«رسائل سياسية» إلى باسيل بعد استبعاده من اللقاءات مع الموفدين إلى لبنان

«التيار» يرى أن الأمر «لا يعني له شيئاً»

TT

«رسائل سياسية» إلى باسيل بعد استبعاده من اللقاءات مع الموفدين إلى لبنان

شكل استثناء رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، من لقاءات الموفدين إلى بيروت في الأيام الأخيرة خطوة لافتة لا سيما أن الزيارات شملت ليس فقط المسؤولين في مواقع السلطة إنما قيادات حزبية من مختلف الأفرقاء والجهات، بحيث كان باسيل هو الوحيد الذي لم يكن مدرجا على جدول الزيارات بعدما كان هذا الأمر يقتصر في وقت سابق على «حزب الله».
وفيما يجمع كل من سفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبارة والنائب في تيار «المستقبل» هادي حبيش على أن استثناء باسيل من اللقاءات مع كل من وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل ووزير الخارجية المصري سامح شكري والأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير أشرف زكي، هي رسالة سياسية مباشرة له وغير مباشرة لرئيس الجمهورية ميشال عون، ترفض مصادر قيادية في «التيار الوطني الحر» وضع ما حصل في هذه الخانة، مؤكدة أنه «طالما أن هذه اللقاءات لا تغير من موقع باسيل كرئيس أكبر حزب في لبنان، فإن حدوثها أو عدمه لا يعني لنا شيئا».
ويرى حبيش في استثناء باسيل من اللقاءات مع الوفود التي تركزت محادثاتها على الملف الحكومي وضرورة العمل على إنهاء الأزمة اللبنانية، رسائل سياسية في أكثر من اتجاه، وذلك على خلفية العقوبات الأميركية التي فرضت على رئيس «الوطني الحر» لأسباب مرتبطة بالفساد وبتحالفه مع «حزب الله» والآن لعلاقته المباشرة بعرقلة تأليف الحكومة. ويقول حبيش لـ«الشرق الأوسط» «لا يمكن للأميركي الذي فرض هذه العقوبات أن يلتقي بباسيل، كما كل الأفرقاء الذين يدورون في فلك الولايات المتحدة، واستثناؤه يهدف لوضع المزيد من الضغوط عليه ورسائل له نتيجة تحميله مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة، علما بأن الزيارات لرئيس الجمهورية ميشال عون كانت لموقع رئاسة الجمهورية». وعن المعلومات التي تشير إلى توجه لفرض المزيد من العقوبات على التيار الوطني الحر وشخصيات مقربة من باسيل، يقول حبيش «الأجواء تشير إلى هذه المعطيات وأنه سيكون هناك عقوبات مرتقبة على الجهات المعرقلة لتأليف الحكومة من قبل الاتحاد الأوروبي وفرنسا، من المرجح أن تشمل باسيل وشخصيات محسوبة عليه».
الرأي نفسه يعبر عنه السفير السابق رياض طبارة، ويقول لـ«الشرق الأوسط» «من الطبيعي أن لا يلتقي مساعد وزير الخارجية الأميركي شخصية فرضت بلاده عليها عقوبات»، أما عدم لقاء باسيل مع شكري وزكي، فيقول طبارة «هو دليل على عدم رضا على رئيس «التيار» لا سيما أن لقاءاتهما شملت معظم القيادات الحزبية وتحديدا المسيحية، في وقت كان هدف الزيارات بحث مسألة تأليف الحكومة ما يعني اعتبار باسيل سببا أساسيا في التأخير وتحميله مسؤولية عرقلة التأليف». وعما إذا كانت هذه الرسالة تستهدف فقط باسيل أم أنها أيضا موجهة لرئيس الجمهورية، يقول طبارة «طبعا هي رسالة أيضا للرئيس ميشال عون نظرا إلى العلاقة السياسية والعائلية التي تربطهما واعتبار عون المرجعية السياسية التي يمثلها باسيل على غرار الرسالة التي حملتها العقوبات على الأخير».
وفي المقابل، ترفض مصادر قيادية في «التيار الوطني الحر» «قراءة أي رسائل سياسية في استثناء باسيل من اللقاءات، مكتفية بالقول لـ«الشرق الأوسط» «نحن منفتحون على الجميع ونرحب بأي ضيف، لكن إذا اختار أي شخص عدم زيارتنا فهذا القرار يعود له لكنه لم ولن يؤثر على موقع النائب باسيل في الداخل اللبناني كرئيس أكبر حزب في لبنان وأكبر تكتل نيابي».
مع العلم أن الرسائل السياسية الخارجية التي وجهت إلى باسيل ليست جديدة وهي كانت قد بدأت منذ ما قبل فرض العقوبات عليه العام الماضي، وكان أبرزها في الزيارة التي قام بها وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى بيروت إثر انفجار مرفأ بيروت، في منتصف أغسطس (آب) الماضي، حيث شملت لقاءاته مختلف القيادات الحزبية باستثناء باسيل وفسر حينها على أنه استياء أميركي منه وتمهيدا للعقوبات التي فرضت لاحقا عليه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، ضمن إطار قانون ماغنيتسكي للمساءلة في قضايا الفساد، من دون غياب سبب تحالفه مع «حزب الله»، وهو ما لمحت إليه السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، إثر ردها على رد باسيل على العقوبات عليه، بالقول «باسيل أعرب عن الاستعداد للانفصال عن حزب الله بشروط معينة».
والموقف السياسي نفسه تكرر خلال زيارة هيل قبل يومين إلى بيروت، حيث شملت لقاءاته كل القيادات الحزبية من دون إدراج باسيل ضمن جدول الاجتماعات، وهو ما حصل أيضا مع وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي زار بيروت قبل هيل والتقى معظم القيادات ولا سيما خصوم «حزب الله» وباسيل، مستثنيا الأخير وأي ممثل عن الحزب، ومن ثم الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير أشرف زكي. وفي رد للأخير عما إذا كان سيلتقي باسيل أم سيكتفي بلقاء رئيس الجمهورية، قال إنه «تم اللقاء مع رئيس الجمهورية كرئيس للجمهورية، أما اللقاءات السياسية فهي مقتصرة من أجل المسافات وأمور أخرى، وهناك بعض الاتصالات التي ستتم، وربما يحصل من بينها اتصال مع الوزير باسيل، لأنه مهم أن نتعرف على مواقف الجميع ونرى أين تكمن العقبة الحقيقية ونحاول المساعدة في الخروج من الوضع الحالي». وفي وقت لاحق قال زكي في حديث لـموقع «العربية نت»، إنه لم يلتق ممثلين لـ«حزب الله» انسجاماً مع موقف الجامعة العربية تجاه الحزب المصنف إرهابيا، «لكننا نتعرف على مواقف جميع الأطراف إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة»، وفيما يتعلق بلقائه باسيل قال «هو كان في الجبل وتعذر عليه النزول إلى بيروت للقائي، وأنا لم يكن لدي الوقت الكافي للصعود إلى الجبل بسبب مغادرتي بيروت مساءً، ولا أظن أنه يحبذ التواصل الهاتفي».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.