«المرتزقة» ... ورقة «مساومة أخيرة» للأطراف الدولية في ليبيا

عناصر من القوات الخاصة خلال تدريب عسكري أشرف عليه ضباط أتراك في مدينة الخمس الخميس الماضي (أ.ف.ب)
عناصر من القوات الخاصة خلال تدريب عسكري أشرف عليه ضباط أتراك في مدينة الخمس الخميس الماضي (أ.ف.ب)
TT

«المرتزقة» ... ورقة «مساومة أخيرة» للأطراف الدولية في ليبيا

عناصر من القوات الخاصة خلال تدريب عسكري أشرف عليه ضباط أتراك في مدينة الخمس الخميس الماضي (أ.ف.ب)
عناصر من القوات الخاصة خلال تدريب عسكري أشرف عليه ضباط أتراك في مدينة الخمس الخميس الماضي (أ.ف.ب)

رغم تجميد العمليات العسكرية بين «معسكري شرق وغرب» ليبيا، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، الموقع بجنيف في الـ23 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن بعض الأطراف الدولية التي دعمت الحرب، لا تزال تدعم وجود مقاتلين تابعين لها في محاور الاقتتال، بل تدفع بغيرهم. ويظل «مسرح العمليات» العسكرية، المنصوب قرب مدينة سرت (وسط)، ساحة مفتوحة لقوات موالية لتركيا، وأخرى محسوبة على روسيا، وشاهداً على تأرجح المواقف الدولية، وإصرار بعضها على عدم الخروج خالية الوفاض من معركة العاصمة، التي سبق أن وصفها عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، بـ«الخاطئة».
فتركيا التي تتقدم خطوة وتتأخر خطوات عن مسار دعم وقف إطلاق النار، لديها حسابات خاصة، يراها بعض السياسيين الليبيين أنها «لم تأت إلى البلاد كي تغادرها سريعاً»، مبرهنين على رؤيتهم بحديث سابق لوزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الذي تمحور حول «البقاء طويلاً هناك»، بجانب إصرار بلاده على الدفع بأفواج جديدة من «المرتزقة».
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، مساء أول من أمس، إن الحكومة التركية أرسلت دفعة جديدة من «المرتزقة» إلى ليبيا خلال الأيام الماضية، قوامها 380 عنصراً، مشيراً إلى أنه «تم استقدام هذه المجموعة إلى تركيا، ومنها جرى إرسالهم إلى ليبيا، في ظل استياء متصاعد في أوساط (المرتزقة) من بقائهم هناك، وعدم عودتهم بسبب تردي الأوضاع هناك».
ويشير سياسيون ليبيون إلى أن عملية سحب أفواج «المرتزقة»، سواء أكانوا الموالين لتركيا، أو المحسوبين على روسيا مثل عناصر شركة (فاغنر)، بالإضافة إلى الجنجويد والتشاديين، تمر عبر «مساومات عديدة» من هذه الأطراف، كورقة أخيرة لتحقيق مكاسب، وأنه لن يتم إخراجهم إلا بإجراء الانتخابات العامة، المقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
لذا يؤكد البعض أن هواجس الشك والريبة بعودة الحرب ثانية لم تغادر طرفي النزاع، ويرى في بقاء المقاتلين الأجانب على التراب الليبي «دليلا على هذه المخاوف»؛ فضلاً عن أن «الأطراف المنغمسة في العملية العسكرية، منذ اندلاعها في الرابع من أبريل (نيسان) عام 2019 بُوغتوا باتفاق وقف إطلاق النار قبل أن تسوى لهم الأرض، ويشاركوا في رسم خريطة البلاد، على نحو يعوضهم ما أنفقوه».
ونوه المرصد السوري إلى أن «الأيام تمضي ولا تزال عملية عودة (المرتزقة) السوريين، الموالين لتركيا من ليبيا، متوقفة إلى الآن، وحتى الدفعة التي غادرت ليبيا في 25 مارس (آذار) الماضي لم تعد إلى سوريا حتى اللحظة».
وبينما دعا ثمانية من أعضاء الكونغرس الأميركي إدارة الرئيس، جو بايدن، نهاية الأسبوع الماضي إلى ممارسة كل النفوذ اللازم لإقناع، أو إجبار «المرتزقة» الأجانب على مغادرة الأراضي الليبية، فما تزال تركيا تواصل الدفع بمزيد من العناصر، فيما ينفي الجانب الروسي على طول الخط وجود عناصر تابعين له، يقاتلون في صفوف «الجيش الوطني» الليبي، كما أن النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قال إنه «في حال وجود أي سوداني في ليبيا، دون إذن من السلطات الليبية، فإنه يعد مرتزقاً».
وبالتالي من المتوقع أن تبقى القوات المحتشدة على محاور الاقتتال في سرت على حالها، وسط مناكفات سياسية من «خصوم الحرب»، وفي ظل مطالبات أممية ودولية وإقليمية بسرعة إخراج «المرتزقة»، والمقاتلين الأجانب من البلاد.
وفيما قالت عملية «بركان الغضب» في طرابلس، إنه تم خلال الساعات الأخيرة رصد 48 تحليق طيران حربي لـ«مرتزقة» فاغنر في تمنهنت وسرت، ورأت في ذلك تعارضاً ونقضاً لاتفاق «5+5»، طالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» بالعمل على الإسراع في استكمال باقي بنود اتفاق وقف إطلاق النار، وفي مقدمتها الإسراع بإخراج جميع «المرتزقة» الأجانب، والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية دون استثناء، ووقف العمل باتفاقيات التعاون العسكري والأمني، الموقعة خلال فترة النزاع المسلح.
كما دعت «اللجنة» مجلس الأمن وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتسريع وتيرة عمل بعثة المراقبين الدوليين، المكلفة الإشراف على وقف إطلاق النار، لتشمل الإشراف على عمليات إخراج «المرتزقة» الأجانب، والقوات الأجنبية على الأراضي الليبية، ودعم جهود اللجنة العسكرية في هذا الشأن.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.