سنوات السينما

سنوات السينما
TT

سنوات السينما

سنوات السينما

- الفيلم: رياح الرمال
- العام: (1982)
- التقييم: ★★
- المرأة تواجه الرجل وسموم الرياح
في فيلم المخرج محمد لخضر حامينا الذي مرّ على شاشات مهرجان كان داخل المسابقة بعد سبع سنوات من فوز فيلمه السابق «مفكرة سنوات الجمر»، طرح مشبع لموضوع المرأة وسوء معاملتها في المناطق الصحراوية البعيدة في الجزائر.
وفي المؤتمر الصحافي الذي عُـقد للمخرج في تلك الدورة، قال حامينا، مدافعاً عن الفيلم واختياراته أن هناك بالفعل قبائل تعيش في منطقة تهب فيها العواصف أو رياح السموم، كما تسمى هناك، بصفة دائمة. إذا كان هذا صحيحاً ـ ولا شيء يمنع من أن يكون ـ فإن حياة هذه القبيلة لا بد أن تكون بالغة الصعوبة. وإذا ما كانت كذلك فهي بطبيعة الحال بالغة الخشونة وهذا وحده يعني أن حياة المرأة في تلك البيئة مرة وقاسية على النحو الذي نشهده هنا طوال الوقت.
يتوجه الفيلم للمشاهد الذي يؤمن بدور المرأة وضرورة تطوير حضورها في المجتمع، أياً كان ذلك المجتمع. ينتقد كذلك الذين يضطهدون المرأة ويهمّشون أدوارها وحضورها في الكيان الاجتماعي وهذا التوجه الذي ابتعد فيه المخرج عن أعماله السابقة التي دارت حول حرب التحرير ضد الفرنسيين لتصبح حرب التحرير ضد عبودية المرأة للرجل.
اختار حامينا أكثر الطرق مباشرة وقسوة هادفاً إلى اصطياد أكثر ردات الفعل انزعاجاً وتعصباً. وقد فعل، هي ليست قسوة الطبيعة عليها فقط بل قسوة الرجل الأكثر ألماً. هناك مشهد تنجب فيه المرأة ولدها وهي واقفة (مربوطة إلى عمود) ثم يعلم الأب أن المولود أنثى (وهو لم ينجب ذكراً رغم تعدد المحاولات. يدخل صحن الدار وينهال على زوجته بالضرب بمباركة والدته وأمام أعين بناته. وهناك مشهد لاحق تتهم فيه زوجة أخرى بعلاقة عاطفية مع مغن شارد فتخسر أبناءها وتجبر على الرحيل في وسط الصحراء.
يريد المخرج في «رياح الرمال» (سُمي أيضاً بـ«رياح السموم») تصوير الأمور على نحو مباشر. لكن هذه المباشرة تأتي فجّة باختياره. يرمي إثارة الغضب ضد تلك التقاليد والمفاهيم، ويختار رمي الوضع في وجه المشاهد باسم النقد، في حين أنه كان يكفي مجرد وصف الأوضاع والتدليل على الأحداث برسم مهذب ومن دون تفاصيل تقف حائلاً ضد التعمق فيها. تلك التفاصيل تصير سريعاً هي الهدف وليست الهوامش كما كان يجب أن تكون. بطريقته يشوّه الفيلم المجتمع الماثل أمام العين الغربية أكثر مما يستطيع أن يفعل فيلم روائي أجنبي لأن الأخير كان سيتهم، حتى من قبل الغربيين، بالعنصرية والمبالغة.
استغرق تصوير الفيلم نحو ثمانية أشهر وبميزانية بضعة ملايين من الدولارات والنتيجة على هذا الصعيد ليست سيئة. الألوان ثابتة وجيدة، الموسيقى تواكب دون تكلّف، المكان يتيح الفرصة أمام الفيلم لكي يلتقط مشاهد عديدة مناسبة تبرز طبيعة المكان والأجواء والمعاني البيئية المرتبطة وكون حامينا استخدم نظام «دولبي ستيريو» فإن هذا جعل الفيلم أول إنتاج عربي يستخدم هذا النظام (وما زال من بين القلّة).
هذا الحجم والإتقان التقني ليس جديداً على حامينا بالنظر إلى أفلامه السابقة وتلك اللاحقة أيضاً. ينتمي إلى المخرجين الذين يفضلون الشاشات الكبيرة (ديفيد لين، مصطفى العقاد سيسيل ب. دميل) ويثير اهتماماً إيجابياً بذلك. معظم الأحداث تقع في تلك الصحراء ذات العواصف الكثيرة. وكثير من الوقت يمضي ونحن نتابع يوميات الحياة في المكان وكيف تهب الرياح عليه بلا هوادة. هناك رجل أعمى يريد الفيلم أن يقول إنه الوحيد الذي يرى الحقيقة (هذه واحدة من لوازم الديكور الدرامي العربي فالمجنون هو الذي يفهم والأعمى هو الذي يرى والأحمق عين العقل إلخ...) ظهوره يعمق التراجيديا لكن يثير أيضاً تساؤلات عديدة خاصة على صعيد بناء الشخصيات الذي هو أكثر وجهات عمل حامينا ضعفاً.

★ ضعيف| ★ ★ : وسط| ★★★: جيد | ★★★★: ممتاز | ★★★★★: تحفة


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
TT

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات، خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» المقام في لوس أنجليس بمفاجأة رائعة ترفع من أهميّته غير المحسوبة في إعلامنا العربي ومنهج صنع الفيلم العربي عموماً.

يوم الخميس، أغلق المهرجان الآسيوي دورته الجديدة بإعلان فوز فيلم «مندوب الليل» بجائزته الكبرى. الفيلم هو أول أعمال المخرج السعودي علي الكلثمي، وعند الناقد كاتب هذه السطور، هو أفضل فيلم سعودي طويل خرج في الأشهر الاثني عشر الماضية.

حين رشّحته للمهرجان المذكور، اتصل بي رئيسه جورج شمشوم معبّراً عن دهشته: «أذهلتني جودة الفيلم حرفة وموضوعاً. كانت مفاجأة كبيرة لي بعدما سمعت عن كثيرٍ من الأفلام السعودية الجديدة، وكيف أنها باتت تُسهم في تغيير السائد والتقليدي. مع ذلك، فإن هذا الفيلم كان روعة».

لمن لم يسمع به من قبل أو سمِع به ولم يشاهده، «مندوب الليل» هو عن شاب (الجيد محمد الدوخي) يُطرد من عمله في شركة اتصالات هاتفية إثر مشادة بينه وبين مسؤوليه. والده مُعتل وشقيقته مطلّقة عادت لبيت أهلها مع طفلها. سيجد عملاً بصفته مندوب توصيل البيتزا. لكنه يكتشف طريقة أخرى للثراء وهي، سرقة مؤونة من الكحول المخبأة التي يبيعها أصحابها للأثرياء. بذلك يضع قدميه عند نقطة تحوّلٍ واعدة غير مدركٍ مغبّة ما قام به وكيف سيضع نفسه وأهله في خطر جسيم.

فوز ناصع

الفيلم ليس قصّة بوليسية، لكنه قصّة تشويقية، والتشويق فيه مُحكم. فيلم متقن كتابة وإخراجاً وتأليفاً وتصويراً وتمثيلاً ومصمم بدقة. مُعالج بدراية وفعّال في عرض التفاصيل بذكاء. وهو نتيجة رائعة لعملية لا بدّ استغرقت كثيراً من التّصميم المُسبق والتنفيذ.

لجانب هذا الفوز الناصع لا يجب أن ننسى أن العام الآيل إلى الرحيل خلال 40 يوماً من الآن، شهد اشتراك السينما السعودية في إحدى مسابقات مهرجان «كان» رسمياً لأول مرّة. الفيلم هو عملٌ جيّد آخر، لكن من وزن مختلف، عنوانه «نورة» ومخرجه هو الطموح توفيق الزايدي.

الاشتراك السعودي الرسمي في «مهرجان القاهرة» الذي يُنهي أعماله مساء الجمعة تَوزّع بين فيلمين هما، «ثقوب» لعبد المحسن الضبعان، و«فخر السويدي» لثلاثة مخرجين هم هشام فتحي وعبد الله بامجبور وأسامة صالح.

هذا الكم لا يوقف المد القادم: حديثٌ عن اشتراك سعودي مقبل في «مهرجان برلين» في فبراير (شباط) 2025، وتحضيرٌ مبكر لجعل الدورة المقبلة من «كان» مايو (أيار) تُنجز أكثر ممّا أنجزت الدورة الماضية من حضورٍ كمي ونوعي كبيرين.

محمود حميدة و«الفن السابع»

كُتب وتكريمات

بالنسبة لـ«مهرجان القاهرة»، هناك محاورٌ عدّة للحكم له أو عليه. هو واحد من المهرجانات العربية التي تقع في الربع الأخير من كل عام. هذا يصلح كمسافة زمنية تمنح المهرجان فرصة عمل لجمع وتجميع أفلام من كل حدبٍ وصوب، لكنه توقيت يحرمه من أن يكون منصّة انطلاق لأي غاية. لا يخرج فيلم من هنا ليجوب العالم. حتى الفيلم الذي يربح جائزة كبرى فإن حدود جائزته تنتهي مع إقلاع المخرج عائداً إلى بلده.

هذا ليس شأنه فقط، بل شأن كلّ المهرجانات العربية تقريباً باستثناء «مهرجان البحر الأحمر» ولو إلى حدٍ. هو أصبح محطة انطلاق، على الرغم من وجوده في هذا الرُّكن الزمني من السنة، وذلك لأنه حرص على عرض أفلام سعودية تستطيع الانطلاق منه والسفر كونها في الأساس جيدة وتستحق. عاملٌ آخر هو أن الغرب بات يعرف أن السعودية أصبحت لاعباً ثقافياً وفنياً واضحاً. ما عاد الرِّهان عليه، بل على ارتفاع شأنه مستقبلاً.

ما هو عبثي في كثير من المهرجانات العربية، أن تلك التي تُوزّع التكريمات والاحتفاءات باتت أمام مفترق طرق: لقد كُرّم معظم الحاضرين والذين كانوا حاضرين وقت تكريمهم. هناك آخرون يستحقون (كُتاب سيناريو، مديرو تصوير، مؤلفو موسيقى، ممثلون ونقاد ومؤرخون) لكن أحداً قلّما شعر بهم.

«فخر السويدي» (مهرجان القاهرة السينمائي)

على «مهرجان القاهرة» أن ينفض عنه الالتزام بالواجب لأنه واجب، وأن يبحث في طيّات السينمات العربية عمن يستحق «تكريمه» فعلاً.

ما هو لافت كذلك في «مهرجان القاهرة» أكثر من سواه، هو إصداره كتباً سينمائية. هذه عادة توقّفت عنها غالبية مهرجانات العالم الرئيسية منذ عقود، مدركة أن كتب الاحتفاء لم تعد تأتي بجديد يُضاف إلى ما صدر عن كلّ محتفى به.

يمكن للمهرجان المصري إصدار كتابٍ قيّم واحد عوض ثلاثة أو حتى اثنين.

خلال العام الحالي أصدر المهرجان كتاباً مميّزاً ومهمّاً من إعداد ناجي فوزي بعنوان «مختارات من الفن السابع». وكانت مجلة «الفن السابع» السينمائية الرائعة التي أسسها محمود حميدة في عام 1997 قد سدّت ثغرة كبيرة آنذاك في ثقافة الفيلم المطبوعة.

الكتابان الآخران هما «حلم عز» لرامي المتولّي و«سينما يسري نصر الله» لأحمد عزّت عامر. الأول لا يعدو عن بضع صفحات لممثل لم يختم بعد عقداً واحداً من شهرته، والثاني لمخرج يستحق كتاباً يحلّل أفلامه ما لها وما عليها. كتاب من المهرجان لأي مخرج أو سينمائي، يعني انحيازاً للإيجابيات فقط.

عدم إصدارها في الغرب لا يعني أنه قرار صائب، خصوصاً أن البديل لدينا يجب أن يكون مختلفاً وهناك كثير من الأفكار في هذا الشأن.