«المغيبون» يفجّرون خلافاً حاداً في العراق

TT
20

«المغيبون» يفجّرون خلافاً حاداً في العراق

أثارت تصريحات النائب في البرلمان العراقي عن تحالف القوى العراقية الدكتور ظافر العاني أمام البرلمان العربي في القاهرة مؤخراً سجالاً وخلافاً حاداً شيعياً - سنياً. وكان العاني ألقى كلمة في إحدى جلسات البرلمان تحدث فيها عن المعتقلين في السجون والمعتقلات العراقية، سواء كانت الرسمية منها أم تلك السرية التي يقال إن بعض الفصائل المسلحة الموالية لإيران تشرف عليها.
ورغم أن العاني حاول أن يتناول قضايا المعتقلين والمغيبين قسراً، سواء كانوا سنة أم شيعة، فضلاً عن معتقلي المظاهرات طوال السنتين الماضيتين، حيث لا يزال العشرات منهم بين مخطوف أو مغيب، غير أن العديد من القوى الشيعية أصدرت بيانات وتصريحات حادة ضد العاني وصلت إلى حد المطالبة بإقالته من عضوية البرلمان العراقي في أول جلسة بعد استئناف انعقاده في الثامن عشر من شهر أبريل (نيسان) الحالي.
وكان النائب الأول لرئيس البرلمان حسن الكعبي الذي ينتمي إلى الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر وتحالف «سائرون» أول من أدان بشدة تصريحات العاني وطالب بإقالته. وفي حين ترى أوساط مختلفة، أن تصريحات العاني سوف تكون مادة دسمة للانتخابات المقبلة سواء من قبل الأطراف السنية لجهة الدفاع عن حقوق المغيبين أو الأطراف الشيعية لجهة الوقوف ضد ما يعدونه خطاباً يسعى إلى مهاجمة الشيعة بأدوات خارجية، رد تحالف القوى العراقية الذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بقوة على تصريحات نائبه الأول الكعبي. وقال التحالف في بيان، إنه «يستغرب الهجمة الشرسة والمغالطات العديدة التي تضمنها بيان النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي والتجاوز المرفوض جملة وتفصيلاً على شخصية وطنية عرفت بشجاعتها واعتدالها في الدفاع عن حقوق العراق والعراقيين، وهو النائب ظافر العاني، ونعتبر البيان انتصاراً للظالم على المظلوم». وأضاف التحالف، أن «العديد من التهم والتفاصيل التي أدرجت في البيان كانت مجتزأة؛ في محاولة واضحة لتشويه الحقائق في العديد من جوانبها، فالبيان يتهم النائب بأنه تحدث بلغة طائفية، في حين أن الحديث ليس فيه أي إشارة إلى الموضوع الطائفي وقد دافع العاني عن قضايا حقوق الإنسان للعراقيين جميعاً على حد سواء كالمغيبين ونازحي جرف الصخر واغتيالات متظاهري تشرين السلميين، كما أشاد في كلمته بالحكومة العراقية وبالقضاء. فأين الطائفية في ذلك؟».
وتابع البيان «أما القول بعدم وجود مغيبين أو مخطوفين فهو أمر لا تدعمه الحقائق؛ فهنالك الآلاف الذين تم اختطافهم في الصقلاوية وبزيبز وجرف الصخر ونينوى، والجهات التي خطفتهم يفترض أنها معروفة للحكومة وللجميع ولطالما سمينا الأشياء بمسمياتها على مدى الفترة الماضية، وقد استمرت تلك الجهات ومن يغطي عليها في الدفاع عنها وتبرير جرائمها وهي التي يسميها مقتدى الصدر أنها ميليشيات وقحة». ودعا التحالف الكعبي للاحتكام إلى «المنطق وتغليب مصلحة العراق مستقبلاً، وألا يكون مستعجلاً في حكمه للدفاع عن مجاميع ميليشياوية إرهابية أحرجت العراق أمام المجتمع الدولي باستهداف السفارات والبعثات الدبلوماسية، وخطفت أبناء الشعب العراقي ومثلت بجثثهم، وكان الأجدر به إصدار بيان شديد تجاه الجهات التي تستعرض بأسلحتها وسط العاصمة وتطلق الصواريخ على الأبرياء، وهو منهج مغاير لمنهج (سائرون) ومقتدى الصدر الذي طالب مراراً بمحاسبة هذه الميليشيات التي تتحدى الدولة وتخرق القانون».
وكان الكعبي عدّ تصريحات العاني في البرلمان العربي «دعاية انتخابية رخيصة كاذبة وطائفية»، داعياً مجلس النواب إلى «إقالته بأول جلسة نيابية». مستندا إلى بيانات المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق بوصفها الجهة الوحيدة المخولة والمختصة بحالات الاختطاف والتغييب.
أكدت عدم وجود حالات اختفاء قسري ثابتة في العراق؛ الأمر الذي عده عدد كبير من النواب والقياديين السنة أمراً مستغرباً، خصوصاً أن مفوضية حقوق الإنسان وغيرها من المؤسسات الحكومية لا تستطيع الدخول إلى مقرات الفصائل المسلحة بما في ذلك منطقة جرف الصخر.
وانضم تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري إلى مهاجمي تصريحات النائب ظافر العاني. وفي بيان شديد اللهجة قال التحالف الذي يضم عدداً من الفصائل المسلحة، إن «العاني يريد أن يزوّر الحقائق ويتلاعب بالحوادث والمعايير والألفاظ، لكنه لن يستطيع تغيير الوقائع التي شهدها العراق خلال السنوات الأخيرة، خاصة حرب التحرير الشاملة التي خاضها العراقيون بمختلف فئاتهم ومشاربهم». وأضاف في بيان، أن «العاني قدم نفسه بهذا الخطاب، وهو الذي انتقل من موقع الدفاع عن البعث ومشروع الاستهداف الطائفي والقومي وحروب الإبادة إلى الدفاع عن تنظيم (داعش) التكفيري بدعوة الدفاع عن المكون السني»، مبيناً أن «ما تحدث به ظافر العاني لا يمثل رأي مجلس النواب العراقي وسوف يتخذ المجلس بحقه جميع الإجراءات القانونية اللازمة».
من جهتها، فقد انضمت جبهة الإنقاذ والتنمية بزعامة أسامة النجيفي، الرئيس الأسبق للبرلمان العراقي، إلى حملة الدفاع عن النائب العاني ضد الانتقادات الشيعية الحادة له. وقال بيان للجبهة، إن «الحقائق التي يعرفها أبناء شعبنا الأبي ليست مادة للاستغلال الدعائي، أو محاولات طمسها عبر إطلاق اتهامات تقود إلى إنكار الأصل وهو حقوق مواطنين عراقيين، يتعين أن يكون الدفاع عنهم واجباً على كل مخلص». وأضاف البيان، أن «ما تحدث به الدكتور ظافر العاني عن حقوق الإنسان في مؤتمر برلماني عربي، وأشار إلى قضية المخفيين قسراً، وقضية جرف الصخر، وشهداء انتفاضة تشرين، ولا نظن أن تجاهل هذه الحقائق يمكن أن يخدم ما يسمى بالمصالحة الوطنية أو تعزيز التعاون والتآلف؛ ذلك أن هناك ملفات كاملة بالأسماء وظروف الإخفاء القسري تتوفر لدى الجهات العراقية والأمم المتحدة، وهناك لجان تحقيقية توصلت إلى نتائج موثقة». وأوضح البيان، أنه فيما يتعلق بمواطني جرف الصخر، فإن «القاصي والداني يعرف أنهم ممنوعون من العودة إلى منطقتهم رغم مرور سنوات على تحرير جرف الصخر من الإرهاب، ولا نعتقد أن أي منصف يمكن أن يتهم مواطني منطقة كاملة بالإرهاب؛ فذلك خارج المنطق». واختتم بيان جبهة الإنقاذ والتنمية بالقول، إن «الإشارة إلى الميليشيات الخارجة عن القانون لا يعني اتهام قوات الحشد الشعبي، فكل القوى السياسية تؤكد وجود نشاط لا يتفق مع القانون لهذه الجماعات، ولعل مسألة إطلاق الصواريخ واستهداف النشطاء دليل من عشرات الأدلة على ذلك». من جهته، فإن الدكتور ظافر العاني ولدى سؤاله من قبل «الشرق الأوسط» كيف ينظر إلى الحملة ضده وهل لديه رأي بخصوص ذلك، قال إنه «يكتفي ببيان تحالف القوى العراقية».



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.