أصغر أسيرة فلسطينية تستعيد حياة الأسرة وتتذكر الضرب والإهانات والبرد

الطفلة ملاك لـ («الشرق الأوسط»): أنا سعيدة لأني عدت إلى أهلي وصديقاتي

والدة ملاك الخطيب تمشط لها شعرها في بيت العائلة بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
والدة ملاك الخطيب تمشط لها شعرها في بيت العائلة بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

أصغر أسيرة فلسطينية تستعيد حياة الأسرة وتتذكر الضرب والإهانات والبرد

والدة ملاك الخطيب تمشط لها شعرها في بيت العائلة بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
والدة ملاك الخطيب تمشط لها شعرها في بيت العائلة بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تضطر الطفلة ملاك الخطيب (14 عاما) للتعامل مع واقع أكبر من عمرها بعدما قضت 45 يوما في السجون الإسرائيلية كأصغر أسيرة تعتقلها إسرائيل طيلة فترة احتلالها للأراضي الفلسطينية، وأفرج عنها الجمعة الماضي.
وتحولت ملاك إلى «نجمة» وهي تقابل يوميا المئات من المهنئين وعشرات الصحافيين وبعض المسؤولين، الذين يخوضون معها عادة نقاشات في السياسة وظروف الاعتقال وحالة الأسرى الذين خلفتهم وراءها، وكيف عاشت أقسى الساعات في حياتها، فيما يحول لها والدها بين الفينة والأخرى هاتفا جديدا من أحد المهتمين.
وأمس فقط تمكنت ملاك من زيارة مدرستها في بلدة بتين القريبة من رام الله. عانقت المعلمات وصديقاتها مثل ضيفة كبيرة كانت تلاحقها الكاميرات خطوة بخطوة.
وقالت ملاك لـ«الشرق الأوسط»: «انبسطت كثيرا». وأضافت: «بعد 45 يوما في السجن أنا سعيدة أني رجعت إلى هنا، ورأيت صديقاتي وأهلي».
وتذكرت ملاك يومها الأخير في المدرسة قبل الاعتقال، إذ فاجأها جنود إسرائيليون في الطريق يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد نهاية يوم دراسي طويل، وهم يعتقلونها بالقوة بتهم إلقاء الحجارة.
وقالت ملاك «لقد اختطفوني بالقوة. لقد ضربوني وحولوني إلى التحقيق بتهمة إلقاء الحجارة.. وهي تهمة غير صحيحة».
وروت ملاك كيف أن 4 جنود إسرائيليين حاصروها وألقوها أرضا ثم قيدوها بالقوة وألقوا بها في سيارة عسكرية، نقلتها إلى مركز تحقيق «بنيامين» حيث خضعت لاستجواب قاس استمر أكثر من ساعتين ومن هناك إلى سجن «هشارون» النسائي، قرب تل أبيب. وقالت: «لا أعرف كيف أصف الاحتلال لكن أقول فقط: الله على الظالم».
وأضافت: «لقد عرفت معنى المعاناة، جربت الإهانة والبرد والقلق لكنني لم أخف منهم». وتابعت: «كنت زعلانة كثير.. على أهلي وصديقاتي وكنت خائفة ألا أراهم مرة أخرى».
ولأسابيع تنقلت ملاك من السجن إلى محكمة إسرائيلية قبل أن تحكم عليها بالسجن شهرين مع غرامة مالية قدرها 1500 دولار، وشاهدت في الطريق كيف يضرب الجنود أطفالا أسرى آخرين، وظل ذلك عالقا في ذهنها. وقالت ملاك بأنها تتمنى للأطفال الذين شاهدتهم الآن الحرية مثلما نالتها هي.
وسلطت حادثة ملاك الضوء أكثر على ملف الأسرى الأطفال في السجون الإسرائيلية.
وقال رئيس هيئة الأسرى الفلسطينيين عيسى قراقع بأن إسرائيل اعتقلت منذ عام 2000 أكثر من 10 آلاف طفل فلسطيني، داعيا إلى رفع جميع قضايا الأسرى أمام المحاكم الدولية.
ويوجد في السجون الإسرائيلية الآن 213 قاصرا فلسطينيًا (أعمارهم أقل من 18 عاما) لا يزالون معتقلين في سجون «مجدو» و«هشارون» و«عوفر»، كما قال بيان لنادي الأسير الفلسطيني.
وتشير إحصاءات رسمية فلسطينية إلى أن إسرائيل اعتقلت منذ بداية العام الحالي 16 طفلا أعمارهم أقل من 18 عاما، لكنها أفرجت عن معظمهم.
ويعاني الأطفال الفلسطينيون الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، تفتقر للحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأطفال وحقوق الأسرى.
ويقول الفلسطينيون بأن اعتقال الأطفال مخالفة جسيمة للقانون الدولي، وخصوصًا المادة (16) في اتفاقية الطفل التي تنص على أنه «لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته».
وتستند إسرائيل إلى نظام قضائي خاص، وأوامر عسكرية من بينها الأمر العسكري رقم 132، الذي يعتبر كل من يتجاوز 16 عامًا، شخصًا ناضجًا، والأمر العسكري رقم 1500 الذي يجيز اعتقال أي مواطن فلسطيني، بصرف النظر عن عمره، لمدة 18 يومًا، من دون عرضه على محكمة، ومن دون السماح له بمقابلة محاميه.
وقالت ملاك بأنها ورفيقاتها كن يعانين من نقص الطعام، والإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية، والحرمان من زيارة الأهالي. وأضافت: «لقد عاملوني كأني كبيرة.. مثل كل الأسيرات». وتابعت: «لم يراعوا أبدا أني ما زلت طفلة».
وتتذكر ملاك كل كبيرة وصغيرة في السجن، وكيف أنها لم تصدق نفسها وهي تنظر إلى الفضاء الواسع بعد الإفراج عنها.
وتستعد ملاك الآن للانتظام في دراستها من جديد وتعويض ما فاتها من دروس.
وقررت ملاك أن تلتحق بمدرستها مجددا الأحد المقبل بحسب اتفاق مع مديرية التربية والتعليم. وقالت ملاك بأنها بعد تجربة السجن قررت أن تدرس الحقوق لتدافع عن جميع الأسرى والأسيرات وتقف في وجه الاحتلال.
وتمنت ملاك على كل الأطفال من عمرها أن يهتموا أكثر بالتعليم. وأضافت: «أقول لأصدقائي بأن التعليم هو سلاحنا لمواجهة الظلمة».
وشيئا فشيئا أخذت ملاك تستعيد حياتها الأولى، وتنام وقتا أطول في الصباح بعدما تعودت أن تستيقظ مبكرا كل يوم كي تخضع لفحص العدد الأمني، وتتناول أي طعام تتمناه، تدرس وقتما تشاء، وتلعب وقتما تشاء، وترد الصباحات على والدها ووالدتها وأشقائها. لكنها كبرت كثيرا في شهرين، أسرع مما أراد لها أهلها ذلك.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».