«التيار» يكرر اتهام الحريري بعرقلة تشكيل الحكومة و«المستقبل» يدعوه إلى «وقف المسرحيات»

TT

«التيار» يكرر اتهام الحريري بعرقلة تشكيل الحكومة و«المستقبل» يدعوه إلى «وقف المسرحيات»

عاد تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن تعطيل الحكومة بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» مع عدم تسجيل أي خرق في المشاورات نتيجة تمسك كل طرف بمطالبه، في وقت كشف نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي أن «حزب الله» لا يمانع أن يسمي الرئيس المكلف سعد الحريري الوزراء الشيعة.
وفيما جدد «التيار» قوله إنه لا يريد المشاركة في الحكومة، رأى أن الرئيس المكلف سعد الحريري يمتنع عن التأليف، وهو ما رد عليه «المستقبل» بدعوته لوقف المسرحيات الهزلية والتوقف عن بث الأضاليل، وذكر أن الحريري كان قد قدم التشكيلة الحكومية إلى رئيس الجمهورية الذي لا يزال يحتجزها، قبل أربعة أشهر.
وقال «التيار» في بيان لـ«الهيئة السياسية» بعد اجتماعها الأسبوعي برئاسة النائب جبران باسيل: «ملّ اللبنانيون من تكرار الأسباب التي تقف وراء امتناع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، حيث إن هذا التأخير يرتد على حياة الناس ومعيشتهم ويفاقم من الانهيار المالي والاقتصادي». وفيما جدد القول إنه لن يشارك في الحكومة أكد «أنه لن يتوقف عن فعل كل ما يلزم، والمبادرة لحث الرئيس المكلف على التأليف من ضمن الميثاق والدستور وهو يقوم مؤخراً بجهدٍ إضافي ومكثف بعدة اتجاهات من أجل تشجيع رئيس الحكومة المكلف على وضع مشروع حكومة متكامل يقدمه لرئيس الجمهورية بحسب الأصول، من أجل الاتفاق بينهما على تأليف حكومة تحصل على ثقة المجلس النيابي والمجتمع الدولي واللبنانيين وكافة».
وتطرق «التيار» إلى مسألة الحدود البحرية للبنان، مشدداً على أنه «يجب أن تعالج على مستوى عالٍ من المسؤولية وباستراتيجية وطنية تسير بين حدين: عدم التفريط بالحقوق وبالثروة النفطية والغازية نتيجة العجز عن اتخاذ أي قرار جريء وبين الارتدادات المسيئة والمؤذية لأي قرار غير متأنٍ يتخذه لبنان»، مضيفاً أن «رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور والحقوق هو من نركن إليه لاعتماد السياسة الصالحة التي تسمح لنا باستثمار ثرواتنا وتمنع عنا ضياع الفرص والأضرار الناتجة عن ذلك، لا التخاذل ينفعنا ولا الشعبوية والمزايدة تجدينا. وحدها المسؤولية الوطنية هي ما ينقذ ثرواتنا».
ورد «المستقبل» على «الوطني الحر» بدعوته للتوقف عن بث الأضاليل، وقال، في بيان، إنه «يدعو التيار الوطني الحر إلى وقف المسرحيات الهزلية المملة، كما إلى التوقف عن بث الأضاليل فهو يعرف أن الرئيس المكلف قدّم تشكيلة حكومية كاملة المواصفات منذ أكثر من أربعة أشهر، استناداً إلى معايير الدستور والميثاق والكفاءة، ولكن للأسف حتى الآن فإن رئيس الجمهورية يحتجزها إلى جانب التشكيلات القضائية ومراسيم مجلس الخدمة المدنية».
وأكد «المستقبل» أن «الحل يكمن في الحفاظ على الدستور واحترام القوانين وعدم التدخل في صلاحيات المؤسسات الدستورية وعدم استخدام القضايا الكبرى لأهداف شخصية كما حصل في مسرحية تعديل مرسوم الحدود البحرية وإدخاله في بازار المزايدات السياسية والانتخابية قبل الرجوع إلى الأساس».
في موازاة ذلك، اعتبر نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي أن مسار التأليف عملية انقلابية على الدستور ومفاهيمه، كاشفاً أن «حزب الله» يوافق على أن يسمي الحريري الوزراء الشيعة.
وقال في حديث إذاعي إنه «لا جهود إضافية ستبذل في مسعى تأليف الحكومة بسبب استمرار التعنت الداخلي على عدم تسيير شؤون البلاد والناس»، مضيفاً: «الرئيس سعد الحريري مستعد للاتفاق، وقد أبدى ذلك بشكل واضح في العروض التي أرسلها من خلال الوسطاء»، وكاشفاً أن «حزب الله موافق على تسمية الرئيس الحريري للوزراء الشيعة في التشكيلة التي قدمها أخيراً لأنه يعطي الأولوية للاستقرار على تسمية الوزراء».
ومن أبرز العقد العالقة أمام تأليف الحكومة، رفض رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل أن يسمي الحريري عدداً من الوزراء المسيحيين، معتبرين أن هذا الأمر لا يحق له، وذلك انطلاقاً أيضاً من تسمية كل طائفة لوزرائها، إضافة إلى أن المعلومات كانت تشير إلى أن «حزب الله» وحركة «أمل» سيسميان الوزراء الشيعة.
واعتبر الفرزلي أن «توتر العلاقة بين الرئيسين عون والحريري ليس العائق الأساس أمام عدم تأليف الحكومة، ويمكن تخطيه، والرئيس الحريري لن يُحرج ليخرج»، وقال إن «المصلحة الوطنية تقتضي بقاء الطرفين فلا يمكن لأحدهما أن يُحَيَّد ليبقى الآخر»، داعياً «إلى النظر بإيجابية إلى مسار تشكيل الحكومة لخلق ديناميكية تساعد في الإسراع بالتشكيل».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.