إدريس ديبي... رجل باريس المدلل في أفريقيا

الرئيس ـ المارشال يفوز بولاية رئاسية سادسة

إدريس ديبي... رجل باريس المدلل في أفريقيا
TT

إدريس ديبي... رجل باريس المدلل في أفريقيا

إدريس ديبي... رجل باريس المدلل في أفريقيا

إذا كان لباريس طفل مدلل في أفريقيا، فإن اسمه إدريس ديبي.
يتغير رؤساء الجمهورية في فرنسا، ولكن ثمة ثابتة لا تتغير، وهي الدعم المطلق لهذا القائد العسكري الذي وصل إلى السلطة في جمهورية تشاد – إحدى مستعمرات فرنسا السابقة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى عام 1990 – وذلك بفضل الدعم المتعدد الأشكال الذي قدمته القوات الفرنسية المرابطة في تشاد منذ حصولها على الاستقلال في العام 1960.
منذ 31 سنة، تربع إدريس ديبي على قمة السلطة، وها هو يفوز بولاية سادسة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 11 الحالي، بحيث أصبح عميد الرؤساء، ليس في أفريقيا وحدها التي تعاني من هذه الظاهرة، بل في العالم كله. وما يجدر ذكره، أنه لكون الدستور التشادي قد فُصّل على قياس ديبي، فإنه لا يضع حدوداً للولايات الرئاسية المتعاقبة، ومن ثم، يغدو الرهان على استمرار الرئيس الحالي في مقعده لسنوات طويلة أخرى مسألة لا تحتمل أي مخاطرة.
إدريس ديبي، السياسي - العسكري المولود في 18 يونيو (حزيران) من العام 1952، والذي منحته الجمعية الوطنية التشادية يوم 11 أغسطس (آب) من العام الماضي رتبة «مارشال»... ما زال «شاباً». وهو يمسك بمقاليد الأمور في بلاده بيد من حديد، ولن يترك السلطة على الأرجح غداً، ولا بعد غد.
في شهر يونيو مطلع الصيف الماضي، رقي إدريس ديبي إلى رتبة مارشال. وبهذه المناسبة صدر مرسوم رئاسي يحدد تفاصيل الثياب في المناسبات المتعددة التي سيرتديها القائد الكبير... سواء أكانت «ثياب المعركة» أم تلك الأكثر فخامة التي يفترض أن يلبسها في المناسبات الرسمية والشعبية. فـ«عصا المارشالية»، وفق المرسوم المؤلف من 6 صفحات، يحدد بالتفصيل شكلها، والأمر نفسه بالنسبة لسيف القائد، وما يتعين أن يحملاه من رسوم وزخارف. وفي التفاصيل، مثلاً، فإن عصا القيادة «يجب أن تكون متوافقة مع النموذج الإمبراطوري، وأن تزين بـ23 نجمة مذهبة»، بينما تتكاثر الخيوط الذهبية على الثياب الرئاسية كافة.
القدرة على البقاء
خلال العقود المتتالية، أظهر ديبي قدرة على المقاومة والبقاء وممارسة السلطة المطلقة، معتمداً على بضع ركائز. أهمها؛ القمع الذي لا يرحم، وولاء الجيش المطلق، وعائدات النفط التي يشتري بها الدعم والحماية التي توفرها له باريس. ولقد أثبتت فرنسا خلال السنوات الثلاثين المنقضية أن رعايتها لإدريس ديبي بلا حدود. ولعل أهم ما في هذه الحماية أنها حمته من المحاولات الانقلابية الكثيرة التي تعرّض لها. بل لم تتردد أيضاً في التدخل لصالحه لمنع وصول المتمردين إلى قصره، غاضّة الطرف عن أفعاله وممارساته.
في العام 2006، تدخلت القوات الفرنسية المرابطة في تشاد لقطع الطريق على الانقلابيين. وفي العام 2008، عاودت الكرّة، وكانت المحاولة الثانية أكثر جدية وأخطر من سابقاتها، إذ تمكنت قوات الانقلابيين حينذاك من بسط سيطرتها على غالبية أحياء العاصمة نجامينا، واتجهت إلى «القصر الوردي» مقر إقامة ديبي، الذي بدت أيامه وساعاته معدودة. ولكن فجأة، بسحر ساحر، تغيّرت الأمور لاحقاً بفضل القوة الفرنسية التي سيطرت على مطار العاصمة وقدمت الدعم لـ«الرئيس - القائد» الذي يعترف الفرنسيون بأنه حقيقة قائد عسكري من الطراز الأول، إضافة إلى مشاركة عدة مجموعات من قوات الكوماندوز الفرنسية في القتال إلى جانب القوات الموالية له.
لماذا التعلق الاستثنائي؟
لذا، ثمة سؤال يجب أن يطرح. هو؛ لماذا هذا التعلق الاستثنائي برجل تحنو عليه باريس إلى هذا الحد، حتى إنها جعلت منه حليفاً أساسياً لها في أفريقيا، وفي منطقة الساحل الأفريقي على وجه الخصوص، رغم ادعائها التمسك بأهداب الديمقراطية وسعيها لتعميمها في «القارة السمراء»... ولا سيما المناطق التي لا تزال تلعب فيها دوراً ريادياً، أي في مستعمراتها السابقة؟
خلال آخر زيارة قام بها ديبي لقصر الإليزيه الرئاسي الفرنسي، التي جرت يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2019، لم تشذّ معاملة الرئيس إيمانويل ماكرون لضيفه الأفريقي الحليف عن معاملات مَن سبقه من الرؤساء الزوار. وتظهر صور المناسبة حرس الشرف يؤدي التحية للضيف الكبير على أنغام الموسيقى العسكرية، كما تبين العناق الحار الذي خصّ به زائره العزيز. وهنا يقول رولان مارشال، الباحث في الشؤون الأفريقية الذي ذاع اسمه العام الماضي بسبب سجنه في طهران طيلة 5 أشهر بتهمة التجسس، إن الرؤساء الفرنسيين، قبل وصولهم إلى الحكم، يبدون نوعاً من الحذر إزاء ديبي، «لكن الأمور تتغير بعد ذلك». ومثاله على ذلك أن الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند كان قاسياً في حكمه على الرئيس التشادي قبل انتخابه، غير أنه بعد وصوله إلى الإليزيه غيّر موقف من النقيض إلى النقيض، وزار تشاد 10 مرات في 5 سنوات. وكذلك، فإن ماكرون كان بارداً في بداية ولايته. إلا أن الأمور تغيرت لاحقاً.
بين ديبي وفرنسا، قصة حب طويلة. فهذا الرجل المنتمي إلى قبيلة «الزغاوة» الممتدة بين تشاد والسودان، ابن لراعٍ التحق باكراً في سلك الجيش، وجرى تأهيله العسكري على أيدي ضباط فرنسيين، أولاً قائداً لطوافة (هليكوبتر) عسكرية عند نهاية السبعينات، ثم في المدرسة الحربية بباريس في العام 1985. ولقد لعب إدريس ديبي دوراً في محاربة قوات الرئيس الليبي السابق العقيد معمر القذافي بداية الثمانينات، ليعين بعدها قائداً للمنطقة العسكرية الشمالية. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن باريس وقفت إلى جانب حسين حبري، الرئيس التشادي حينذاك، وساعدته على دحر قوات القذافي.
بعد ذلك، عندما سعى ديبي في العام 1990 إلى التخلص من حبري في عملية عسكرية، انطلاقاً من منطقة دارفور السودانية، طلب حبري مساعدة فرنسا. إلا أن الأخيرة بقيت مكتوفة اليدين، ما أفضى إلى هزيمة حبري، ووصول ديبي إلى السلطة. وحول هذه النقطة ترى الباحثة التشادية كيملا ماناتوما، في جامعة باريس ــ نانتير (غرب العاصمة الفرنسية)، أن ديبي فهم باكراً أن تشاد «تحتل موقع استراتيجياً ومركزياً بالنسبة للمصالح الفرنسية. فهي من جهة، يمكن أن تصمد بوجه التوسّع الليبي، كما أنها قادرة على منع تمدد حرب دارفور إلى الغرب. ويضاف إلى السببين المذكورين أن تشاد مؤهلة للعب دور عملياً لاحتواء مسلحي تنظيم (بوكو حرام) المتطرف شرق نهر النيجر، وشمال كاميرون، وفي نيجيريا. وأخيراً، بيّن ديبي فائدته في الحرب الفرنسية بمنطقة الساحل الاستراتيجية لفرنسا. والأمر الثابت، أن إدريس ديبي يراهن على أهليته العسكرية وعلى قدرته على أن يلعب أدواراً مفيدة، وهو في كل هذه الأدوار يشكل ورقة رابحة بيدي فرنسا».

حليف ضد المتطرفين والإرهاب
وحقاً، على أرض الواقع، وفّر ديبي مساعدة مهمة وثمينة جداً لفرنسا عندما أرسلت قواتها لإنقاذ مالي، وعاصمتها باماكو من براثن التنظيمات «الداعشية» و«القاعدية» المتطرفة، بداية العام 2013. وعندما أعادت باريس نشر قوة «برخان» في منطقة الساحل لغرض محاربة هذه التنظيمات الإرهابية المتنوعة المشارب، اختارت العاصمة التشادية نجامينا مقراً لها، كما أن طائراتها المقاتلة ترابط في مطار العاصمة. وأخيراً، في إطار البحث عن وسيلة لاحتواء العمليات الإرهابية فيما يسمى «المثلث الحدودي» الصحراوي – الذي يضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو – قبل إدريس ديبي إرسال 1200 رجل لتخفيف العبء العسكري والبشري عن القوات الفرنسية العاملة هناك.
وبالتالي، كل ما سبق عناصر تُظهر كم أن الرجل مفيد لسياسة فرنسا واستراتيجيتها العسكرية في المنطقة، ومن ثم، تفسّر تساهلها في التعامل معه وغضّها النظر عن أساليب حكمه البعيدة كثيراً عن «المعايير» التي تدعي باريس الدفاع عنها.
وفي السياق نفسه، يقول رولان مارشال إن ديبي أظهر دوماً أنه «مستعد للخدمة وجاهز... إنه حليف صامد وصلب، بعكس ما هي عليه حالة حلفاء آخرين لا تستطيع باريس الاعتماد عليهم». وهذا، مع العلم، أن شغل فرنسا الشاغل في منطقة الساحل والصحراء حالياً هو ترتيب الظروف لسحب قواتها العاملة هناك، أو على الأقل، تقليص أعدادها. ولذا فهي بحاجة لتشاد أكثر من أي وقت مضى.
ولكن، من جهة، فإن تشاد ليست فقط مجرد بلد، بل هي بلد يتمتع بثروات نفطية، وهي كذلك سوق للبضائع الفرنسية، وبلد فرانكوفوني (ناطق باللغة الفرنسية) كما أنها تقليدياً تحتمي بالعباءة الفرنسية.
لهذا، كله يبدو واضحاً أن تشاد – وبالأخص تحت قيادة ديبي – ستبقى حليفاً موثوقاً أساسياً بالنسبة لفرنسا على أكثر من صعيد. وبالتالي، فإن «علاقة الحب» التي تربط باريس بنجامينا مرشحة لأن تستمر طويلاً... وبطبيعة الحال، سيظل المنتفع الأول منها «الرئيس - المارشال» إدريس ديبي.

حكام تشاد منذ الاستقلال عام 1960
- فرنسوا تومبلباي: من 1960 إلى 1975
- نويل ميبلرو أودينغار: تولى لمدة يومين 1975
- فيليكس مالوم: من 1975 إلى 1979
- غوكوني عويدي: لمدة 37 يوماً عام 1979
- لول محمد شوا: لمدة 127 يوماً عام 1979
- غوكوني عويدي: من 1979 إلى 1982
- حسين حبري: من 1982 إلى 1990
- إدريس ديبي: من 1990 حتى الآن (انتخب سنوات 1996 و12001 و2006 و2011 و2016 و2021)



محكمة نيجيرية تصدر أحكاماً بالسجن على 125 شخصاً أدينوا بالإرهاب

صورة تظهر آثار هجوم شنته عناصر من جماعة «بوكو حرام» في بلدة دالولي شمال شرق نيجيريا (رويترز)
صورة تظهر آثار هجوم شنته عناصر من جماعة «بوكو حرام» في بلدة دالولي شمال شرق نيجيريا (رويترز)
TT

محكمة نيجيرية تصدر أحكاماً بالسجن على 125 شخصاً أدينوا بالإرهاب

صورة تظهر آثار هجوم شنته عناصر من جماعة «بوكو حرام» في بلدة دالولي شمال شرق نيجيريا (رويترز)
صورة تظهر آثار هجوم شنته عناصر من جماعة «بوكو حرام» في بلدة دالولي شمال شرق نيجيريا (رويترز)

أصدرت محكمة خاصة في نيجيريا أحكاماً بالسجن على 125 شخصاً فيما يتعلق باتهامات بتورطهم في الإرهاب، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الألمانية، وتردد أن معظم المتهمين، في أول محاكمة جماعية منذ سنوات، أعضاء في جماعة «بوكو حرام» المتشددة، التي نفذت عمليات خطف وهجمات انتحارية في تلك الدولة الواقعة غرب أفريقيا.

وقال المدعي العام ووزير العدل النيجيري، لطيف فاجبيمي، إن المحكمة أدانت 85 شخصاً بتمويل الإرهاب في إطار المحاكمة. كما أدانت أيضاً 22 شخصاً آخرين في جرائم بموجب قوانين المحكمة الجنائية الدولية، مثل جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم الحرب مثل التعذيب أو الاغتصاب. وحُكم على المتهمين الآخرين في تهم مختلفة أيضاً تتعلق بالإرهاب.

وجاء في بيان رسمي أنه حكم على المتهمين بالسجن لمدد مختلفة، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل. وأدى تمرد لـ«بوكو حرام» إلى مقتل الآلاف، ونزوح الملايين منذ بدئه في 2009، ما أحدث أزمة إنسانية في شمال شرق نيجيريا، وزاد الضغوط على الحكومة من أجل إنهاء الصراع.

وقال قمر الدين أوجونديلي، المتحدث باسم مكتب المدعي العام، في بيان، في وقت متأخر أمس الجمعة: «لقد أُدينوا بتهم تصل إلى الإرهاب وتمويله، وتقديم الدعم المادي، وفي قضايا تتعلق بجرائم من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية». وجرت آخر محاكمات جماعية لمشتبه في انتمائهم إلى «بوكو حرام» بين 2017 و2018، وأُدين خلالها 163 شخصاً، فيما أُفرج عن 887 آخرين.

وذكر أوجونديلي أن من بين المدانين السابقين من أكمل مدة عقوبته، ونُقل إلى مركز إعادة تأهيل معروف باسم «عملية الممر الآمن في ولاية جومبي» شمال شرق نيجيريا «من أجل إعادة تأهيلهم، والقضاء على تطرفهم، ثم إعادة دمجهم في المجتمع».

واختطفت «بوكو حرام» أكثر من 270 فتاة من مدرسة في بلدة تشيبوك، الواقعة شمال شرق البلاد في أبريل (نيسان) 2014، وهو هجوم أثار حالة من الغضب، وأدى إلى إطلاق حملة عالمية تحت وسم (هاشتاغ) #أعيدوا فتياتنا. وعاد أكثر من نصف الفتيات، إلا أن كثيراً منهن عدن وقد أنجبن عدة أطفال. وأظهرت تفاصيل الإدانات الأحدث أن 85 أُدينوا بتمويل الإرهاب، و22 أُدينوا في جرائم تتعلق باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، بينما أُدين البقية بالإرهاب.