«البخار الفائق» لتدوير البلاستيك

مصنع بريطاني جديد يوظفه للأنواع الصعبة المعالجة

«البخار الفائق» لتدوير البلاستيك
TT

«البخار الفائق» لتدوير البلاستيك

«البخار الفائق» لتدوير البلاستيك

يشهد العالم تصنيع 360 مليار طنّ متري من البلاستيك سنوياً. ويبقى القسم الأكبر منه دون تدوير والسبب الأوّل لذلك هو الكسل، ففي الولايات المتحدة الأميركية، حيث يمكن إعادة تدوير العبوات البلاستيكية بسهولة وفي كلّ مكانٍ تقريباً، لكن القسم الأكبر منها ينتهي في المهملات. ولكنّ الأنواع الأخرى من البلاستيك تشكّل تحدياً كبيراً في هذا المجال إلى حدّ أنّ معيدي التدوير يجدونها عملية غير مجدية اقتصادياً. وإذا وضعتم هذه الأنواع في مستوعب إعادة التدوير، غالباً ما يكون مصيرها الحرق.
ولكنّ مصنع إعادة تدويرٍ جديدا صمم لمعالجة هذه الأنواع الصعبة من البلاستيك يستخدم ما يُعرف بالبخار الفائق الحرج - النّاتج عن ماءٍ مغلي على درجة حرارة وضغط مرتفعين - إذ تعمل «المقصات الجزيئية» على تفكيك الروابط الكيميائية الموجودة في البلاستيك لصناعة المواد الأوليّة، التي يمكن استخدامها في صناعة بلاستيك جديد.
تصلح هذه العملية مع أي نوع بلاستيك ومن بينها ذلك المستخدم في التعليب المتعدّد الطبقات والذي لا يعتبر مقبولاً عادة في مستوعبات إعادة التدوير. ويقول ستيف ماهون، الرئيس التنفيذي لشركة «ماهورا»: «نحن بحاجة لحلّ جديد لإعادة تدوير هذه المواد التي لا ينفع معها التدوير الميكانيكي. ومن الضروري أيضا الاعتراف بقيمة فضلات البلاستيك كمصدر جاهزٍ لصناعة البلاستيك وفصل الإنتاج عن المصادر الأحفورية وإدخال البلاستيك في اقتصاد دائري لتفادي هدر هذه المادّة المفيدة والمرنة».
لا يزال المصنع الجديد قيد الإنشاء في منطقة في شمال إنجلترا حيث بدأت مصانع البلاستيك الكبيرة بالظهور في ثلاثينات القرن الماضي. تعتمد عملية صناعة البلاستيك التقليدية على الوقود الأحفوري كالنفط الخام أو الغاز الطبيعي، إلّا أنّ الشركة التي تملك المصنع الجديد تتخيّل تحويلها إلى صناعة دائرية، إذ وبعد استخدام أحدهم للبلاستيك، تتمّ إعادة تدويره وتفكيكه إلى مواد لصناعة بلاستيك جديد، ثمّ يعاد تدويره وتفكيكه وصناعته مرّات أخرى في إطار دورة صناعية لا نهاية لها. وكما في أنواعٍ أخرى مما يعرف بإعادة التدوير الكيميائية أو المتقدّمة، يمكن استخدام هذه التقنية الجديدة لإنتاج مواد مطابقة للبلاستيك المعاد تدويره. ولكن هذا يختلف عن إعادة التدوير التقليدية التي تقطّع وتذيب البلاستيك القديم و«تعيد تدويره» ليتحوّل إلى مادّة أقلّ جودة ولمرّات محدّدة.
شكّكت المنظّمات المعنية بحماية البيئة كـ«غرينبيس» (منظمة السلام الأخضر) بجدوى التدوير الكيميائي وأصرّت على أنّ الشركات يجب أن تركّز على طرق لتخفيف الاستخدام غير الضروري للبلاستيك بدل وضع الآمال على تقنية لم تثبت فاعليتها على المستوى الاقتصادي (تعتمد على استخدام المستهلكين لمستوعبات خاصّة بإعادة التدوير وهو أمرٌ غير منتشر بالقدر الكافي حتّى اليوم). من جهته، يقول جون هوسيفار، مدير حملة تنظيف المحيطات في «غرينبيس» الولايات المتحدة: «لن نتمكّن من الخروج من هذه الكارثة، وحتّى ندرك هذا الأمر، سيستمرّ ثلوّث البلاستيك بالتفاقم. صحيح أنّ إعادة التدوير تبقى جزءًا مهماً من عملية الدمج للمواد الأخرى، إلّا أنّها يجب أن تكون الخيار الأخير في حالة البلاستيك وليس الأوّل.
علينا أن نعطي الأولوية لتخفيف وإعادة استخدام البلاستيك، وأن نعترف بأنّ معظم التغليف البلاستيكي الذي نرميه في المهملات ينتهي به الأمر مطموراً في التربة أو محروقاً أو مشحوناً خارج البلاد، حيث تضطرّ مجتمعات أخرى إلى التعامل معه. ليس من المنطقي أن نستثمر 10 سنواتٍ ومليارات الدولارات في محاولة إنقاذ تقنية مكلفة وغير فعّالة لإعادة تدوير مواد لن نستخدمها بعد هذه السنوات العشر. لم يعد لدينا وقت لانتظار رصاصة الرحمة المفترضة التي ستخلّصنا من هذه الكارثة...علينا أن نتوقّف عن إنتاج كميات كبيرة من البلاستيك اليوم».
صُممت تقنية «مورا» المسمّاة «هيدرو بي آر إس». لإعادة تدوير المواد التي يعجز التدوير الميكانيكي التقليدي عن معالجتها، في إطار مقاربة متكاملة تبتعد عن النموذج الطولي «إنتاج - استهلاك - تلف» وتتحوّل إلى نموذج دائري «إنتاج - استهلاك - إعادة تدوير». يشهد الطلب من الشركات التي تريد استخدام بلاستيك معاد تدويره في التغليف ازدياداً مستمراً. تعتبر المنتجات المعاد تدويرها بالتقنية الجديدة أعلى سعراً من البلاستيك المعاد تدويره عبر الوسائل التقليدية، ولكنّ الشركة تعتقد بأنّ تكلفتها ستصبح تنافسية خلال عقد أو أقلّ.
من المقرّر أن يفتح المصنع الجديد أبوابه في عام 2022 وهو مصمم لمعالجة حوالى 36 ألف كيلوغرام من مخلّفات البلاستيك في العام الواحد. كما تخطّط الشركة لبناء مصانع جديدة في دولٍ أخرى من بينها الولايات المتحدة.
- «فاست كومباني»
- خدمات «تريبيون ميديا»



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً