وزير الاقتصاد يطلب سحب «الدافع الإرهابي» من التحقيق في انفجار المرفأ

إهراءات القمح التي تعرضت لأضرار في انفجار مرفأ بيروت (رويترز)
إهراءات القمح التي تعرضت لأضرار في انفجار مرفأ بيروت (رويترز)
TT

وزير الاقتصاد يطلب سحب «الدافع الإرهابي» من التحقيق في انفجار المرفأ

إهراءات القمح التي تعرضت لأضرار في انفجار مرفأ بيروت (رويترز)
إهراءات القمح التي تعرضت لأضرار في انفجار مرفأ بيروت (رويترز)

أثار كتاب وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة، الذي وجهه إلى المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، وطلب فيه إخراج فرضية العمل العسكري أو الإرهابي من الأسباب التي أدت إلى تفجير المرفأ، استياءً واسعاً لدى القضاء الذي اعتبره تدخلاً سافراً في التحقيق لإحدى الفرضيات القائمة، كما فجر مجدداً غضب أهالي ضحايا الانفجار، الذين هاجموا وزير الاقتصاد بعنف، واتهموه بـ«تبرئة إسرائيل من الجريمة، وطعن هذه القضية الوطنية في الصميم».
ودعا وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة، المحقق العدلي، في كتاب وجهه إليه عبر وزيرة العدل ماري كلود نجم، إلى إصدار تقرير رسمي يُخرج الأعمال الحربية والإرهابية من دائرة الأسباب التي أدت إلى وقوع انفجار 4 أغسطس (آب) 2020. وعزا هذا الطلب لـ«التمكن من إصدار التوجيهات والإرشادات المناسبة لهيئات الضمان اللبنانية، ومخاطبة هيئات إعادة الضمان الدولية، لتسديد التزاماتها المالية حفاظاً على حقوق المواطنين المؤمنين».
ورغم الضجة بعد اعتراف وزير الاقتصاد بهذا الأمر، أوضح المحقق العدلي القاضي بيطار لـ«الشرق الأوسط»، أنه لم يتسلم رسمياً حتى الآن أي كتاب من وزير الاقتصاد، ولفت إلى أن «أي مراسلة يجب أن ترده عبر وزارة العدل وهذا الأمر لم يحصل». واكتفى القاضي بيطار بالقول «عندما نتلقى كتاباً رسمياً بهذا الخصوص نتخذ القرار المناسب بشأنه».
من جهته، اعتبر مصدر قضائي أن «مثل هذا الكتاب يعبر عن منحى خطير، ويعرض صاحبه للمساءلة». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «طلب إخراج فرضية العمل العسكري أو الأمني من الملف، هو محاولة لنسف أسس التحقيق، الذي لا يزال يعطي هذه الفرضية موقعاً متقدماً»، مشدداً على أن «مثل هذه المذكرة لا يمكن قبولها أو ضمها إلى أوراق الملف على الإطلاق».
وينتظر المحقق العدلي تقرير الخبراء الفرنسيين، الذين أجروا على مدى ثلاثة أسابيع كشفاً ميدانياً للمرفأ، وعاينوا الأضرار ورفعوا العينات، على أن يحدد هذا التقرير طبيعة الانفجار، وما إذا كان نتيجة استهداف خارجي (صاروخ)، أو بفعل عمل أمني ارتكب بفعل فاعل، أو جراء خطأ بشري وإهمال غير مقصود.
وانتقدت «لجنة ضحايا انفجار مرفأ بيروت» موقف وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، وقالت في بيان، «فاجأنا (راوول) نعمة بتنصيب نفسه قاضياً عدلياً، مصدراً حكماً مسبقاً بتبرئة العدو الصهيوني والإرهاب من جريمة تفجير مرفأ بيروت، التي قتلت فلذات أكبادنا وجرحت الآلاف ودمرت مدينتنا بيروت، تحت حجة واهية، لاعباً دور الحريص على حقوق المتضررين، ضارباً بعرض الحائط مشاعرنا بصفتنا عوائل شهداء ننتظر الحقيقة بفارغ الصبر والألم والدموع». وشددت اللجنة على أن «ما قام به هذا الوزير، لا يعتبر تدخلاً سافراً غير مقبول بنتائج التحقيق فحسب، بل وطعنة غادرة في خاصرة قضيتنا الوطنية والإنسانية، وهو أمر لا يمكن السكوت عليه».
من جهته، اعتبر وليم نون، شقيق جو نون العنصر في فوج إطفاء بيروت الذي قضى في الانفجار، أن «كلام وزير الاقتصاد يعبر عن توجه لدى فريق سياسي لحصر انفجار المرفأ بالإهمال». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن أهالي الضحايا «سيصعدون تحركاتهم الأسبوع المقبل»، داعياً إلى «محاسبة وزير الاقتصاد ووضع حد لكل محاولات التدخل في عمل المحقق العدلي ومحاولة التأثير على قناعاته»، مذكراً بمضمون بيان أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله، الذي أطلقه قبل شهرين عندما دعا القضاء إلى إعلان نتائج التحقيق ودفع التعويضات للمتضررين من أجل تحريك الدورة الاقتصادية. وقال نون، «لا نريد تعويضاتهم ولا أموالهم، نريد الحقيقة ومعرفة من فجر المرفأ، وقتل أخوتنا وأهلنا ودمر العاصمة».
وعلى أثر الضجة التي أثارها كتاب وزير الاقتصاد، أبدى الوزير استعداده لـ«سحب الكتاب وإعادة صياغته، طالما تم سوء تفسيره بما لا يتماشى مع الهدف المنشود منه». وقال نعمة في تغريدة له عبر «تويتر»، إن الكتاب «لا يهدف إلى التدخل بعمل القضاء، ولجنة مراقبة هيئات الضمان تبدي استعدادها الكامل لسحب الكتاب وإعادة صياغته».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.