«مخلفات الحرب» في سوريا تحصد أرواح أكثر من 100 مدني

قصف صاروخي من قوات النظام على مناطق بريفي إدلب وحماة

سوق خضار وسط الدمار في أريحا بريف إدلب أول من أمس (أ.ف.ب)
سوق خضار وسط الدمار في أريحا بريف إدلب أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

«مخلفات الحرب» في سوريا تحصد أرواح أكثر من 100 مدني

سوق خضار وسط الدمار في أريحا بريف إدلب أول من أمس (أ.ف.ب)
سوق خضار وسط الدمار في أريحا بريف إدلب أول من أمس (أ.ف.ب)

كشف إحصاء نشره «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أمس (الجمعة)، أن أكثر من مائة مدني قُتلوا منذ بداية السنة نتيجة انفجارات من مخلفات الحرب الدائرة في سوريا منذ عام 2011. وجاءت هذه الحصيلة في وقت تراجع إلى حد كبير عدد السوريين الذين يُقتلون نتيجة المواجهات بين الأطراف العديدة المتقاتلة في سوريا بعدما باتت خطوط السيطرة مجمدة فعلياً عند الخطوط التي بلغتها في مطلع عام 2020.
وذكر «المرصد» في تقرير من محافظة حمص، أن مواطنين اثنين قُتلا، أمس، جراء انفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب في منطقة سد وادي أبيض في بادية تدمر بريف حمص الشرقي.
وأفاد «المرصد» بأنه وثق مقتل أكثر من 101 مدني نتيجة انفجار ألغام من مخلفات الحرب في مناطق سورية متفرقة، من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، خلال الفترة الممتدة منذ مطلع عام 2021 وحتى مارس (آذار) الماضي، بينهم 20 مواطنة و34 طفلاً. وأوضح أنه أصيب خلال الفترة ذاتها أكثر من 42 مدنياً بجروح متفاوتة بعضهم في حالات خطرة. ومن بين العدد الكلي للضحايا، وثق «المرصد» مقتل 44 شخصاً بينهم 13 مواطنة و5 أطفال خلال جمعهم مادة الكمأة التي تنمو في المناطق التي تتعرض لأمطار غزيرة وتباع بأسعار باهظة. وأشار إلى أن أكبر حصيلة لـ«ضحايا الكمأة» جاءت في 7 مارس ببادية حماة الشرقية نتيجة انفجار لغمين في منطقة وادي العذيب (شرق حماة)، مما أدى إلى مقتل 18 شخصاً بينهم 10 نساء.
في غضون ذلك، رصد «المرصد»، بعد منتصف ليلة الخميس - الجمعة، قصفاً صاروخياً نفذته قوات النظام السوري على مناطق في أطراف كنصفرة والبارة وفليفل وبينين وسفوهن ضمن جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، وسط استهداف بالرشاشات الثقيلة لمحاور التماس في العنكاوي بسهل الغاب شمال غربي حماة. وجاء هذا القصف بعد مقتل اثنين من عناصر «الجبهة الوطنية للتحرير» المعارضة جراء انفجار لغم أرضي بهما على أحد محاور القتال مع قوات النظام في منطقة البارة التابعة لجبل الزاوية.
كان «المرصد» أعلن أول من أمس رصد دوي انفجار عنيف ضرب مدينة إدلب ونجم عن استهداف جوي من قبل طائرة مسيرة «يرجح أنها تابعة للتحالف الدولي» آلية تابعة لإحدى الفصائل العسكرية العاملة في المنطقة، وذلك غرب مدينة إدلب، ما أدى إلى أضرار مادية. ولم ترد معلومات عن هوية المستهدفين.
وفي جنوب البلاد، تحدث «المرصد» عن استمرار «الانفلات الأمني» في محافظة درعا منذ اتفاق التسوية والمصالحة الذي تم بين الفصائل المعارضة، من جهة، وقوات النظام، من جهة أخرى، في عام 2018. وأشار إلى تعرض مواقع عسكرية وشخصيات محسوبة على النظام و«حزب الله» اللبناني، لهجمات متواصلة. وأضاف أنه في سياق هذه الهجمات «قُتل عنصران من مرتبات فرع الأمن العسكري بالرصاص إثر استهداف سيارة كانت تقل مجموعة عناصر من قبل مسلحين مجهولين، في مدينة نوى بريف درعا الغربي». كما اغتال مسلحون مجهولون بالرصاص مقاتلاً سابقاً في الفصائل المعارضة ممن أجروا اتفاق التسوية، وباتوا في صفوف قوات النظام، حيث أصبح يعمل قائداً لمجموعة مسلحة في «قوات الغيث» التابعة للفرقة الرابعة بقوات النظام، وذلك على الطريق الواصلة بين بلدتي أم المياذن والنعيمة شرق درعا، حسب «المرصد» الذي أوضح أن القتيل شقيق المقدم ياسر العبود الذي قُتل عندما كان يقاتل في صفوف الفصائل المعارضة.
ووفق إحصاءات «المرصد»، فقد بلغ عدد الهجمات ومحاولات الاغتيال في درعا والجنوب السوري خلال الفترة الممتدة من يونيو (حزيران) 2019 وحتى الآن 991 هجمة وعملية اغتيال، فيما وصل عدد الذين قُتلوا إثر تلك المحاولات خلال الفترة ذاتها إلى 671 قتيلاً هم 185 مدنياً، و312 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها والمتعاونين مع قوات الأمن، و123 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا «تسويات ومصالحات»، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية، و24 من الميليشيات السورية التابعة لـ«حزب الله» اللبناني والقوات الإيرانية، بالإضافة إلى 27 من عناصر ما يُعرف بـ«الفيلق الخامس».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.