كوازيمودو... وظَّف شعره للثورة والإنسان وخسر جماليته الفنية

إيطاليا تحتفل بالذكرى الـ 120 لميلاد شاعرها النوبلي

كوازيمودو
كوازيمودو
TT

كوازيمودو... وظَّف شعره للثورة والإنسان وخسر جماليته الفنية

كوازيمودو
كوازيمودو

تحتفل الأوساط الثقافية الإيطالية هذه الأيام وعلى طريقتها المعتادة بالذكرى 120 لميلاد شاعرها سلفاتوري كوازيمودو (1901 - 1968) الحاصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1959.
وتدور مع هذه الذكرى معارك كلامية في إعادة تقييم هذا الشاعر ومواقفه وقدراته الإبداعية، فيرى كثير من النقاد اليساريين أنه من الخطأ أن يحاكَم الشعر بمنطق الآيديولوجيا، وأن التجرؤ والتبسيط والانحياز إلى عنصر دون الآخر من عناصر العمل الفني يعد مبالغة لا تتسم بالواقعية وغير سليم النيات، كما أن هذه الرؤية قاصرة عن رؤية الجمال في العمل الفني الذي قدّمه الشاعر، والذي أسهم في صحوة الشعر الإيطالي المعاصر، واستعاض بمضامين جديدة تموج في ثناياها بروح النقمة والتحفز والتذمر وتحمل مع غيرها مسؤولية الصراع مع سلطة التراث من أجل حضور أغنى في القصيدة الإيطالية المعاصرة.
من جانب آخر حمل بعض الصحف والمجلات المتخصصة الإيطالية كثيراً من المقالات والدراسات التي تؤيد ما ذهب إليه الأدباء الفرنسيون في حملتهم الشهيرة التي اعترضوا فيها على منح كوازيمودو «المغمور» جائزة نوبل، مؤكدين أن كوازيمودو لم يكن يستحق الجائزة التي جاءت إرضاءً للاتحاد السوفياتي الذي أثار ضجة كبيرة في عام 1958 إثر منح باسترناك الجائزة، أي قبل عام من منحها لكوازيمودو، وأنه ظل بجميع مراحله الشعرية من المخلصين للواقعية الاشتراكية بوصفها في زعمهم تركز على المضامين ولا تعبأ بالجمال والفن، إنهم يرون أنه وظّف شعره في خدمة قضايا التحرر والثورة والإنسان التي كان يروّج لها الحزب الشيوعي الإيطالي الذي انتمى إليه عام 1945 فضاقت قصيدته وانحسرت في حيز واحد من أحياز الحياة.
يمثل شعر كوازيمودو ثلاث مراحل أساسية: الأولى ارتباطه بشعب جزيرة صقلية الذي كان يسحقه القهر والفقر والمرض ويحارب قوى العتمة في الداخل والخارج، وإيمانه الصادق والعميق بقدرات الإنسان الصقلي على أن يمسك بمصيره بيده عاجلاً أو آجلاً. والثانية ارتبطت بأهوال الحرب العالمية الثانية وما رافقها من انكسارات وما فجّرته من يقظة على عُمق الفساد والتخلخل في الأبنية الاجتماعية والسياسية والثقافية أيام العهد الفاشي وما ولّده ذلك في نفسية الفرد الإيطالي من إحساس عميق بضياع أشياء كثيرة، فجاءت قصائده في تلك المرحلة لتعمق الصورة الشعرية كأداة تعبير فني وشمولي، ولتعمق الحس الدرامي بمأساة الوجود الإنساني، معتمدةً الصورة ذات الجزئيات، والصورة الشاملة المحيطة. ولعل خير مثال قصيدته الرائعة «مرثية الجنوب» و«يا إنسان زماني» و«عام 1947».
أما المرحلة الثالثة فتتمثل في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ليعطي قصائده بناءً فنياً جديداً واتجاهاً واقعياً جديداً على عكس الثورية الرومانتيكية التي طغت على أشعاره السابقة، واقتربت قصائد هذه المرحلة من لغة الكلام المحكيّ.
وُلد شاعر إيطاليا سلفاتوري كوازيمودو من أُمٍّ ذات أصول يونانية. وفي عام 1918 رحل والده إلى مدينة «مسينا» في جزيرة صقلية، وفي ذات العام وبسبب انفجار أحد البراكين هناك لجأت العائلة للاحتماء بإحدى العربات المهجورة في محطة مهدمة. في سنة 1919 أنهى دراسته الإعدادية وتوجه إلى روما لدراسة الهندسة، ولأسباب اقتصادية قاهرة قطع دراسته ليعمل من أجل لقمة العيش. في عام 1930 نشر أول أعماله الشعرية «الماء والأرض». وفي العام نفسه ترجم بعض الأشعار اليونانية وعمل في كبريات الصحف آنذاك. ونشر في عام 1942 ديوان «وحالاً يكون المساء» الذي أثار صدى كبيراً. ثم نشر «الحياة ليست حلماً» في عام 1949، وفي عام 1959 نال جائزة نوبل للآداب. رحل في عام 1968 بعد أن أُصيب بانفجار في الدماغ.

من قصائده:

«إلى أرضي»
شمس تتشظى متورمة في الحلم
وأشجار تعوي
وفجر مخاطر
لا ترسو فيه السفن
والفصول البحرية
عذبة تختمر بالشواطئ المكتنزة
بميلادها المتجدد
أنا هنا عاجز... توقظني
أرض أخرى
يا للمرارة
ورحمة الأغنية المتقطعة
حيث الحب يوصيني بالناس وبالموت
يا لشروري التي تخضرّ من جديد
فالأيادي مثل الهواء معلّقة بأغصانك
كالنساء المنغلقات بأحزان الهجرات
يعجزن عن الإمساك بالزمن
لكنّي ألقي بنفسي عليك:
كشحنة طرية في القلب
كخطى الملائكة العارية
تصغي إليك في الظلام

«المزمار الغاطس»
جزاء بخيل، يؤخّر عطاياك
في هذه الأوقات المغمورة
بالأنفاس المهجورة
ومزمار جليدي يتهجّى
بهجة أوراق سرمدية
ليس لي، وبلا ذاكرة
لينتصب المساء في داخلي:
عندها تنزاح المياه
فوق كفي المعشّبة
أجنحة تخفق في سماء باردة
مسرعة تعبرني:
يغادرني القلب
وأنا لست سوى حزمة من الأشياء
والأيام أنقاضي.

«الجدار»
في مواجهتك يرفعون جداراً بصمت
حجر وجص حجر وكراهية،
كل يوم في الحي الأرقى
تتساقط خيوط الرصاص.
البناءون كلهم سواء، صغار
سُمر الوجوه، وماكرون.
على الجدار يخطّون شعاراتهم،
وحين تمحوها الأمطار
يعيدون كتابتها من جديد،
وبطرق رياضية أكثر رحابة.
بين حين وآخر يهوي من أعلى البناية
أحد منهم وحالما يمضي الآخر
ليأخذ مكانه.
لا يرتدون صدريات العمل الزرقاء
ويتكلمون فيما بينهم بلهجة رمزية.
عالياً ينهض بين الثقوب
جدار الصخور الذي تزحف فوقه العقارب
وأنت بعيد عن هذا كله
لا تنشد الشكر ولا الفوضى.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».