نقص عوامل التجلط يؤدي إلى أمراض «نزف الدم الوراثي»

أهم مستجدات العلاج في اليوم العالمي لـ«الهيموفيليا»

نقص عوامل التجلط يؤدي إلى أمراض «نزف الدم الوراثي»
TT

نقص عوامل التجلط يؤدي إلى أمراض «نزف الدم الوراثي»

نقص عوامل التجلط يؤدي إلى أمراض «نزف الدم الوراثي»

تحتفل منظمة الصحة العالمية، في يوم السابع عشر من شهر أبريل (نيسان) من كل عام، الذي يصادف غداً السبت، باليوم العالمي للهيموفيليا، أو ما يعرف في بعض الدول بمرض الناعور أو النزاف (سيلان الدم أو النزف الوراثي)، وهو مرض وراثي يصيب الذكور دون الإناث، وينتقل عبر الأم، ويؤدي إلى النزيف نتيجة نقص أحد عوامل التجلط.

- أنواع نزف الدم
ما هي الهيموفيليا، وما مدى انتشارها؟ وما دور عوامل التجلط، وكيف تعمل؟
تحدث إلى «صحتك» الدكتور أحمد محمد طراوة استشاري أمراض الدم الوراثية رئيس مركز المدينة لأمراض الدم الوراثية (مدينة الملك سلمان الطبية) رئيس المجموعة الخليجية لأمراض النزاف رئيس اتحاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأمراض الدم، موضحاً في البداية نظام التجلط لدى الإنسان للتحكم بالنزف. فهناك أكثر من 13 عاملَ تجلطٍ تتكامل وظائفها مع الصفائح الدموية والأوعية الدموية لمنع النزف. وعند الحاجة يقوم نظام التجلط المعقد بتنشيط عوامل التجلط على التوالي حتى حدوث الجلطة التي تمنع النزف، وأيُ نقص في أيٍ من هذه العوامل يُؤدي إلى النزف.
ومن تلك العوامل عامل «8»، يؤدي نقصه إلى الهيموفيليا (أيه) وكذا عامل «9» ونقصه يؤدي إلى الهيموفيليا (بي). وقد أطلق على الهيموفيليا اسم «المرض الملكي»، حيث كان سائداً بين العوائل الملكية الحاكمة بأوروبا وقد انتقل المرض من الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا إلى بناتها، اللاتي نقلنه عبر العائلات الملكية الأوروبية مثل روسيا وإسبانيا وألمانيا. وقد توفي مبكراً بسبب النزف اثنان من أبناء الملكة فيكتوريا؛ أوجيني ملكة إسبانيا وحفيدة الملكة فيكتوريا، ولم يستطع الطب في ذلك الوقت تقديم المساعدة. وقد وردت أحكام شرعية في التلمود تدل على الهيموفيليا، كما وردت في السجلات الفرعونية. وقد ذكر الزهراوي في التصريف في القرن الثاني عشر وصفاً دقيقاً للهيموفيليا أشبه ما يكون بما عرف عنه لاحقاً.
حتى نهاية الثمانينات من القرن العشرين كان العلاج يتمثل في منتجات البلازما، إما البلازما كاملة أو مستخلص عامل «8» أو «9» المستخرج من البلازما البشرية. وعند حدوث عدوى الإصابة بمتلازمة نقص المناعة اجتاح المرض عدداً كبيراً من المرضى. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، أصبحت مستخلصات البلازما أكثر أماناً، وبدأ استخدام عامل «8» و«9» المصنع، وأصبح المصابون بالهيموفيليا مع توفر الرعاية الطبية يعيشون كما باقي المجتمع بعد أن كانوا يموتون مبكراً قبل عقدهم الرابع.

- انتشار عالمي
تنتشر الهيموفيليا حول العالم، وتنتشر الهيموفيليا (أيه) بمعدل مريض لكل 5000 - 10000 فرد ذكر، وأما هيموفيليا (بي) فمريض لكل 25000 فرد ذكر، ونظراً لعدم وجود سجل وطني لأمراض النزاف بالمملكة، فلا نعرف العدد على وجه الدقة، لكن تقديرياً يوجد أكثر من 3000 مريض بالمملكة.
تشكل الهيموفيليا (أيه) ما نسبته 80 في المائة من حالات الهيموفيليا مقابل 20 في المائة الهيموفيليا (بي).
يحمل الذكر نسخة من الكروموسوم (الصبغي) X ونسخة من الكروموسوم Y، بينما تحمل الأنثى نسختين من الكروموسوم X. ويحصل المولود على كروموسوم واحد من الأم وكروموسوم واحد من الأب، فإذا حصل المولود على كروموسوم X من الأب وكروموسوم X من الأم كان المولود أنثى. أما إذا حصل على كروموسوم X من الأم وكروموسوم Y من الأب كان المولود ذكراً. يقع الجين المصنع لعاملي التجلط (8) و(9) في الكروموسومX. لذا يصيب مرض الهيموفيليا الذكور، حيث إن الإناث يعوضن الجين المعطوب في أحد الكروموسومين بالآخر.
وتنقل الأم أحد الكروموسومين X لابنها، فإذا انتقل جين الهيموفيليا (المعطوب) على الكروموسوم X إلى الابن الذكر فيكون مصاباً بالهيموفيليا، أما إذا انتقل الجين السليم فيكون صحيحاً، وكذا وضع الأنثى، ولكن تكون حاملة للمرض وتنقله لأبنائها لاحقاً. ونادراً ما تصيب الهيموفيليا الإناث نتيجة زواج أب مصاب بالهيموفيليا من أم حاملة للمرض أو نتيجة كسل الكروموسوم X الصحيح لديها. هناك 30 في المائة من الذكور المصابين بالهيموفيليا أو الإناث الحاملين للهيموفيليا لديهم طفرة جديدة غير منتقلة من الأبوين.

- الأعراض والتشخيص
> شدة المرض. تنقسم الهيموفيليا من حيث شدة المرض وكمية عامل التجلط في الدم إلى:
- هيموفيليا شديدة، تكون فيها كمية عامل التجلط أقل من1 في المائة وعادة ما يكون النزيف تلقائياً.
- هيموفيليا متوسطة، تكون فيها كمية عامل التجلط 1 - 5 في المائة، ويكون النزف عادة بعد التعرض لإصابة.
- هيموفيليا خفيفة، تكون فيها كمية عامل التجلط 5 - 30 في المائة ونادراً ما يحدث نزيف.
> الأعراض. عادة ما تظهر أعراض المرض عند الطفل مبكراً بمجرد بدء المشي أو قبل ذلك عند الختان، وتبدأ الأعراض بالكدمات. تنقسم الأعراض إلى ثلاثة أنواع:
- نزف بسيط، مثل الكدمات والرعاف أو النزف من اللثة.
- نزف خطر، مثل النزف في المفاصل أو العضلات أو نزف الأغشية المخاطية الشديد أو الجهاز البولي.
- نزف أخطر، تكون فيه حياة المريض معرضة للخطر مثل النزف الدماغي أو النزف من الجهاز الهضمي والبطن أو البلعوم والرقبة. ويحدث النزف في الدماغ عادة بعد التعرض لضربة بالرأس، وقد تكون خفيفة، ونادراً ما يحدث بشكل تلقائي. وقد يحدث النزف حول النخاع الشوكي وفي كلتا الحالتين تكون المضاعفات شديدة ومنها الشلل أو الإعاقة.
> التشخيص، يتم تشخيص المرض عبر التاريخ المرضي للمريض، والتاريخ العائلي، خصوصاً النزف والجراحة. ثم التحاليل المخبرية الأولية والتي قد تدل على المرض، ومن ثم تأكيد التشخيص عن طريق فحص مستوى عامل التخثر في الدم، وأخيراً التشخيص الجيني عبر تحليل الجينات لمعرفة نوع العطب الجيني تحديداً، ونحتاج لهذا التحليل في بعض الحالات.

- نزف المفاصل والعضلات
يعتبر الجهاز الحركي (المفاصل والعضلات) الأكثر عرضة للنزف، خصوصاً مفصل الركبة والمرفق والكاحل، فيشكل نزف المفاصل 45 في المائة في مفصل الركبة، و30 في المائة في مفصل المرفق، و15 في المائة في مفصل الكاحل. يتسم نزيف المفاصل بتورم المفصل والألم وحرارة المفصل مع تقييد الحركة، ويستطيع معظم المرضى التنبؤ بحدوث النزف في المفصل.
ويؤدي النزف داخل المفصل إلى تضخم الغشاء الزليلي المبطن للمفصل، وهو غشاء ناعم يسهل حركة المفصل. ومع التضخم تتقلص المساحة داخل المفصل فتتقلص حركة المفصل، وفي مراحل متقدمة يتآكل الغشاء الزليلي ويؤدي إلى انكشاف العظم ومن ثم يؤدي إلى تآكل العظم والتصاق عظمتي المفصل ببعضهما مما يوقف عمل المفصل ويؤدي إلى إعاقة ذلك المفصل، وبالتالي إعاقة المريض من الحركة.
وبالنسبة للعضلات، فجميعها عرضة للنزف، لكن أكثرها خطورة النزف في العضلة الحرقفية القطنية، وتشبه أعراض النزف في هذه العضلة حالات ألم البطن الحاد مثل الزائدة الدودية، وأكثرها انتشاراً بين نزف العضلات هو النزف في عضلة الساق (البطة).

- العلاج
من أجل جودة حياة أفضل ومعالجة أفضل، يجب معالجة مرضى الهيموفيليا في مركز متخصص ومن قبل فريق طبي متخصص يتكون من طبيب متخصص في الهيموفيليا وممرضة هيموفيليا وطبيب عظام واختصاصي علاج طبيعي واختصاصي اجتماعي، تتكاتف جهودهم في توفير الخدمة الطبية لمرضى الهيموفيليا والعلاج الشامل لهم، على النحو التالي:
> التعويض بعامل التخثر الناقص، عبر حقن عامل «8» أو «9» المصنع وريدياً لعلاج النزف، إضافة إلى حماية المفصل من الحركة والإجهاد والراحة واستخدام الثلج والضغط ورفع المفصل، كما يمكن استخدام المعالجات الموضعية للنزف من الأنف والفم.
> التدخل الجراحي المبكر، يعتبر مهماً في حالات تلف المفاصل، سواء في المراحل المتقدمة أو المتوسطة أو المبكرة. ففي المراحل المبكرة يتم حقن المفصل بمواد مشعة تعالج الغشاء الزليلي، وأما في المراحل المتقدمة فلا مناص من استبدال المفصل بآخر صناعي. ويعتبر العلاج الطبيعي حجر زاوية لمرض الهيموفيليا في تقوية العضلات وتحريك المفصل، خصوصاً بعد التدخل الجراحي أو بعد النزف.
> التدخل العلاجي الوقائي المبكر، يعتبر محور المحافظة على سلامة المفاصل عبر استخدام عامل 8 أو 9 وقائياً. وتعتمد الجرعة وعدد مرات الحقن الأسبوعية على نوع العلاج المستخدم ومدى تفاعل الجسم معه. وقد أثبت العديد من الدراسات الفائدة القصوى لهذا النمط من المعالجة حتى أصبحت مبدأ علاجياً ثابتاً لكل مصابي الهيموفيليا الشديدة. وتمت مقارنة المرضى الذين يتلقون العلاج الوقائي بالمرضى الذين يتلقون العلاج عند الإصابات، ووُجد أنهم يتمتعون بصحة أفضل وبمفاصل أكثر سلامة وحركة وأقل نزفاً، كما وُجد أن تكلفة العلاج الكلية لهؤلاء المرضى كانت أقل ممن لا يتلقون العلاج الوقائي مع جودة حياة أفضل. وكلما بدأ العلاج مبكراً كلما كانت النتائج أفضل.
> علاج مضادات عامل التخثر. يتعرض قرابة ثلث مرضى الهيموفيليا لعملية تولد مضادات ذاتية لديهم لعامل التخثر 8 أو 9، وعليه يجب فحص المضادات بشكل دوري لمرضى الهيموفيليا. وهناك عدد من العوامل قد تؤدي لتولد المضادات، أهمها النواحي الوراثية والعوامل الجينية.
وتتم معالجة النزف لهؤلاء المرضى بطرق مختلفة، كالتالي:
- حالات المضادات المتدنية والأقل استجابة، تتم المعالجة بجرعات مرتفعة من عوامل التخثر 8 أو 9.
- حالات المضادات المرتفعة، تتم المعالجة عبر عوامل أخرى تتجاوز عوامل التخثر.
- أما الوقاية فتكون باستخدام عقاقير لا تعتمد على عوامل التخثر.
- تتم معالجة المضادات على المدى الطويل بجرعات عالية ومستمرة بعوامل التخثر أو العلاج الكيميائي أو غيرها.

- مستجدات العلاج
خلال السنوات القليلة الماضية، حدثت ثورة في معالجة الهيموفيليا بالتوصل إلى:
- عوامل التخثر ممتدة الاستخدام، التي يمكن استخدامها مرة في الأسبوع أو الأسبوعين بدلاً من ثلاث مرات في الأسبوع كما هي الحال في العوامل التقليدية.
- الأجسام المضادة وحيدة النسيلة، التي تستخدم مرة في الشهر عن طريق الجلد وليس الوريد.
- العلاج الجيني وهو العلاج الشافي للمرض.
> حالات نادرة. هناك نوع نادر من الهيموفيليا وهو «الهيموفيليا المكتسبة» وهو ليس وراثياً، ولكنه يحدث نتيجة إفراز الجسم لمضادات ضد عامل التخثر الثامن (8)، مما يؤدي إلى تعطيل عمله ونقصه. ويقترن المرض في 50 في المائة من الحالات بأمراض المناعة الذاتية الأخرى. ويعاني المصابون بنزف في الجلد أو الجهاز الهضمي أو البولي قد يؤدي إلى الوفاة. ويعالج هؤلاء المرضى كما يعالج مرضى الهيموفيليا عند حدوث الإصابات.
> ثلث النساء الناقلات للهيموفيليا يكون لديهن مستوى عامل التخثر 8 أو 9 أقل من 60 في المائة، ولهذا فإنهن يعانين من بعض أعراض النزف مثل الكدمات والنزف بعد العمليات الجراحية. كما يعاني هؤلاء النسوة من غزارة الطمث وآلام الدورة، ويمكن أن يستمر دم النفاس لفترة أطول ويكون أكثر غزارة. ويتم تشخيص هذه الحالات عبر التاريخ المرضي العائلي ومستوى عامل التخثر في الدم والتحليل الجيني.
> الهيموفيليا وممارسة الرياضة. لا ينصح مرضى الهيموفيليا بممارسة الرياضات العنيفة مثل الملاكمة والأسكواش والتزلج على الماء والهوكي والمصارعة والركبي وكرة القدم وهوكي الجليد والرقص وكرة السلة.
> كما يجب حثهم على ممارسة الرياضات غير العنيفة مثل الغولف والسباحة والمشي والرماية والإبحار والتنس وركوب الدراجات وصيد الأسماك.
* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة (رويترز)

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

كشفت دراسة جديدة أن الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)

22 عالماً وباحثاً يحصدون جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي «الثالثة»

جانب من الحضور
جانب من الحضور
TT

22 عالماً وباحثاً يحصدون جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي «الثالثة»

جانب من الحضور
جانب من الحضور

تُختتم في العاصمة الإماراتية، أبوظبي، مساء الخميس 12 ديسمبر (كانون الأول)، أعمال مؤتمر جائزة الشيخ زايد العالمية بعنوان «المؤتمر الدولي للطب التقليدي والتكميلي ودوره في مستقبل الرعاية الصحية»، بالإعلان عن الفائزين بالجائزة في دورتها الثالثة، وذلك بعد 3 أيام حافلة بالمناقشات العلمية العميقة وعروض الدراسات المبتكرة، التي تركزت جميعها على دور الطب التقليدي والتكميلي في تعزيز الرعاية الصحية الشاملة والمستدامة.

جائزة الشيخ زايد العالمية

في حفل بهيج ومتميز وبمشاركة نخبة من العلماء والباحثين والخبراء من مختلف أنحاء العالم، تم توزيع جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي (TCAM)، التي جاءت كإشادة بالجهود العالمية المتميزة في هذا المجال، مسلطة الضوء على إنجازات الأفراد والمؤسسات التي ساهمت في تطوير الطب التقليدي والتكميلي ودمجه مع الممارسات الصحية الحديثة.

تُعد هذه الجائزة منصة عالمية تهدف إلى تعزيز أهمية الطب التقليدي والتكميلي ودوره المستقبلي في النظم الصحية. تم توزيع الجوائز على الفائزين في 5 فئات رئيسية، وهي:

- الباحثون: تكريم للأبحاث التي أحدثت فرقاً ملموساً في تطوير العلاجات التقليدية والتكميلية.

- الأكاديميون: الذين ساهموا في تعليم وتطوير الطب التقليدي والتكميلي عبر برامج تدريبية مبتكرة.

- الممارسون المرخصون: تقديراً لجهودهم في تقديم رعاية طبية آمنة وفعّالة.

- الشركات المصنعة: التي ساهمت في تطوير منتجات عشبية ومكملات غذائية مستدامة وآمنة.

- الهيئات الإعلامية: التي ساهمت في نشر الوعي الصحي بأسلوب فعال ملهم ومؤثر.

أكدت الجائزة على أهمية الابتكار والبحث العلمي في تعزيز التكامل بين الطب التقليدي والحديث، مما يعكس رؤية القيادة في تحقيق مستقبل صحي أكثر استدامة.

جانب من الحضور

أبرز الدراسات في المؤتمر

في إطار التطور العالمي المتسارع في الطب التقليدي والتكميلي، تبرز الدراسات العلمية كأداة رئيسية لفهم أثر هذا المجال في تحسين الرعاية الصحية. يعكس هذا الاهتمام الدولي أهمية الطب التقليدي والتكميلي كجزء من النظم الصحية المتكاملة.

فيما يلي، نستعرض مجموعة من الدراسات العلمية المتنوعة التي نوقشت في المؤتمر والتي تقدم رؤى عميقة حول التطبيقات السريرية والفوائد الصحية للطب التقليدي والتكميلي:

* تقنية النانو في تحسين الأدوية الطبيعية. استعرض الأستاذ الدكتور شاكر موسى، وهو زميل الكلية الأميركية لأمراض القلب والكيمياء الحيوية وزميل الأكاديمية الوطنية للمخترعين، في دراسته التي قدمها في المؤتمر، الدور الرائد لتقنية النانو في تحسين فاعلية الأدوية الطبيعية وتطوير المستحضرات الصيدلانية. أوضح أن خصائص تقنية النانو في الطب تتمثل في تصميم جزيئات دقيقة جداً (تتراوح بين 1-100 نانومتر)، مما يمنحها خصائص فريدة، مثل:

- القدرة على استهداف المناطق المصابة بدقة: بفضل صغر حجم الجسيمات النانوية، يمكنها التغلغل بسهولة في الخلايا والأوعية الدقيقة.

- التفاعل الحيوي العالي: تمتاز الجسيمات النانوية بقدرتها على تحسين امتصاص الأدوية الطبيعية في الجسم، مما يزيد من فاعليتها.

- التخصيص الدقيق: تتيح هذه التقنية تصميم مستحضرات طبية يمكنها التفاعل مع مستقبلات محددة على سطح الخلايا المريضة فقط.

أوضح الدكتور موسى كيف يمكن لتقنية النانو تعزيز كفاءة الأدوية الطبيعية من خلال:

- زيادة الامتصاص الحيوي: تعمل الجسيمات النانوية على تحسين امتصاص المركبات الطبيعية مثل الكركمين والبوليفينول، والتي عادةً ما يتم امتصاصها بصعوبة في الجهاز الهضمي.

- تقليل الجرعات العلاجية: من خلال إيصال الدواء مباشرة إلى الأنسجة المستهدفة، يمكن تقليل الجرعات المستخدمة، وبالتالي تقليل السمية والآثار الجانبية.

- تعزيز فاعلية الأدوية المضادة للأمراض المزمنة: أظهرت الدراسة أن تقنية النانو قادرة على تحسين العلاجات الطبيعية المستخدمة لمكافحة السرطان وأمراض القلب، مما يتيح تأثيراً أكبر بجرعات أقل.

وأشارت الدراسة إلى أن أحد أهم فوائد تقنية النانو، الحد من الأضرار التي تلحق بالخلايا السليمة أثناء العلاج. على سبيل المثال:

- في العلاج الكيميائي التقليدي، يعاني المرضى عادة من تأثير الأدوية على الخلايا السليمة.

- باستخدام تقنية النانو، يمكن تصميم جزيئات تستهدف فقط الخلايا السرطانية، مما يقلل من الآثار الجانبية ويزيد من راحة المرضى.

واختتم الدكتور موسى محاضرته بتوصيات هامة:

- زيادة الاستثمار: دعا إلى تعزيز الاستثمار في أبحاث تقنية النانو وتطوير مختبرات متخصصة.

- التعاون الدولي: أشار إلى أهمية تعزيز التعاون بين الجامعات ومراكز الأبحاث لتسريع تطوير العلاجات الطبيعية المعتمدة على تقنية النانو.

- التنظيم والتشريعات: شدد على ضرورة وضع لوائح تنظيمية واضحة لضمان سلامة وفاعلية الأدوية المعتمدة على تقنية النانو.

علاج الغرغرينا السكرية بالأعشاب

* علاج الغرغرينا السكرية بالأدوية العشبية وباستخدام العلق الطبي. استعرض البروفيسور س. م. عارف زيدي تجربة سريرية مبتكرة لعلاج الغرغرينا السكرية، وهي حالة شائعة لدى مرضى السكري تتطلب في كثير من الأحيان بتر الأطراف. ركزت الدراسة على استخدام مستخلصات عشبية مثل النيم، المعروفة بخصائصها المضادة للميكروبات، مع العلاج بالعلق الطبي، وهو أسلوب يستخدم العلق لتحسين الدورة الدموية بفضل اللعاب الخاص الذي يحتوي على مضادات تخثر وإنزيمات تساعد في تنظيف الجروح وتحفيز الشفاء. أظهرت النتائج شفاءً كاملاً لمريضة خلال 3 أشهر، مع تحسن ملحوظ في الحالة الصحية العامة وتقليل الألم والالتهابات. وخلصت الدراسة إلى أن هذا النهج يمكن أن يكون بديلاً فعالاً للعمليات الجراحية، ويوفر حلاً منخفض التكلفة مقارنة بالإجراءات التقليدية.

الرياضة والتدليك

* تمارين رياضية لتقوية عضلات قاع الحوض لعلاج سلس البول. استعرضت الدكتورة عائشة بروين فاعلية تمارين تقوية عضلات قاع الحوض كعلاج طبيعي لسلس البول لدى النساء. ركزت الدراسة على مجموعة من التمارين المستهدفة التي تهدف إلى تحسين مرونة وقوة العضلات الداعمة للمثانة. أظهرت الدراسة أن النساء اللواتي التزمن بالتمارين سجلن تحسناً ملحوظاً في تقليل تسرُّب البول وتحسين جودة حياتهن. كما أكدت أن هذه التمارين تعد خياراً آمناً وغير جراحي، يناسب النساء من مختلف الأعمار. وأوصت الدراسة بتطوير برامج تدريبية على مستوى المراكز الصحية لتوعية النساء بفاعلية هذه التمارين، مع توفير الإرشادات اللازمة لضمان تطبيقها بطريقة صحيحة.

* تقنيات العلاج التدبيري للاضطرابات العضلية الهيكلية. قدم الدكتور محمد أنور دراسة حول استخدام الحجامة والتدليك في علاج الاضطرابات العضلية الهيكلية، مثل التهاب المفاصل وآلام أسفل الظهر. تضمنت الدراسة تحليلاً لنتائج المرضى الذين تلقوا العلاج بالحجامة والتدليك إلى جانب العلاج الطبيعي الحديث. أظهرت النتائج انخفاضاً كبيراً في مستويات الألم وتحسناً في حركة المفاصل، مما أدى إلى تقليل الاعتماد على الأدوية المسكنة التي قد تسبب آثاراً جانبية طويلة الأمد. وأوصى الدكتور أنور بدمج هذه العلاجات التقليدية مع الأساليب الحديثة، مشيراً إلى أن مثل هذا التكامل يمكن أن يحقق فوائد علاجية أكبر ويعزز من راحة المرضى ويقلل من تكلفة الرعاية الصحية.

العجوة غذاء ودواء

* القيمة الغذائية والدوائية لتمر العجوة. قدمت الأستاذة الدكتورة سعاد خليل الجاعوني دراسة متعمقة حول الخصائص الغذائية والطبية لتمر العجوة، أحد أبرز أنواع التمور في العالم الإسلامي. ركزت الدراسة على التحليل الكيميائي لمكونات العجوة التي تشمل نسباً عالية من الفيتامينات مثل B1 وB2، والمعادن كالبوتاسيوم والمغنسيوم، والألياف الغذائية التي تعزز صحة الجهاز الهضمي. أوضحت الدكتورة سعاد الجاعوني أن تمر العجوة يحتوي على مضادات أكسدة قوية مثل البوليفينولات، التي تعمل على مكافحة الجذور الحرة، مما يحمي الخلايا من التلف ويقلل من الالتهابات المرتبطة بالأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب. كما سلطت الدراسة الضوء على فاعلية العجوة في تعزيز صحة الكبد؛ حيث أظهرت التجارب المخبرية أن مستخلصات التمر تعمل على تخفيف التهابات الكبد وتقليل تراكم الدهون عليه. وأوصت باستخدام تمر العجوة في الصناعات الغذائية والدوائية لتطوير مكملات غذائية ومستحضرات علاجية طبيعية تهدف إلى تعزيز المناعة وتحسين الصحة العامة.

* دمج المعرفة التقليدية مع الممارسات الحديثة. قدمت الدكتورة آمي ستيل نموذجاً مبتكراً لدمج المعرفة التقليدية مع الطب الحديث. ركزت على تطوير إطار عمل يعتمد على استخدام النصوص والممارسات التقليدية كأساس لتصميم بروتوكولات علاجية حديثة. أظهرت الدراسة أن تكامل الطب التقليدي مع الطب الحديث يمكن أن يعزز فاعلية العلاجات ويقلل من الآثار الجانبية، مع التركيز على أهمية التوثيق العلمي للمعرفة التقليدية لتصبح مقبولةً في الأوساط الطبية العالمية. وأوصت الباحثة بتشجيع التعاون بين ممارسي الطب التقليدي والحديث، وإطلاق مشاريع بحثية مشتركة لاستكشاف الفوائد العلاجية لممارسات الطب التقليدي.

* مخاطر الغش في المنتجات العشبية. حذّر الأستاذ الدكتور محمد كامل من المخاطر الصحية الناجمة عن الغش في المنتجات العشبية؛ حيث يتم أحياناً إضافة مركبات دوائية غير معلن عنها مثل السيلدينافيل، المستخدم في علاج ضعف الانتصاب، والفلوكستين، المستخدم كمضاد للاكتئاب، إلى بعض المنتجات العشبية. سلطت الدراسة الضوء على الآثار الجانبية الخطيرة لهذه الإضافات، مثل ارتفاع ضغط الدم أو اضطرابات الجهاز العصبي، خاصة عند تناولها دون وصفة طبية. وأوصى الدكتور كامل بضرورة تعزيز آليات الرقابة على المنتجات العشبية، وإلزام الشركات المصنعة بالإفصاح الكامل عن جميع المكونات لضمان سلامة المستهلكين، مع زيادة الوعي بين الأفراد حول شراء المنتجات من مصادر موثوقة.

تحديات وفرص الطب التقليدي والتكميلي

رغم الإنجازات الكبيرة التي حققها الطب التقليدي والتكميلي، يواجه هذا المجال تحديات كبيرة، مثل:

نقص الأدلة السريرية: الحاجة إلى مزيد من الأبحاث لتوثيق الفوائد والآثار الجانبية.

التشريعات الموحدة: لضمان سلامة وجودة المنتجات العشبية.

التكامل مع الطب الحديث: تعزيز التعاون بين الممارسين والعلماء من مختلف الأنظمة الطبية.

واختتم المؤتمر الدولي للطب التقليدي والتكميلي أعماله بعد رحلة علمية مميزة أثرت النقاشات العالمية حول هذا المجال الواعد. من خلال الأبحاث والعروض التقديمية. وتم تسليط الضوء على الإمكانيات الكبيرة للطب التقليدي في تعزيز الرعاية الصحية الشاملة.

تُبرز هذه الفعالية أهمية تعزيز التعاون الدولي وتطوير التشريعات والبحوث لضمان استفادة البشرية من هذا التراث الطبي الغني، مما يمهد الطريق لمستقبل صحي أكثر استدامة.