سكان بوليفيا الأصليون يوجهون إنذاراً إلى موراليس

بعدما كانوا سلاحه السياسي القوي

سكان بوليفيا الأصليون يوجهون إنذاراً إلى موراليس
TT

سكان بوليفيا الأصليون يوجهون إنذاراً إلى موراليس

سكان بوليفيا الأصليون يوجهون إنذاراً إلى موراليس

> الانتخابات الثالثة التي كانت أميركا اللاتينية على موعد معها يوم الأحد الفائت، ما كانت رئاسية، بل كانت الانتخابات الإقليمية في بوليفيا التي عاشت خلال السنتين الماضيتين مرحلة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية، وضعتها على شفا مواجهة مدنية، بعد «الانقلاب» الذي أطاح برئيس الجمهورية الأسبق اليساري إيفو موراليس. وعلى الإثر، لجأ موراليس إلى المكسيك ثم إلى الأرجنتين هرباً من ملاحقة الحكومة اليمينية التي أجبرته على الاستقالة تحت ضغط الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة.
ولكن، في هذا الانتخابات، وللمرة الأولى منذ تأسيس حزب «الحركة الاشتراكية» الذي يقوده موراليس، أصبح 6 من أصل الولايات البوليفية التسع في قبضة الأحزاب والقوى المناهضة لهذا الحزب وللحكومة التي يرأسها اليساري لويس آرسي. وبالفعل، ما أن صدرت النتائج النهائية للانتخابات، أعلن موراليس عن «خيبة عميقة من هذه النتائج التي جاءت خلافاً لما كنا نتوقع»، ودعا إلى اجتماع طارئ لبحث الأسباب التي أدت إلى هذه الهزيمة، التي يُخشى أن تعيد تشكيل المشهد السياسي البوليفي الذي يحتلّ فيه حزب موراليس موقع الصدارة بلا منازع منذ سنوات.
بعض المراقبين يقولون إن السبب الرئيس في تراجع حزب الحركة الاشتراكية يعود إلى انفصال مجموعات من شعب الأيمارا من السكان الأصليين عن خط موراليس، الذي ينتمي هو أيضاً إلى الأيمارا. يذكر أن هذه المجموعات التي تعيش في المناطق المحيطة بالعاصمة لا باز، وكانت دعماً قوياً لموراليس إبان الانقلاب عليه، تطالب منذ سنوات بدور أكبر وحضور أقوى في الحزب والمؤسسات الحاكمة، لكن من دون أن تلقى مطالبها تجاوباً لدى موراليس الذي جنح نحو التفرّد بالقرار وفرض مواقفه على مؤيديه خلال السنوات الأخيرة.
وحالياً، ما يخشاه موراليس هو انفراط عقد التحالف القوي بين مجموعات السكان الأصليين (أكبرها الكيتشوا ثم الأيمارا) التي تشكّل الركيزة الأساسية للحزب الذي أسّسه، والتي يعود الفضل لتأييدها التام له في الانتصارات الكثيرة التي حققها في الانتخابات العامة والرئاسية.
ويحمّل كثيرون في «الحركة الاشتراكية» موراليس مسؤولية التشرذم الذي أخذ يظهر في صفوف السكان الأصليين، الذين بدأ بعضهم ينزع إلى تشكيل أحزاب وتيّارات مستقلّة، حتى إن بعضها عقد تحالفات مؤقتة مع أحزاب المعارضة لضمان وصول مرشحيه على حساب مرشحي الحركة.
ومع أن «الحركة الاشتراكية» ما زالت تتمتع بأكثرية المقاعد في مجلسي الشيوخ والنواب؛ حيث تخضع الانتخابات لمعادلات مختلفة عن المجالس الإقليمية، يتخوف مقرّبون من موراليس أن يكون هذا التصدّع الذي يتعمّق في جبهة السكان الأصليين بداية لأفول سيطرة الحركة على المشهد السياسي البوليفي، ويطالبون الرئيس السابق بتغيير نهجه قبل فوات الأوان.



بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.