الأطراف الأوروبية تبدي تخوفها على مستقبل مفاوضات فيينا

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يتحدث إلى نظيره الألماني هايكو ماس على هامش الاجتماع الوزاري الأوروبي في بروكسل الشهر الماضي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يتحدث إلى نظيره الألماني هايكو ماس على هامش الاجتماع الوزاري الأوروبي في بروكسل الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

الأطراف الأوروبية تبدي تخوفها على مستقبل مفاوضات فيينا

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يتحدث إلى نظيره الألماني هايكو ماس على هامش الاجتماع الوزاري الأوروبي في بروكسل الشهر الماضي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يتحدث إلى نظيره الألماني هايكو ماس على هامش الاجتماع الوزاري الأوروبي في بروكسل الشهر الماضي (أ.ف.ب)

ثلاثة عناصر رئيسية تتوقف عندها مصادر أوروبية في فهمها وتقويمها وتبعاتها لما أصاب منشأة نطنز، وهي الأهم في إيران لتخصيب اليورانيوم، وتشكل إلى حد كببر العصب الرئيسي لبرنامج طهران النووي: أولها، أن استهداف المنشأة الذي اعتبرته إيران بمثابة «إرهاب نووي» وحملت مسؤوليته لإسرائيل، جاء بعد جولة أولى من المفاوضات غير المباشرة التي استضافتها فيينا، والتي عدها المعنيون جميعاً، بمن فيهم الطرفان الأميركي والإيراني، «بناءة».
والثاني أنه حصل بعد يوم واحد من قيام طهران بتدشين نصب عشرات الطاردات المركزية الحديثة التي من شأنها تسريع تخصيب اليورانيوم بعشرات المرات ومراكمة الكميات المخصبة بمستويات 20 في المائة وأكثر من ذلك.
وأخيراً، فإن الاستهداف حصل فيما وزير الدفاع الأميركي الجنرال لويد أوستن موجود في إسرائيل لمحادثات هي الأرفع منذ وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، وتركزت بشكل خاص على برنامج طهران النووي ومستقبله والمفاوضات الجارية بشأنه. وليس سراً على أحد أن إسرائيل تعارض توجهات الإدارة الحالية، وبالتالي فإن «الهجوم»، أكان سيبرانياً أم مادياً مباشراً، من شأنه أن «يحرج» واشنطن كما العواصم الأوروبية الضالعة في المفاوضات.
ولذا، كان من الطبيعي أن يعلن بيتر ستانو، الناطق باسم «وزير» خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أنه «يتعين رفض أي محاولة غرضها نسف المحادثات الجارية في فيينا»، كما يتعين «توضيح الظروف التي أحاطت بحادثة منشأة نطنز سريعاً جداً»، مؤكداً مجدداً أن «الاتفاق بشأن برنامج إيران النووي مهم جداً من أجل استقرار المنطقة، حيث يتعين التوصل إلى حل دبلوماسي». وعندما تتوضح ظروف الحادثة، فإن الاتحاد سيقرر عندها «الإجراءات التي يتوجب اتخاذها».
وتعد مصادر أوروبية أن الضربة الإسرائيلية لها هدفان رئيسيان: الأول، عملاني، بمعنى تأخير وإعاقة تقدم البرنامج المذكور، الأمر الذي ينظر إليه على أنه «امتداد» لما قامت به في السابق، أكان اغتيال «الأب» للبرنامج محسن فخري زاده في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أو التسبب بحريق واسع في (نطنز) في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي. وفي أي حال، فإن «الحرب السيبرانية» تسير بالتوازي مع «حرب السفن» الجارية بين تل أبيب وطهران.
والهدف الثاني «سياسي وفحواه دفع المفاوضين الغربيين لعدم التراجع أمام الضغوط الإيرانية»، التي كان آخر تجلياتها وبعد يوم واحد من استئناف محادثات فيينا، إعلان طهران عن نصب الطاردات الحديثة وتأكيدها الاستمرار في ذلك حتى تتجاوب واشنطن وترفع كل العقوبات التي فرضت عليها منذ 2018.
وبأي حال، فإن الطرف الأوروبي ينظر إلى حادثة نطنز على أن غرضها الأول «نسف مسار فيينا».
أما أوروبياً، فقد علمت «الشرق الأوسط» أن هناك مشاورات تجري بين الأطراف المعنية «فرنسا وبريطانيا وألمانيا» «للتفاهم على مقاربة موحدة»، وهمها «الإبقاء على ما تراه دينامية تفاوضية واعدة». بيد أن المصادر الدبلوماسية في باريس «تتخوف» من إجراءات ومبادرات طهران نووياً، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بالأمس، وما نبهت منه الخارجية الفرنسية يوم الجمعة الماضي. وقال ماس أمس، إن «ما نسمعه من طهران في هذه الأيام بخصوص نطنز (لا يعد مساهمة إيجابية)» لما هو جارٍ في فيينا. ويعد الجانب الأوروبي أن استمرار طهران في التحلل من التزاماتها، فيما المفاوضات جارية وهي التي سعت لإجرائها وأقنعت الطرف الأميركي بقبولها بصيغتها الحالية بما في ذلك التخلي عن مطلب واشنطن قيام مفاوضات مباشرة مع طهران، من شأنه «إحراجها مجدداً»، وأن الضغوط «يمكن أن تفضي في زمن ما إلى نتائج معكوسة»، الأمر الذي تسعى لتفاديه.
يبقى أن دبلوماسيين عرباً في العاصمة الفرنسية قرعوا ناقوس الخطر محذرين من أن التركيز على الملف النووي وحده اليوم «لا يسير وفق تطلعات الجانب العربي - الخليجي»، الذي بالطبع لا يريد إيران نووية، ولكنه يعاني اليوم من تدخلاتها المباشرة في جوارها الإقليمي ومن صواريخها التي تفضي إلى إضعاف كثير من الدول العربية التي أفقدتها مناعتها، وبالتالي فإنها تحث المفاوضين الغربيين على التمسك بضرورة مشاركتها في المفاوضات حتى تكون في وضع يسمح لها بالدفاع عن مصالحها، وألا تكون رهينة البرنامج النووي الإيراني إن نجحت المفاوضات أو لم تنجح.



«الحرس الثوري»: سماء إسرائيل مفتوحة أمامنا

المتحدث باسم «الحرس الثوري» علي محمد نائيني خلال مؤتمر صحافي الاثنين (تسنيم)
المتحدث باسم «الحرس الثوري» علي محمد نائيني خلال مؤتمر صحافي الاثنين (تسنيم)
TT

«الحرس الثوري»: سماء إسرائيل مفتوحة أمامنا

المتحدث باسم «الحرس الثوري» علي محمد نائيني خلال مؤتمر صحافي الاثنين (تسنيم)
المتحدث باسم «الحرس الثوري» علي محمد نائيني خلال مؤتمر صحافي الاثنين (تسنيم)

قال «الحرس الثوري»، على لسان المتحدث باسمه، إن «سماء الكيان الصهيوني مفتوحة وغير محمية بالنسبة لإيران»، مضيفاً: «لا يوجد أي عائق لتنفيذ عمليات جديدة ضد إسرائيل في الوقت المناسب»، نافياً تضرّر الدفاعات الجوية وتعطّل دورة إنتاج الصواريخ في الهجوم الذي شنّته إسرائيل نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأفاد الجنرال علي محمد نائيني، في مؤتمر صحافي، بأن المناورات الهجومية والدفاعية التي بدأتها قواته مع الجيش الإيراني تستمر لثلاثة أشهر، لافتاً إلى أنها «تجسّد صفحة جديدة من قوة الردع الإيرانية»، وتشمل الكشف عن «مدن صاروخية وتجارب صواريخ باليستية».

وأضاف أن «الجمهورية الإسلامية كانت مستعدة تماماً للمعارك الكبرى والمعقّدة والصعبة على أي مقياس منذ وقت طويل».

وأشار نائيني ضمناً إلى التطورات السورية، والإطاحة بنظام بشار الأسد. وقال في مؤتمر صحافي إنه «بسبب تحولات الأسابيع الأخيرة، نشأت لدى العدو حالة من الحماس الكاذب والفهم الخاطئ؛ حيث حاول تصوير التطورات الحالية على أنها ضعف للجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال حرب إدراكية»، حسبما أوردت وكالة «إيسنا» الحكومية.

وأشار نائيني إلى تبادل الضربات المباشرة وغير المسبوقة بين إيران وإسرائيل في أبريل (نيسان) وأكتوبر الماضي. وقال إن الهجومين الإيرانيين «كانا جزءاً صغيراً فقط من القوة اللامتناهية».

وأضاف أن «العدو يعلم أن السماء فوق الأراضي المحتلة مفتوحة وغير محمية بالنسبة لنا على خلاف دعايتها الإعلامية، ويمكننا التحرك بحجم ودقة وسرعة أكبر، مع قدرة تدميرية أكبر». وتابع: «العدو يقوم يومياً بإنتاج قضايا وأفكار مشكوك فيها للتأثير في الإرادة والروح الوطنية».

وتوعّد نائيني بما وصفه «بتغيير إدراك العدو المضلل مرة أخرى»، وأردف: «نقول لأعدائنا إننا دائماً مستعدون، وعلى أهبة الاستعداد، ولا نتهاون أبداً. في اللحظة التي تُعطى فيها الأوامر، سنُظهر قوتنا كما في السابق».

وزاد أن المناورات «هي قصة القوة والثبات والردع». وقال إن «العدو الصهيوني يعاني من وهم وخطأ في الحسابات». وأضاف أن رسالة المناورات الدفاعية والهجومية «ستصل إلى العدو في الأيام المقبلة».

قادة من الجيش و «الحرس الثوري» خلال جلسة تنسيقية للمناورات في غرب البلاد (تسنيم)

وبدأ الجيش الإيراني والوحدات الموازية في «الحرس الثوري» مناورات سنوية تستمر لمدة ثلاثة أشهر، في البر والبحر والجو.

وقال نائيني إن «الجزء الأساسي من المناورات سيكون في يناير، وسيستمر حتى نهاية العام، وهي مناورات دفاعية وهجومية وتركيبية، تم تصميمها استجابة للتهديدات الأمنية الجديدة».

ولفت المتحدث إلى أن المناورات «أقرب للتمارين على محاكاة المعارك الفعلية». وقال إن «الهدف الرئيسي منها هو تعزيز القوة لمواجهة التهديدات العسكرية المحتملة، والتصدي للإرهاب والتخريب في البلاد، ورفع الروح الوطنية، وتغيير حسابات العدو».

وقال إن «ادعاءات إسرائيل بشأن ضعف دفاعات إيران بعد هجوم 26 أكتوبر غير صحيحة؛ إذ لم تتوقف إيران عن إنتاج الصواريخ، ونظامها الدفاعي مستمر ومتطور».

وبشأن التهديدات التي كرّرها مسؤولون إيرانيون لشن عملية إيرانية ثالثة ضد إسرائيل، قال نائيني إنه «لا يوجد أي عائق لتنفيذ عمليات جديدة ضد إسرائيل في الوقت المناسب».

وأضاف أن «الشعب الإيراني يثق بذكاء وتدبير قادته العسكريين، وأن أي عملية مستقبلية ستكون أكثر قوة ومفاجأة». وأشار إلى أن «العدو يتلقى رداً على شروره بأساليب متنوعة وفي مواقع جغرافية متعددة».

وذكر في السياق نفسه، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي «خسر ألف جندي منذ (طوفان الأقصى)». وعدّ نائيني دعم «المقاومة وتطوير التعبئة العالمية» بأنها «أساس في العقيدة العسكرية الإيرانية».

وأضاف في السياق ذاته أن عملية «(الوعد الصادق) أظهرت ضعف أجواء الكيان الصهيوني أمام الهجمات الإيرانية».

ومع ذلك، أشار إلى أن إيران لن تبدأ أي حرب، لكن المناورات المقبلة تهدف إلى تعزيز الردع والاستعداد الدفاعي والهجومي لحماية الشعب والثورة ومواجهة أي تهديد.

وقالت وسائل إعلام إيرانية، الاثنين، إن الدفاعات الجوية أجرت تدريبات قرب المواقع الحساسة.

وقال نائيني إن الدفاعات الجوية التابعة للجيش أجرت مناورات قرب منشأة نطنز النووية في وسط البلاد. كما أشار إلى نشر وحدة «صابرين» للقوات الخاصة في الوحدة البرية لـ«الحرس الثوري» في غرب البلاد.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية مطلع أكتوبر الماضي (أرشيفية - رويترز)

ضربات متبادلة

في أوائل أكتوبر، أعلنت إيران عن إطلاق 200 صاروخ باتجاه إسرائيل، حيث أفادت تل أبيب بأن معظم هذه الصواريخ تم اعتراضها بواسطة دفاعاتها الجوية أو دفاعات حلفائها.

وأكدت طهران أن الهجوم جاء رداً على اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، بالإضافة إلى قيادي في «الحرس الثوري» الإيراني، وذلك خلال غارة إسرائيلية استهدفت جنوب بيروت، إلى جانب اغتيال هنية.

في 26 أكتوبر، شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات على مواقع عسكرية في إيران، مستهدفة منشآت صاروخية ومنظومات رادار، ما أدى إلى تدميرها.

وحذّرت إسرائيل إيران من أي ردّ إضافي بعد تعهد مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين بتنفيذ عملية ثالثة. وجاء تصاعد التوترات قبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي أُجريت في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، وأسفرت عن فوز دونالد ترمب.

في 3 نوفمبر، أعلنت الولايات المتحدة عن نشر قدرات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط، من المتوقع أن تصل «خلال الأشهر المقبلة»، في خطوة تهدف إلى «دعم إسرائيل» وتحذير إيران، وفقاً لبيان صادر عن البنتاغون.

صورة من فيديو يظهر تصاعد الدخان من موقع عسكري في ضواحي طهران 26 أكتوبر الماضي (شبكات التواصل)

وشهد شهر أبريل (نيسان) الماضي تبادلاً غير مسبوق للضربات المباشرة بين إيران وإسرائيل، رغم تجنبهما الانزلاق إلى حرب شاملة.

في 13 أبريل، تصاعدت المخاوف من اندلاع تصعيد إقليمي حين شنت إيران هجوماً غير مسبوق باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت الأراضي الإسرائيلية، وذلك رداً على ضربة جوية استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق ونُسبت إلى إسرائيل.

وفي 19 أبريل، سُمع دوي انفجارات في وسط إيران، حيث أفادت وسائل إعلام إسرائيلية وغربية بوقوع هجوم استهدف مطاراً عسكرياً في مدينة أصفهان. يُعتقد أن هذا المطار يتولى حماية منشأة «نطنز»، وهي المحطة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم في إيران.