رفيف الظل: أيها الموتى.. هاتوا جزيتَكم

رفيف الظل: أيها الموتى.. هاتوا جزيتَكم
TT

رفيف الظل: أيها الموتى.. هاتوا جزيتَكم

رفيف الظل: أيها الموتى.. هاتوا جزيتَكم

أيها المستهامُ بأحفاده، هيءْ زنادك، فالحب زادُك. ويا أيها الزنادُ، فلترفقْ بنا طلقتُك. يا جارَ الجدار، ممدودًا من ثقب الحرام، تسندون مليحتكم ظهرَ الباب
وتصقلونها باحتضانة الجحيم، كأن القبلَ أوسمةُ الوقت وهو يأخذ العواصم. المأخوذونَ فحسب يفعلون هذا. ينحني أولهم لكل حفرة.
النص من القلب إلى السماء، فلا تهزه..
قل له أيها العادلُ كيف سهرتنا كانت مثلومةً بغيابه. كيف أنها كانت مفدوحةً به. كان يطعننا بالغياب. نتذكّره مثل مفقودٍ في قلوبنا، فنغفر له، على أن يُعدَّ سهرةَ صحراءِ البرد بدفءٍ من عنده. طبْ به إن مال، أو سيّج النصيحة بكتمانها علنًا بين جمع. هو سيّدُ مصيره حين تغرق المسافاتُ في شبر، وهو مطيّة السارح؛ ليله أرجوحة، ونردُ يديه فأل حميم. خذِ اللبَّ من الحب، وتذكَّر أن نداءَ عينيه يغطيك لثمًا وإثمًا. هذا الذي يهطلُ من أغصانه الضوءَ ويموج في جذوره اللؤلؤ.
هو أنا حين أغرق في لذة رفيفكما، فكيف سأنجو أمامكما؟ هكذا فكرتُ حين غبتُ عنكما، وهكذا سأتلقّى مُلْهَمًا عقابكما.
سرج العتاب ممزق، ولا نجاة في الصحراء لمن دخلوها حفاة. أيها البري لا تشرب البحر كله، ولك في الرياض أكتافُ أحبةٍ هم الأسوار، ولك في البرين بحران. افرش سجادة الضمير ودس عليها زحفًا لمن تحب. العدالة أن تقسم السعد بين العاصين.
لا للانطفاء بين قلب الحب ومسكن الحكمة.
يترجل العدل عن جواده، تاركًا وراءه كلّ راياته. قد يتحتم علينا كسر رخام المنطق
وأن نبدأ.
* المشهد الأول: تخرج الجرذانُ من جحور القمع ويلبسُ الدجّال قلنسوةَ الفصحى، فيتبعه المغدورون إلى مستنقع الفضيحة، وبهم يؤسس جيشَ الشرِّ وتشتعل الشرارة الأولى.
* المشهد الثاني: المغدورون يجربون نسيان جراحهم ويموتون قليلاً، غير أن شرارتهم تضئ الوقتَ بتفاصيل القمع.
* المشهد الثالث: الدجالُ يخلع قلنسوتَه، يصعدُ منبر الهجاء بثقل الجثةِ الباردة. يصعده درجةً درجةً. وحين يعتلي رمادَ الغيم، يصيح بالموتى:
- هاتوا جزيتكم.
فتلوّحُ الجرذانُ بتحية الظلامِ له، وبرائحةِ الفضيحة. وفي فسحةٍ من الموت الأول، يتناولُ مغدورٌ جرحَهُ، ويلقي به باتجاه المنبر.
* ليل خارجي: أذرع مضمومةٌ في صدور عارية. شُعلٌ تندلع مثل شموس مغدورة. ونشيدٌ مكتوم يصعد من آبار القلوب.



«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد
TT

«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد

صدرت حديثاً عن «منشورات تكوين» في الكويت متوالية قصصية بعنوان «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد. وتأتي هذه المتوالية بعد عدد من الروايات والمجموعات القصصية، منها: «نميمة مالحة» (قصص)، و«ليس بالضبط كما أريد» (قصص)، و«الأشياء ليست في أماكنها» (رواية)، و«الإشارة برتقاليّة الآن» (قصص)، «التي تعدّ السلالم» (رواية)، «سندريلات في مسقط» (رواية)، «أسامينا» (رواية)، و«لا يُذكَرون في مَجاز» (رواية).

في أجواء المجموعة نقرأ:

لم يكن ثمّة ما يُبهجُ قلبي أكثر من الذهاب إلى المصنع المهجور الذي يتوسطُ حلّتنا. هنالك حيث يمكن للخِرق البالية أن تكون حشوة للدُّمى، ولقطع القماش التي خلّفها الخياط «أريان» أن تكون فساتين، وللفتية المُتسخين بالطين أن يكونوا أمراء.

في المصنع المهجور، ينعدمُ إحساسنا بالزمن تماماً، نذوب، إلا أنّ وصول أسرابٍ من عصافير الدوري بشكلٍ متواترٍ لشجر الغاف المحيط بنا، كان علامة جديرة بالانتباه، إذ سرعان ما يعقبُ عودتها صوتُ جدي وهو يرفع آذان المغرب. تلك العصافير الضئيلة، التي يختلطُ لونها بين البني والأبيض والرمادي، تملأ السماء بشقشقاتها الجنائزية، فتعلنُ انتهاء اليوم من دون مفاوضة، أو مساومة، هكذا تتمكن تلك الأجنحة بالغة الرهافة من جلب الظُلمة البائسة دافعة الشمس إلى أفولٍ حزين.

في أيامٍ كثيرة لم أعد أحصيها، تحتدُّ أمّي ويعلو صوتها الغاضب عندما أتأخر: «الغروبُ علامة كافية للعودة إلى البيت»، فأحبسُ نشيجي تحت بطانيتي البنية وأفكر: «ينبغي قتل كلّ عصافير الدوري بدمٍ بارد».

وهدى حمد كاتبة وروائيّة عُمانيّة، وتعمل حالياً رئيسة تحرير مجلة «نزوى» الثقافية.