لبنان مهدَّد بانقطاع تواصله المالي مع الخارج

التأزم السياسي يرفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء

TT

لبنان مهدَّد بانقطاع تواصله المالي مع الخارج

فرضت العثرات السياسية مجدداً إيقاعها على المبادلات النقدية في لبنان، وباتت التطبيقات على الهواتف الذكية مرجعية تسعير الدولار في ظل انكفاء شبه تام للسلطة النقدية، وفي ظل التأزم الذي أدى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 13 ألف ليرة، فيما يترقب المتعاملون الخطوات التنفيذية لتفعيل المنصة الإلكترونية الجديدة التي سيديرها البنك المركزي، بمشاركة المصارف وشركات الصرافة المرخصة.
واستمدت المضاربات على سعر صرف العملة الوطنية زخماً كبيراً من مجموعة تطورات مستجدة، داخلية وخارجية، رفعت درجة المخاطر في اتجاهات متعددة، بما يشمل الشأنين النقدي والمصرفي. وبدا التأثير واضحاً في رجحان كفة الطلب على الدولار، عقب هدوء نسبي لتداوله تحت عتبة 12 ليرة. بينما لم تتبلغ المصارف حتى الساعة أي موعد لانطلاق المنصة الموعودة والتي يعوّل عليها لتسعير الدولار بنحو 10 آلاف ليرة لعمليات التجارة الخارجية والاستيراد.
وأكد مسؤول مصرفي متابع لـ«الشرق الأوسط»، أن «أجواء متوترة للغاية تخيّم على الأسواق المالية، بفعل انسداد أفق الحلول السياسية المتصلة بالملف الحكومي وتظهير الخلافات بشأن التدقيق الجنائي إلى حد التلويح بإجراءات من رئاسة الجمهورية تطال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فضلاً عن اضطرار المصارف، بخلاف سلوكياتها التقليدية، إلى دخول ميدان السجالات والجهر بتحميل السلطة السياسية مسؤولية التدهور المريع الذي بلغته الأوضاع المالية والنقدية للبلاد».
لكن الأخطر، وفقاً للمصرفي، يكمن في «تضييق خطوط التواصل المالي بين لبنان والخارج والإنذار بإمكانية انقطاعها تماماً أو إخضاعها لمزيد من الشروط والتعقيدات المكلِّفة مادياً وزمنياً لتحصيل الموافقات على فتح الاعتمادات المستندية وخطوط الائتمان، مما سيُنتج شكوكاً غير مرغوبة على شبكة التبادلات التجارية بين لبنان والخارج، وربما يدفع المصدّرين باتجاه لبنان إلى الحذر وطلب ضمانات إضافية، وهو ما سيضغط سلباً على انسياب عمليات الاستيراد المدعوم عبر البنك المركزي وغير المدعوم عبر الجهاز المصرفي».
وأكد أن «الإرباكات التي تواجه المصارف اللبنانية في إدارة مَحافظها وعملياتها من خلال البنوك المراسلة، والتي بدأت معطياتها تتوالى حتى قبل تدهور الأوضاع المحلية، تحولت إلى معاناة حقيقية عقب الانهيارات المالية والنقدية، ثم زادت البنوك الخارجية، وبالأخص الرئيسية منها في الأسواق الأميركية والأوروبية، من حجم تحفظاتها واشتراطها التغطية النقدية بنسبة 100% والمسبقة في التعامل مع المؤسسات المالية والمصرفية المحلية». وأشار إلى أن «كثيراً من هذه البنوك أوقفت التعاملات من جهة واحدة بذريعة محدودية المردود في سوق متخمة بالمخاطر».
ومع إخضاع المعاملات الصادرة عن البنك المركزي، وبتدابير غير مسبوقة، من قبول بنوك مراسلة إلى الحظر التام أو إلى الحذر والتحفظ، بات من المتعذر تلافي المشكلات التي يمكن أن تنشأ من تضييق المعاملات المالية الخارجية، لا سيما أن هذه الإجراءات تصيب، بشكل غير مباشر، الجهاز المصرفي من خلال حرمانه أيضاً من تنفيذ بعض العمليات عبر قنوات السلطة النقدية المحلية.
وكشفت المذكرة المسرّبة التي أرسلها حاكم مصرف لبنان قبل أيام إلى مدعي عام التمييز غسان عويدات، جانباً من المخاطر المرتقبة عقب إقدام بنوك مراسلة على إقفال حسابات لديها تعود للبنك المركزي، حيث أكد أنها «ستضع لبنان في وضع تصعب معه التحويلات الخارجية وشراء السلع الأساسية ‏ودعمها، كما الاستحصال على عملات نقدية أجنبية لتسيير المرافق الاقتصادية المُختلفة». مع التنويه إلى أن الخطوة لم تقتصر على سوق واحدة أو عملة محددة بدليل أن الإقفال توالى أخيراً من بنك «ويلز فارغو» الأميركي بالدولار، وبنك «إتش إس بي سي» البريطاني بالجنيه الإسترليني، وبنك «دانسكي» الدنماركي بالكورون السويدي (الوحيد المراسل بهذه العملة)، وبنك «سي آي بي سي» الكندي الذي أعاد ودائع مصرف لبنان الموظَّفة لديه وأوقف كل التعاملات معه‎.
ورغم تبلغ المرجعيات الرئاسية بالوقائع الواردة وخطورتها، فإنه لم يتم رصد أي استجابة أو تحركات وقائية لاحتواء انعكاساتها، علماً بأن المذكرة نبّهت إلى أن «مصرف لبنان أصبح في وضع صعب. فلدينا مصرف واحد هو (جي بي ‏مورغان) الأميركي ‎يقبل بتعزيز الاعتمادات المستندية التي نصدرها لاستيراد المحروقات وغيرها ‏لمصلحة شركة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة وبعض إدارات القطاع العام، وذلك مقابل مبالغ تودَع لديه بقيمة لا ‏تقلّ عن مجموع مبالغ الاعتمادات المُستندية، وهو يرفض حتى تاريخه تعزيز اعتماد مستندي لمصلحة شركة ‏‏(كومبي ليفت) الألمانية لرفع مستوعبات من مرفأ بيروت تحتوي على مواد خطرة».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).