ذكرى الحرب اللبنانية 1975 - 1990 : تيمور جنبلاط: الفوضى والانفجار الشامل أخطر من الحرب

قال لـ «الشرق الأوسط» إن الصواب هو البحث عن الحوار

TT

ذكرى الحرب اللبنانية 1975 - 1990 : تيمور جنبلاط: الفوضى والانفجار الشامل أخطر من الحرب

لا يتذكر رئيس «كتلة اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط كثيراً من مشاهد الحرب الأهلية اللبنانية؛ فهو الذي ولد خلالها يقول إنه بلغ مرحلة بناء الذاكرة عندما بدأت هذه الحرب تنتهي تدريجياً، «وبهذه المرحلة من العمر لا تعلق الأحداث بالذاكرة، كل ما أتذكره بعض أجزاء من مشاهد، وأذكر أننا كنا في حالة من غير الاستقرار، وتنقّلنا كثيراً بسبب الوضع الأمني بين المختارة وبيروت ولاحقاً سوريا والأردن، وطبعاً كان هناك الهاجس الذي نعيشه دون أن ندرك أبعاده وهو غياب الأمان».
ويعدّ جنبلاط في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «المأساة الكبرى كان يعيشها اللبنانيون كل يوم ومن كل الجهات، وهذه الذكريات المؤلمة القاسية هي الأهم. فالذاكرة الفردية ليست إلا جزءاً من الذاكرة الجماعية، التي تحتاج إلى تنقية ومصالحة ومصارحة ومسامحة مع الذات ومع الآخرين، لكي نمضي قدماً. ونحتاج لعمل كثير كي نتمكن من الوصول إلى ما نطمح إليه في هذا المجال».
ويشير جنبلاط إلى أن «الكل خاض الحرب عن قناعة بأنه يملك الصواب ولديه القضية المحقة، والكل برأيي كان مُصيباً في جوانب من قضيته، لكن أيضاً مخطئ في جوانب أخرى» لافتاً إلى أنه «وبصرف النظر عن المبررات والظروف التي فرضت الحرب والانخراط فيها، وكان (الحزب التقدمي الاشتراكي) في وضع الدفاع عن الوجود والبقاء والهوية وكان لدينا قضيتُنا، إلا إن الحرب برمّتها خطأ، والصواب أن نبقى نبحث عن الحوار ثم الحوار ثم الحوار. فلا حل إلا بالحوار، ومهما تقاتلنا نعود للحوار، لأنه لا مفر من أن نعيش في هذا الوطن جميعنا في إطار من الحرية والتنوع وقبول الآخر والشراكة». ويضيف: «هذا الأمل الوحيد الباقي بعد كل ما بلغناه من خراب وانهيار وتدمير اليوم، والقلق حالياً هو من الفوضى والانفجار الشامل، وهذا أخطر من الحرب؛ لأنه يترافق مع انهيار اقتصادي ومعيشي شامل يهدد كل شيء».
ويرى جنبلاط أن المهم اليوم البحث عن «كيفية صناعة الاستقرار وبناء الغد الأفضل، لا عمّن يريد الحرب»، عادّاً أنه «في ذكرى الحرب يكفي أن نتذكر كل الضحايا الذين قضوا والجرحى والمصابين والعائلات والمفقودين والمخفيين قسراً والتداعيات الجسيمة التي لا تزال حتى اليوم. ويكفي أن نتذكر ما فعلناه في المصالحة وأن نتمسك بها أكثر؛ لأنها حجر أساس لبناء المستقبل، وأن نبحث عن شراكة لقيام الدولة ونهوضها مما هي فيه من أزمة مصيرية، لكي نقدم شيئاً للجيل القادم، ولكي ننهي دوامة الأزمات»، مضيفاً: «نسعى لنحقق ما يريده الشباب من دولة مدنية علمانية؛ دولة قانون وعدالة قضائية وعدالة اجتماعية واقتصاد متكافئ وإنماء وحياة كريمة وحقوق الإنسان. اليوم للأسف باتت المُهمة أضعافاً، فهناك (كورونا) والواقع الصحي والجوع والانهيار. ثم علينا ألا ننسى أبداً الأخطار مما يجري حولنا، وهناك العدو الإسرائيلي الذي يسرق ثرواتنا، ويعتدي على سيادتنا. كل ذلك هو فعلاً أخطر من الحرب، لذلك علينا أن نعمل كثيراً لمنع هذا الانفجار».
ويدعو جنبلاط للبدء في هذا المسار من خلال «تشكيل حكومة فاعلة، والقيام بإصلاحات حقيقية، وبإنعاش تدريجي للاقتصاد، ثم بناء المؤسسات السياسية على أساس ديمقراطي سليم، والمؤسسات الإدارية على قاعدة من الكفاءة والإنتاج»، مشدداً على أن «وحدها دولة المواطنة تمنع تكرار الحروب والاقتتال، وهذا ما نريده».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.