شكري.. الصلابة في مواجهة «أشواك الدبلوماسية»

وزير الخارجية المصري عمل في خضم أحداث كبرى إقليمية ودولية.. ويحاول إيجاد مفتاح الحل

شغل عدة مواقع مكنته من التعرف عن قرب على الكثير من الزعماء والقادة من دول العالم المختلفة
شغل عدة مواقع مكنته من التعرف عن قرب على الكثير من الزعماء والقادة من دول العالم المختلفة
TT

شكري.. الصلابة في مواجهة «أشواك الدبلوماسية»

شغل عدة مواقع مكنته من التعرف عن قرب على الكثير من الزعماء والقادة من دول العالم المختلفة
شغل عدة مواقع مكنته من التعرف عن قرب على الكثير من الزعماء والقادة من دول العالم المختلفة

يوصف وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بـ«الرجل الصلب».
تجد هذا في عدة وثائق غربية تناولت شخصيته قبل سنوات من شغله موقعه الوزاري. اليوم أصبح محط أنظار العالم وتقدير من حكومة بلاده، وهو يضع منظور مصر أمام المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب كـ«حزمة واحدة»، وليس بالانتقاء أو بالحرب ضد بعض التنظيمات وترك الأخرى، إلى جانب الجهود التي يبذلها على الصعيد الإقليمي، عربيا وأفريقيا، أو من خلال تواصله اليومي مع دول العالم، وكأنه يريد أن يضع بصمته على عمل وزارة الخارجية ذات التاريخ الطويل والتجارب المتنوعة عبر قرن ونصف من الزمان.

دبلوماسيون غربيون لاحظوا منذ وقت مبكر أن شكري من أشد الموفدين الدوليين إثارة للمتاعب لخصوم القضايا المصرية والعربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فهو يصر دائما على الدفاع عن مصالح بلاده والأمن القومي العربي حتى آخر نفس، خصوصا في فترة شغله لموقع سفير مصر في الولايات المتحدة.. ويقول أحد زملاء الوزير ممن تعاملوا معه لسنوات إنه كان لا يكتفي بعرض وجهة النظر المصرية والعربية، بل يعمل على استقطاب ممثلي دول أخرى سواء أفريقية أو آسيوية أو من أميركا اللاتينية، للوقوف مع وجهة النظر التي يدافع عنها.
جاء اختيار شكري لموقع وزير الخارجية في ظل ظروف صعبة ورهانات كبيرة لبلد يعاني من الفقر ومن «مضايقات» إقليمية ودولية، ومن هجمات إرهابية يضغط بها المتطرفون من أنصار الإخوان وغيرهم، على السلطات الحاكمة بالقاهرة. بعد أيام قليلة من تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور، في يونيو (حزيران) الماضي، بدأت التكهنات تدور عن التغييرات التي سيجريها على حكومة المهندس إبراهيم محلب. هل سيغيرها كلها بما فيها رئيس الوزراء أم أنه سيكتفي بإجراء تعديلات على بعض المواقع المهمة، مثل وزارة الخارجية ذات التاريخ العريق؟
ومنذ جلوسه على الكرسي المطل على نهر النيل، خلفا للعشرات من الوزراء السابقين، وجد شكري ملفات كثيرة وشائكة على مكتبه: الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة. السعي لإقامة دولة فلسطينية. تزايد نفوذ «داعش» في العراق وسوريا. الفوضى الأمنية في ليبيا، إضافة إلى علاقات مصر مع الدول الأفريقية وعلى رأسها الدول المطلة على نهر النيل. شكري رجل طويل وممتلئ قليلا لكن بتناسق يشبه طريقته في المشي وفي التفكير وفي التفاوض.. يصمت قليلا لينتقي عباراته بعناية. يعرف متى يتحدث بشكل مباشر ومتى يراوغ من يستحق المراوغة.
رغم ما قد يظهر عليه، منذ اللحظة الأولى، من بساطة وعفوية وتلقائية، إلا أنه وبمجرد انخراطه في العمل، وفي الكلام، يبدأ في لفت الأنظار إليه من خلال لهجته الحازمة ومنطقه القوي الذي يتسبب في كثير من الأحيان في حشر الخصم في الزاوية. وعمل شكري المولود في 20 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 سفيرا لبلاده في الولايات المتحدة في الفترة من عام 2008 حتى عام 2012. ومن الأعمال اللافتة التي اقترنت باسمه قيامه بتنظيم ما كان يعرف بـ«بعثات طرق الأبواب» الأميركية من جانب رجال الأعمال المصريين، بهدف تحقيق أكبر استفادة اقتصادية لمصر، في أجواء المنافسة العالمية في التجارة، ولدعم إيجاد فرص تصديرية للأسواق الأميركية.
ودرس الرجل القانون وتخرج في جامعة عين شمس الواقعة في شرق العاصمة المصرية، قبل أن يلتحق بالسلك الدبلوماسي في ظل الظروف المضطربة التي كانت تمر بها المنطقة بعد نحو 3 سنوات من حرب تحرير سيناء عام 1973. ثم عمل بعد ذلك سفيرا لبلاده في كل من لندن، وبوينس آيرس، إضافة لقيادته للبعثة المصرية الدائمة في نيويورك، ورئاسته بعد ذلك للقسم الخاص بالولايات المتحدة وكندا في وزارة الخارجية المصرية في عامي 1994 و1995.
من أهم فترات عمل شكري شغله لعدة مواقع أخرى مكنته من التعرف عن قرب على الكثير من الزعماء والقادة والدبلوماسيين من دول مختلفة حول العالم. ومن بين هذه الوظائف التي منحته خبرات مختلفة ومتراكمة، عمله كسكرتير للمعلومات للرئيس الأسبق حسني مبارك حتى عام 1999. وكذا وجوده عن قرب مع وزير الخارجية الأسبق، أحمد أبو الغيط، مديرا لمكتبه ثم إيفاده إلى النمسا سفيرا وممثلا دائم لمصر لدى المنظمات الدولية في فيينا حتى عام 2003. تعكس مكاتبات دبلوماسية أميركية مسربة، الروح الصلبة التي يتحلى بها شكري.. تتحدث برقية صادرة عن بعثة الولايات المتحدة، بالأمم المتحدة في جنيف، في الثاني من يوليو (تموز) عام 2008، ما فعله الوفد المصري بقيادة شكري أثناء مناقشة مشروع في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
تقول القصة إن منظمات غير حكومية تقدمت بمشروع تريد من خلاله ربط الإسلام بانتهاك حقوق الإنسان في قضايا مثل جرائم الشرف وغيرها، إلا أن وفد مصر، برئاسة شكري، قاد حملة ضد المشروع وشدد على أن الإسلام «لن يتم تشويهه»، كما ضغط باتجاه تشريع عدم انتقاد الإسلام أو أي ديانة أخرى داخل المجلس الأممي، لأن ذلك من شأنه تأجيج مشكلات مرتبطة بحقوق الإنسان. وتبنى شكري موقفا كان كذلك مثار استغراب من جانب الدبلوماسيين الأميركيين في جنيف، والذين يبدو أنهم لم يتوقعوا الأمر بالطريقة التي كانوا يأملون فيها. فقد قاد الرجل الوفد المصري في ذلك الوقت لرفض إعطاء ثقل أكبر للمنظمات غير الحكومية في عمل المجلس. تضيف البرقية أنه عمد إلى عدم التصويت في الجلسات التي تخصص لهذا الشأن. وتقول البرقية إنه لم يقم بهذا فقط، بل إن مساعديه كانوا يعملون بنشاط على حشد الدعم مع الأطراف الأخرى للموافقة على التوجه الذي يريده الوفد المصري. وتمكن خلال تلك المناقشات من حشد الدعم لمواقف لا تؤيدها الولايات المتحدة، وفقا للبرقية التي أشارت أيضا لمواقف شكري في جلسة تلك السنة، من القضية الفلسطينية والمقاومة، حيث أكد خلالها أن «هناك مقاومة فلسطينية تقاتل محتلا أجنبيا لأرضها وأن ما تفعله هو دفاع مشروع عن النفس». وكانت الطريقة التي ذكرها بشأن حق المقاومة في العمل، تبدو وكأنها لا تتلاءم مع ما تريده بعض الأطراف الغربية التي كانت تعتقد أن انخراط الحكومة المصرية في جهود السلام في منطقة الشرق الأوسط، يعني تجاهل حق المقاومة الفلسطينية في العمل ضد الاحتلال. وتقول البرقية إن ما قاله شكري أصاب الدبلوماسيين الأميركيين في جنيف بالدهشة.
شكري متزوج وله ابنان. وسمحت له ظروف عمله سفيرا لمصر في الولايات المتحدة، وإقامته في الخارج، برؤية المشهد من بعيد وقراءة خريطة التحولات في المنطقة التي عصفت بها رياح ما يعرف بـ«الربيع العربي»، منذ 2011. ومن ضمن ما تركه هذا «الربيع» ملف ضخم أصبح يحتاج إلى حلول بمشاركة دولية هو ملف «الإرهاب» و«التطرف». وتسببت الانتفاضات التي شهدتها بلدان مثل مصر وليبيا وسوريا في ظهور خليط من الجماعات المتشددة التي ترفع السلاح وتبث مشاهد للإعدامات بطريق النحر بالسكاكين، وتعيث فسادا في هذه الدول وغيرها. كان شكري قبل أن يتولى موقعه وزيرا يرى بعين الدبلوماسي المحنك أن مستقبل المنطقة في ظل هذه الأحداث الخطيرة أصبح على المحك.
وعلى عكس ما يجري من فوضى في سوريا والعراق وليبيا واليمن، تمكنت مصر برئاسة الرئيس السيسي، من إنقاذ البلاد من «مخاطر مماثلة»، وذلك حين هب الشعب المصري وقرر، من الشوارع والميادين، طرد جماعة الإخوان من الحكم في 30 يونيو 2013. وبدأت وزارة الخارجية منذ ذلك الوقت عملا مضنيا وشاقا لموجهة الانتقادات والتهجمات التي أطلقها حلفاء الإخوان ضد مصر، سواء من دول المنطقة أو من دول أخرى لها وزن في العالم مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
معلوم أن جماعة الإخوان التي جرى تصنيفها من الحكومة ومن القضاء بمصر «منظمة إرهابية»، بعد ثورة يونيو، ترتبط بعدد من دول المنطقة حيث تعمل على الترويج الإعلامي لها، وتؤوي قادتها وتمدها بالأموال والإمكانات. وبعد خسارتها لتعاطف الشعب بدأت في الانتقام من المصريين عن طريق قيام المتطرفين بزرع القنابل وترويع الناس واستهداف رجال الجيش والشرطة، خصوصا في سيناء.
وتعتمد مصر على وزارة الخارجية في نقل الصورة الحقيقية للخارج والتعامل مع الأوضاع في ليبيا ورعاية وحماية مصالح المواطنين المصريين هناك، وفي غيرها من بلدان العالم، ولهذا كان الوزير شكري ووزارته محل تقدير من جانب المهندس محلب، رئيس مجلس الوزراء.
وشكري خريج المدرسة الدبلوماسية المصرية الشهيرة بالسياسة الخارجية المتزنة والمرتبطة بالأهداف والمصالح الاستراتيجية في إطار استقلال القرار المصري، ودعم مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول والتمسك بمبادئ القانون الدولي واحترام العهود والمواثيق ودعم دور المنظمات الدولية وتعزيز التضامن بين الدول والدفع نحو إصلاح الأمم المتحدة، مع التأكيد على إنجاز هدفين مترابطين هما «حماية الأمن القومي المصري والمصالح المصرية العليا»، و«تحقيق التنمية الشاملة بأبعادها المختلفة بما يحقق الهدف الأول».
كما يؤكد رئيس الوزراء، محلب، على عراقة وزارة الخارجية باعتبارها مؤسسة وطنية رصينة تمثل خط الدفاع الأول في حماية الأمن القومي المصري، مشيدا بدورها والسفارات المصرية في الخارج في التواصل مع العالم الخارجي لتعظيم المصلحة الوطنية المصرية.
ومن أجل الحفاظ على المدرسة الدبلوماسية المصرية يحرص الوزير شكري بين حين وآخر على زيارة معهد الدراسات الدبلوماسية التابع للوزارة، وهو معهد يتولى إعداد وتخريج الدبلوماسيين المصريين بمجرد التحاقهم بالعمل بالسلك الدبلوماسي والقنصلي. كما ينظم المعهد، الذي يعد من المعاهد ذات السمعة الطيبة في العالم والمنطقة، دورات تدريبية للدبلوماسيين من دول عربية وأفريقية.
ورغم العواصف والأنواء التي تضرب المنطقة بين حين وآخر، إلا أن السياسة الخارجية لمصر التي ينفذها الوزير شكري بطريقة احترافية في الوقت الراهن، تلتزم بدعم مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول والتمسك بمبادئ القانون الدولي واحترام العهود والمواثيق، كما تعد الإطار العربي مجال تحرك رئيسيا لها، وهو ما ظهر جليا في العلاقات مع الدول الشقيقة «رغم بعض المنغصات». وتمكنت الخارجية المصرية ودبلوماسية شكري من استعادة مكانة مصر الكاملة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وجرى تنظيم الكثير من الزيارات لأفريقيا وآسيا وأوروبا، كان الرئيس السيسي على رأس عدد منها. لكن «ملف الإرهاب»، وهو الأهم، لم يجر الانتهاء منه بعد، بسبب الكثير من التحديات خاصة ما يتعلق بالدعم الإقليمي والمساندة الدولية للإخوان، ورفض عدد من الدول تصنيفها «جماعة إرهابية». وتولى شكري عمله في مثل هذه الأجواء المضطربة على صعيد المنطقة، وأمام آفاق دولية ضبابية بشأن طريقة التعامل مع التنظيمات المتطرفة. ففي الوقت الذي تحارب فيه بعض الدول تنظيم داعش في العراق وسوريا، تفسح تلك الدول الطريق أمام تسليح الميليشيات المتطرفة في ليبيا المجاورة لمصر. بل تحظر تسليح الجيش الليبي التابع للسلطات المنتخبة من الشعب والمعترف بها دوليا.
ومنذ إعلان المتطرفين، أو ما يعرف بـ«داعش ليبيا»، عن اختطاف 21 مصريا، والتهديد بنحرهم، ظلت نافذة مكتب شكري مضيئة في مبنى وزارة الخارجية على كورنيش القاهرة، على مدى أيام، بينما الاتصالات واللقاءات لا تتوقف في محاولة لإنقاذ الرهائن.
يرى الرجل أن التنظيمات المتطرفة «لا علاقة لها بأي دين». وفور تنفيذ المتطرفين لتهديداتهم وقيامهم ببث مشاهد وحشية لإعدام المصريين بالذبح بالسكاكين على الشاطئ الليبي، وجه الرئيس السيسي بالعمل على صعيدين اثنين بشكل عاجل. الأول توجيه ضربات بالطيران الحربي لتنظيم داعش في ليبيا بالتنسيق مع الجيش الليبي، والثاني إيفاد شكري إلى الأمم المتحدة من أجل طرح موضوع الإرهاب في ليبيا وفي المنطقة كقضية شاملة، والتواصل مع دول العالم لإيجاد موقف موحد للتخلص من هذه الآفة العابرة للحدود.
يبدي شكري استغرابه من الدعم غير المحدود الذي تتلقاه الميليشيات في ليبيا من بعض الدول مطالبا برفع الحظر على تسليح الجيش الليبي من أجل تمكين السلطات الشرعية من حماية الشعب.
ومن أهم الملفات الأخرى التي يوليها الوزير شكري اهتماما كبيرا ملف «نهر النيل»، الذي يعد بمثابة شريان حياة لمصر. وظهر الموضوع قبل سنوات كواحد من القضايا القومية التي تشغل القاهرة منذ قرار إثيوبيا إقامة «سد النهضة» على مجرى النهر لتوليد الكهرباء. وعلى خلاف الطريقة الصدامية التي تعامل بها الرئيس الأسبق محمد مرسي، مع موضوع السد، تبدو السياسة المصرية الحديدة منحازة لحل المشكلات ضمن إطار تعاون مصري - أفريقي. ولهذا زار شكري إثيوبيا للوقوف، بوضوح كامل، على ما وصلت إليه العلاقات الثنائية من نواح إيجابية وتذليل ما قد يكون هناك من عقبات وأن يكون هناك تفاهم كامل في الموضوعات التي تهم مصر.
ويؤكد الوزير بعد كل جولة يقوم بها في القارة السمراء أن «اهتمام مصر بأفريقيا اهتمام حقيقي»، وهو ممن يرون وجود فرص للتكامل، ويقول إن لبلاده حيزا تنافسيا عاليا يجب أن نستفيد منه ولكن يجب أن تسهم مصر أيضا في جهود التنمية بالقارة بما لديها من إمكانيات.
وأثنى المهندس محلب مجددا على الجهود التي يقوم بها الوزير شكري في توضيح حقيقة ما يحدث في مصر من مواجهة للإرهاب، وكذلك على ما تقوم به الدولة من تنفيذ لمشروعات قومية وتنموية عملاقة خلال المرحلة الحالية، مشيرا إلى أن وزارة الخارجية نجحت في نقل حقيقة ما يحدث في مصر للعالم الخارجي منذ 30 يونيو مما أدى إلى تسليم دول العالم بإرادة الشعب المصري العظيم وبخارطة الطريق التي ارتضاها، فضلا عما تقوم به السفارات في الخارج من دور وطني كبير.



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».