شكري.. الصلابة في مواجهة «أشواك الدبلوماسية»

وزير الخارجية المصري عمل في خضم أحداث كبرى إقليمية ودولية.. ويحاول إيجاد مفتاح الحل

شغل عدة مواقع مكنته من التعرف عن قرب على الكثير من الزعماء والقادة من دول العالم المختلفة
شغل عدة مواقع مكنته من التعرف عن قرب على الكثير من الزعماء والقادة من دول العالم المختلفة
TT

شكري.. الصلابة في مواجهة «أشواك الدبلوماسية»

شغل عدة مواقع مكنته من التعرف عن قرب على الكثير من الزعماء والقادة من دول العالم المختلفة
شغل عدة مواقع مكنته من التعرف عن قرب على الكثير من الزعماء والقادة من دول العالم المختلفة

يوصف وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بـ«الرجل الصلب».
تجد هذا في عدة وثائق غربية تناولت شخصيته قبل سنوات من شغله موقعه الوزاري. اليوم أصبح محط أنظار العالم وتقدير من حكومة بلاده، وهو يضع منظور مصر أمام المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب كـ«حزمة واحدة»، وليس بالانتقاء أو بالحرب ضد بعض التنظيمات وترك الأخرى، إلى جانب الجهود التي يبذلها على الصعيد الإقليمي، عربيا وأفريقيا، أو من خلال تواصله اليومي مع دول العالم، وكأنه يريد أن يضع بصمته على عمل وزارة الخارجية ذات التاريخ الطويل والتجارب المتنوعة عبر قرن ونصف من الزمان.

دبلوماسيون غربيون لاحظوا منذ وقت مبكر أن شكري من أشد الموفدين الدوليين إثارة للمتاعب لخصوم القضايا المصرية والعربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فهو يصر دائما على الدفاع عن مصالح بلاده والأمن القومي العربي حتى آخر نفس، خصوصا في فترة شغله لموقع سفير مصر في الولايات المتحدة.. ويقول أحد زملاء الوزير ممن تعاملوا معه لسنوات إنه كان لا يكتفي بعرض وجهة النظر المصرية والعربية، بل يعمل على استقطاب ممثلي دول أخرى سواء أفريقية أو آسيوية أو من أميركا اللاتينية، للوقوف مع وجهة النظر التي يدافع عنها.
جاء اختيار شكري لموقع وزير الخارجية في ظل ظروف صعبة ورهانات كبيرة لبلد يعاني من الفقر ومن «مضايقات» إقليمية ودولية، ومن هجمات إرهابية يضغط بها المتطرفون من أنصار الإخوان وغيرهم، على السلطات الحاكمة بالقاهرة. بعد أيام قليلة من تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور، في يونيو (حزيران) الماضي، بدأت التكهنات تدور عن التغييرات التي سيجريها على حكومة المهندس إبراهيم محلب. هل سيغيرها كلها بما فيها رئيس الوزراء أم أنه سيكتفي بإجراء تعديلات على بعض المواقع المهمة، مثل وزارة الخارجية ذات التاريخ العريق؟
ومنذ جلوسه على الكرسي المطل على نهر النيل، خلفا للعشرات من الوزراء السابقين، وجد شكري ملفات كثيرة وشائكة على مكتبه: الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة. السعي لإقامة دولة فلسطينية. تزايد نفوذ «داعش» في العراق وسوريا. الفوضى الأمنية في ليبيا، إضافة إلى علاقات مصر مع الدول الأفريقية وعلى رأسها الدول المطلة على نهر النيل. شكري رجل طويل وممتلئ قليلا لكن بتناسق يشبه طريقته في المشي وفي التفكير وفي التفاوض.. يصمت قليلا لينتقي عباراته بعناية. يعرف متى يتحدث بشكل مباشر ومتى يراوغ من يستحق المراوغة.
رغم ما قد يظهر عليه، منذ اللحظة الأولى، من بساطة وعفوية وتلقائية، إلا أنه وبمجرد انخراطه في العمل، وفي الكلام، يبدأ في لفت الأنظار إليه من خلال لهجته الحازمة ومنطقه القوي الذي يتسبب في كثير من الأحيان في حشر الخصم في الزاوية. وعمل شكري المولود في 20 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 سفيرا لبلاده في الولايات المتحدة في الفترة من عام 2008 حتى عام 2012. ومن الأعمال اللافتة التي اقترنت باسمه قيامه بتنظيم ما كان يعرف بـ«بعثات طرق الأبواب» الأميركية من جانب رجال الأعمال المصريين، بهدف تحقيق أكبر استفادة اقتصادية لمصر، في أجواء المنافسة العالمية في التجارة، ولدعم إيجاد فرص تصديرية للأسواق الأميركية.
ودرس الرجل القانون وتخرج في جامعة عين شمس الواقعة في شرق العاصمة المصرية، قبل أن يلتحق بالسلك الدبلوماسي في ظل الظروف المضطربة التي كانت تمر بها المنطقة بعد نحو 3 سنوات من حرب تحرير سيناء عام 1973. ثم عمل بعد ذلك سفيرا لبلاده في كل من لندن، وبوينس آيرس، إضافة لقيادته للبعثة المصرية الدائمة في نيويورك، ورئاسته بعد ذلك للقسم الخاص بالولايات المتحدة وكندا في وزارة الخارجية المصرية في عامي 1994 و1995.
من أهم فترات عمل شكري شغله لعدة مواقع أخرى مكنته من التعرف عن قرب على الكثير من الزعماء والقادة والدبلوماسيين من دول مختلفة حول العالم. ومن بين هذه الوظائف التي منحته خبرات مختلفة ومتراكمة، عمله كسكرتير للمعلومات للرئيس الأسبق حسني مبارك حتى عام 1999. وكذا وجوده عن قرب مع وزير الخارجية الأسبق، أحمد أبو الغيط، مديرا لمكتبه ثم إيفاده إلى النمسا سفيرا وممثلا دائم لمصر لدى المنظمات الدولية في فيينا حتى عام 2003. تعكس مكاتبات دبلوماسية أميركية مسربة، الروح الصلبة التي يتحلى بها شكري.. تتحدث برقية صادرة عن بعثة الولايات المتحدة، بالأمم المتحدة في جنيف، في الثاني من يوليو (تموز) عام 2008، ما فعله الوفد المصري بقيادة شكري أثناء مناقشة مشروع في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
تقول القصة إن منظمات غير حكومية تقدمت بمشروع تريد من خلاله ربط الإسلام بانتهاك حقوق الإنسان في قضايا مثل جرائم الشرف وغيرها، إلا أن وفد مصر، برئاسة شكري، قاد حملة ضد المشروع وشدد على أن الإسلام «لن يتم تشويهه»، كما ضغط باتجاه تشريع عدم انتقاد الإسلام أو أي ديانة أخرى داخل المجلس الأممي، لأن ذلك من شأنه تأجيج مشكلات مرتبطة بحقوق الإنسان. وتبنى شكري موقفا كان كذلك مثار استغراب من جانب الدبلوماسيين الأميركيين في جنيف، والذين يبدو أنهم لم يتوقعوا الأمر بالطريقة التي كانوا يأملون فيها. فقد قاد الرجل الوفد المصري في ذلك الوقت لرفض إعطاء ثقل أكبر للمنظمات غير الحكومية في عمل المجلس. تضيف البرقية أنه عمد إلى عدم التصويت في الجلسات التي تخصص لهذا الشأن. وتقول البرقية إنه لم يقم بهذا فقط، بل إن مساعديه كانوا يعملون بنشاط على حشد الدعم مع الأطراف الأخرى للموافقة على التوجه الذي يريده الوفد المصري. وتمكن خلال تلك المناقشات من حشد الدعم لمواقف لا تؤيدها الولايات المتحدة، وفقا للبرقية التي أشارت أيضا لمواقف شكري في جلسة تلك السنة، من القضية الفلسطينية والمقاومة، حيث أكد خلالها أن «هناك مقاومة فلسطينية تقاتل محتلا أجنبيا لأرضها وأن ما تفعله هو دفاع مشروع عن النفس». وكانت الطريقة التي ذكرها بشأن حق المقاومة في العمل، تبدو وكأنها لا تتلاءم مع ما تريده بعض الأطراف الغربية التي كانت تعتقد أن انخراط الحكومة المصرية في جهود السلام في منطقة الشرق الأوسط، يعني تجاهل حق المقاومة الفلسطينية في العمل ضد الاحتلال. وتقول البرقية إن ما قاله شكري أصاب الدبلوماسيين الأميركيين في جنيف بالدهشة.
شكري متزوج وله ابنان. وسمحت له ظروف عمله سفيرا لمصر في الولايات المتحدة، وإقامته في الخارج، برؤية المشهد من بعيد وقراءة خريطة التحولات في المنطقة التي عصفت بها رياح ما يعرف بـ«الربيع العربي»، منذ 2011. ومن ضمن ما تركه هذا «الربيع» ملف ضخم أصبح يحتاج إلى حلول بمشاركة دولية هو ملف «الإرهاب» و«التطرف». وتسببت الانتفاضات التي شهدتها بلدان مثل مصر وليبيا وسوريا في ظهور خليط من الجماعات المتشددة التي ترفع السلاح وتبث مشاهد للإعدامات بطريق النحر بالسكاكين، وتعيث فسادا في هذه الدول وغيرها. كان شكري قبل أن يتولى موقعه وزيرا يرى بعين الدبلوماسي المحنك أن مستقبل المنطقة في ظل هذه الأحداث الخطيرة أصبح على المحك.
وعلى عكس ما يجري من فوضى في سوريا والعراق وليبيا واليمن، تمكنت مصر برئاسة الرئيس السيسي، من إنقاذ البلاد من «مخاطر مماثلة»، وذلك حين هب الشعب المصري وقرر، من الشوارع والميادين، طرد جماعة الإخوان من الحكم في 30 يونيو 2013. وبدأت وزارة الخارجية منذ ذلك الوقت عملا مضنيا وشاقا لموجهة الانتقادات والتهجمات التي أطلقها حلفاء الإخوان ضد مصر، سواء من دول المنطقة أو من دول أخرى لها وزن في العالم مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
معلوم أن جماعة الإخوان التي جرى تصنيفها من الحكومة ومن القضاء بمصر «منظمة إرهابية»، بعد ثورة يونيو، ترتبط بعدد من دول المنطقة حيث تعمل على الترويج الإعلامي لها، وتؤوي قادتها وتمدها بالأموال والإمكانات. وبعد خسارتها لتعاطف الشعب بدأت في الانتقام من المصريين عن طريق قيام المتطرفين بزرع القنابل وترويع الناس واستهداف رجال الجيش والشرطة، خصوصا في سيناء.
وتعتمد مصر على وزارة الخارجية في نقل الصورة الحقيقية للخارج والتعامل مع الأوضاع في ليبيا ورعاية وحماية مصالح المواطنين المصريين هناك، وفي غيرها من بلدان العالم، ولهذا كان الوزير شكري ووزارته محل تقدير من جانب المهندس محلب، رئيس مجلس الوزراء.
وشكري خريج المدرسة الدبلوماسية المصرية الشهيرة بالسياسة الخارجية المتزنة والمرتبطة بالأهداف والمصالح الاستراتيجية في إطار استقلال القرار المصري، ودعم مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول والتمسك بمبادئ القانون الدولي واحترام العهود والمواثيق ودعم دور المنظمات الدولية وتعزيز التضامن بين الدول والدفع نحو إصلاح الأمم المتحدة، مع التأكيد على إنجاز هدفين مترابطين هما «حماية الأمن القومي المصري والمصالح المصرية العليا»، و«تحقيق التنمية الشاملة بأبعادها المختلفة بما يحقق الهدف الأول».
كما يؤكد رئيس الوزراء، محلب، على عراقة وزارة الخارجية باعتبارها مؤسسة وطنية رصينة تمثل خط الدفاع الأول في حماية الأمن القومي المصري، مشيدا بدورها والسفارات المصرية في الخارج في التواصل مع العالم الخارجي لتعظيم المصلحة الوطنية المصرية.
ومن أجل الحفاظ على المدرسة الدبلوماسية المصرية يحرص الوزير شكري بين حين وآخر على زيارة معهد الدراسات الدبلوماسية التابع للوزارة، وهو معهد يتولى إعداد وتخريج الدبلوماسيين المصريين بمجرد التحاقهم بالعمل بالسلك الدبلوماسي والقنصلي. كما ينظم المعهد، الذي يعد من المعاهد ذات السمعة الطيبة في العالم والمنطقة، دورات تدريبية للدبلوماسيين من دول عربية وأفريقية.
ورغم العواصف والأنواء التي تضرب المنطقة بين حين وآخر، إلا أن السياسة الخارجية لمصر التي ينفذها الوزير شكري بطريقة احترافية في الوقت الراهن، تلتزم بدعم مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول والتمسك بمبادئ القانون الدولي واحترام العهود والمواثيق، كما تعد الإطار العربي مجال تحرك رئيسيا لها، وهو ما ظهر جليا في العلاقات مع الدول الشقيقة «رغم بعض المنغصات». وتمكنت الخارجية المصرية ودبلوماسية شكري من استعادة مكانة مصر الكاملة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وجرى تنظيم الكثير من الزيارات لأفريقيا وآسيا وأوروبا، كان الرئيس السيسي على رأس عدد منها. لكن «ملف الإرهاب»، وهو الأهم، لم يجر الانتهاء منه بعد، بسبب الكثير من التحديات خاصة ما يتعلق بالدعم الإقليمي والمساندة الدولية للإخوان، ورفض عدد من الدول تصنيفها «جماعة إرهابية». وتولى شكري عمله في مثل هذه الأجواء المضطربة على صعيد المنطقة، وأمام آفاق دولية ضبابية بشأن طريقة التعامل مع التنظيمات المتطرفة. ففي الوقت الذي تحارب فيه بعض الدول تنظيم داعش في العراق وسوريا، تفسح تلك الدول الطريق أمام تسليح الميليشيات المتطرفة في ليبيا المجاورة لمصر. بل تحظر تسليح الجيش الليبي التابع للسلطات المنتخبة من الشعب والمعترف بها دوليا.
ومنذ إعلان المتطرفين، أو ما يعرف بـ«داعش ليبيا»، عن اختطاف 21 مصريا، والتهديد بنحرهم، ظلت نافذة مكتب شكري مضيئة في مبنى وزارة الخارجية على كورنيش القاهرة، على مدى أيام، بينما الاتصالات واللقاءات لا تتوقف في محاولة لإنقاذ الرهائن.
يرى الرجل أن التنظيمات المتطرفة «لا علاقة لها بأي دين». وفور تنفيذ المتطرفين لتهديداتهم وقيامهم ببث مشاهد وحشية لإعدام المصريين بالذبح بالسكاكين على الشاطئ الليبي، وجه الرئيس السيسي بالعمل على صعيدين اثنين بشكل عاجل. الأول توجيه ضربات بالطيران الحربي لتنظيم داعش في ليبيا بالتنسيق مع الجيش الليبي، والثاني إيفاد شكري إلى الأمم المتحدة من أجل طرح موضوع الإرهاب في ليبيا وفي المنطقة كقضية شاملة، والتواصل مع دول العالم لإيجاد موقف موحد للتخلص من هذه الآفة العابرة للحدود.
يبدي شكري استغرابه من الدعم غير المحدود الذي تتلقاه الميليشيات في ليبيا من بعض الدول مطالبا برفع الحظر على تسليح الجيش الليبي من أجل تمكين السلطات الشرعية من حماية الشعب.
ومن أهم الملفات الأخرى التي يوليها الوزير شكري اهتماما كبيرا ملف «نهر النيل»، الذي يعد بمثابة شريان حياة لمصر. وظهر الموضوع قبل سنوات كواحد من القضايا القومية التي تشغل القاهرة منذ قرار إثيوبيا إقامة «سد النهضة» على مجرى النهر لتوليد الكهرباء. وعلى خلاف الطريقة الصدامية التي تعامل بها الرئيس الأسبق محمد مرسي، مع موضوع السد، تبدو السياسة المصرية الحديدة منحازة لحل المشكلات ضمن إطار تعاون مصري - أفريقي. ولهذا زار شكري إثيوبيا للوقوف، بوضوح كامل، على ما وصلت إليه العلاقات الثنائية من نواح إيجابية وتذليل ما قد يكون هناك من عقبات وأن يكون هناك تفاهم كامل في الموضوعات التي تهم مصر.
ويؤكد الوزير بعد كل جولة يقوم بها في القارة السمراء أن «اهتمام مصر بأفريقيا اهتمام حقيقي»، وهو ممن يرون وجود فرص للتكامل، ويقول إن لبلاده حيزا تنافسيا عاليا يجب أن نستفيد منه ولكن يجب أن تسهم مصر أيضا في جهود التنمية بالقارة بما لديها من إمكانيات.
وأثنى المهندس محلب مجددا على الجهود التي يقوم بها الوزير شكري في توضيح حقيقة ما يحدث في مصر من مواجهة للإرهاب، وكذلك على ما تقوم به الدولة من تنفيذ لمشروعات قومية وتنموية عملاقة خلال المرحلة الحالية، مشيرا إلى أن وزارة الخارجية نجحت في نقل حقيقة ما يحدث في مصر للعالم الخارجي منذ 30 يونيو مما أدى إلى تسليم دول العالم بإرادة الشعب المصري العظيم وبخارطة الطريق التي ارتضاها، فضلا عما تقوم به السفارات في الخارج من دور وطني كبير.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».