحد آخر خمسة بلدان شيوعية في العالم، لن تتغير.
رغم الطابع الملح للإصلاحات الاقتصادية التي تحتاج إليها البلاد الغارقة في أزمة كبرى جراء العقوبات الأميركية والجائحة، فإن عقيدة الحزب الأوحد ستبقى مصانة. وقال الرجل الثاني في الحزب خوسيه رامون ماتشادو فنتورا البالغ 90 عاماً، في افتتاح المؤتمر، كما اقتبست منه الصحافة الفرنسية، إن «الحزب ضمانة الوحدة الوطنية»، معرباً عن قناعته بـ«البقاء أوفياء لإرث شهدائنا على خطى فيدل وراؤول». قال رامون بلاندي، الناشط الشيوعي البالغ 84 عاماً، إن «راؤول لن يكون على رأس الحزب بعد الآن، لكن في حال وجود مشكلة سيكون راؤول موجوداً، فهو ما زال حياً».
في شوارع هافانا الخالية من السياح بسبب الوباء، يبدو الكوبيون مشغولين بمسائل مختلفة؛ منها نقص المواد الغذائية والانتظار في طوابير طويلة أمام المتاجر والتضخم الهائل الناجم عن توحيد العملتين المحليتين أخيراً.
وقالت ماريا مارتينيز، وهي متقاعدة تبلغ 68 عاماً: «آمل أن يتحسن الوضع مع عقد المؤتمر لأن الأسعار أصبحت مرتفعة جداً»، مؤكدة أنه «تمت زيادة الرواتب (...) لكن ذلك لا يكفي».
في الأشهر الأخيرة، شهدت كوبا نقمة اجتماعية غير مسبوقة، مدفوعة بوصول شبكة الجيل الثالث (3 جي) للاتصالات مؤخراً إلى الهواتف المحمولة، إضافة إلى مظاهرات لشرائح عدة من المجتمع المدني. واعتبر الكاتب الشهير ليوناردو بادورا، في مقالة نشرها موقع «نويفا سوسييداد»، أن «خروج راؤول كاسترو من المشهد السياسي هو – منطقياً - تحول تاريخي»، معتبراً أن هذا التحول قد لا يكون ملموساً على الفور. وتابع: «لكن الناس بحاجة إلى ما هو أكثر من ذلك»، مضيفاً أن الكوبيين يريدون «حياة أفضل. أعتقد أنهم يستحقون ذلك بعد تضحياتهم الكثيرة».
- «سي آي إيه» أرادت اغتيال راؤول كاسترو في 1960
> كشفت وثائق رفعت السرية عنها، الجمعة، أن أقدم محاولة معروفة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الأميركية لاغتيال أحد قادة الثورة الكوبية، تعود إلى ،1960 عندما عرض عميل لها عشرة آلاف دولار على طيار من أجل «ترتيب حادث» في طريق عودة راؤول كاسترو من براغ إلى هافانا. وتفيد الوثائق التي نشرها أرشيف الأمن القومي في واشنطن، كما جاء في تقرير الصحافة الفرنسية، بأن الطيار الذي يدعى خوسيه راؤول مارتينيز الذي جنّدته وكالة الاستخبارات المركزية، طلب في المقابل أن تتكفل الولايات المتحدة بالتعليم الجامعي لنجليه إذا مات أثناء العملية.
لكن بعدما أقلع مارتينيز إلى براغ، تلقى مكتب «سي آي إيه» في هافانا أمراً بإلغاء المهمة من دون أن يتمكن من الاتصال بالطيار. وعند عودته، أشار الطيار إلى أنه «لم يتمكن من ترتيب الحادث الذي تم البحث فيه». وقال المحلل في أرشيف الأمن القومي بيتر كورنبلو لوكالة الصحافة الفرنسية إن «هذه الوثائق تذكرنا بفصل مظلم ومشؤوم في العمليات الأميركية ضد الثورة الكوبية». وأضاف: «مع اقتراب نهاية حقبة كاسترو رسمياً، لدى السياسيين الأميركيين فرصة للتخلي عن هذا الماضي والمشاركة في مستقبل كوبا ما بعد كاسترو».
وتحدى فيدل كاسترو الذي تولى السلطة في 1959 أحد عشر رئيساً أميركياً، ونجا من العديد من المؤامرات لاغتياله، وكذلك من محاولة فاشلة لإنزال كوبيين في المنفى مدعومين من وكالة الاستخبارات المركزية في خليج الخنازير في جنوب الجزيرة في أبريل (نيسان) 1961.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟