«شبح الحرب» يلقي بظلاله على نزاع السد الإثيوبي

السيسي يشدد على أن «جميع الخيارات مطروحة»... وتباين بشأن إمكانية لجوء مصر للحل العسكري

السيسي خلال الاجتماع الذي أدلى فيه بتصريحاته حول السد أمس (الرئاسة المصرية)
السيسي خلال الاجتماع الذي أدلى فيه بتصريحاته حول السد أمس (الرئاسة المصرية)
TT

«شبح الحرب» يلقي بظلاله على نزاع السد الإثيوبي

السيسي خلال الاجتماع الذي أدلى فيه بتصريحاته حول السد أمس (الرئاسة المصرية)
السيسي خلال الاجتماع الذي أدلى فيه بتصريحاته حول السد أمس (الرئاسة المصرية)

أثارت تحذيرات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من المساس بحصة مصر من مياه النيل باعتبارها «خطا أحمر»، وحديثه عن أن «جميع الخيارات مطروحة» في التعامل مع أزمة «سد النهضة» الإثيوبي، تساؤلات حول احتمالية اقتراب الخيار العسكري لإنهاء الأزمة، بعد فشل مفاوضات كينشاسا الأخيرة برعاية الاتحاد الأفريقي.
وتباينت آراء دبلوماسيين وخبراء مياه مصريين بشأن إمكانية اللجوء إلى الحل العسكري. وفيما استبعد الدبلوماسيون الحل العسكري «مؤقتاً» لإفساح الطريق للمجتمع الدولي «لإيجاد اتفاق متوازن يحد من خطورة الوضع المتأزم»، رجح خبراء مياه أن «شبح الحرب يقترب بشدة».
وتعهدت القاهرة، أمس، «اتخاذ كافة الإجراءات لحماية أمنها المائي» بعد ساعات من إعلان فشل جولة المحادثات الأخيرة التي استضافتها جمهورية الكونغو.
وتتفاوض مصر والسودان مع إثيوبيا، منذ نحو 10 سنوات، من دون نتيجة، بهدف عقد اتفاق قانوني ملزم ينظم عمليتي الملء والتشغيل للسد الذي تبنيه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، لتوليد الطاقة الكهربائية. وتخشى مصر والسودان من تأثيرات السد على أمنهما المائي.
وقال السيسي أمس: «أقول للأشقاء في إثيوبيا: يجب ألا نصل إلى مرحلة المس بالأمن المائي لمصر، لأن جميع الخيارات مطروحة، والتعاون بين الجانبين أفضل». وأضاف «ننسق مع الأشقاء في السودان وسنعلن للعالم عدالة قضيتنا في إطار القانون الدولي».
وكانت مصر قد لوحت في نهاية مارس (آذار) الماضي باستخدام القوة في نزاعها من إثيوبيا. وأكد السيسي في لهجة حادة حينها أنه «لا أحد يستطيع أن يقدم على هذه الخطوة (أي المساس بحصة مصر المائية)، ومن يريد أن يفعل؛ فليرنا ماذا يمكنه أن يفعل، وهذا ليس تهديداً لأحد وإنما تأكيد على حقنا في المياه».
غير أن وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي قال إن «هناك جهوداً دبلوماسية مشتركة لمصر والسودان خلال الفترة المقبلة، والمجتمع الدولي عليه أن يدرك خطورة الوضع إذا أصرت إثيوبيا على موقفها غير المفهوم».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أننا نستعمل كلمة الحرب في أزمة السد»، قبل أن يلفت إلى أن «رد فعل المجتمع الدولي بشأن الأزمة فيه عدم إحساس بالخطورة، ويبدو أنه لا بد من أن تكون هناك أخبار قادمة من المنطقة تفيد بأن هناك تصعيداً، حتى في قوة الردع المصرية - السودانية خلال الفترة المقبلة. ويبدو أن هذا الأمر سيحرك العالم للتعامل بحدة مع إثيوبيا».
واعتبر العرابي أن «هناك قدراً من التساهل الكبير من المجتمع الدولي تجاه إثيوبيا، وظهر هذا جلياً في مذابح تيغراي... حان الوقت لوقف ذلك بكثير من الضغوط السياسية على إثيوبيا».
أما عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن فيرى أنه «لا يزال أمامنا وقت قبل أي عمل عسكري محتمل»، لافتاً إلى أن «تداعيات أي عمل عسكري صعبة، وتؤدي لعدم استقرار المنطقة».
غير أنه أكد أن «خيار الحرب وارد في نهاية الأمر»، موضحاً أن «المفاوضات ما زالت مستمرة تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، لأن الاتحاد الأفريقي لم ير بعد أن يعيد المفاوضات إلى الأمم المتحدة، وإثيوبيا تريد أن تُكمل المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، وذلك لتخفيف الضغوط الأميركية عليها من جهة، وإثبات نظريتها أنها لن تلحق أضراراً بمصر والسودان من جهة أخرى».
وأكد حسن لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا بد من أن تكون هناك حلحلة للموقف قبل نهاية يونيو (حزيران) المقبل، لتفادي أي إجراء عسكري، خصوصاً أن مصر لم تطلب إلا ضمانات حتى لا يؤثر السد على مصدر الحياة بها، وهي بدأت بالفعل تعاني من نقص المياه، وبدأت في ترشيد الاستهلاك، وإثيوبيا تصر على موقفها الثابت، بسبب مواقف سياسية داخلية».
ورأى أنه «في نهاية المسار، سيكون هناك حل عسكري». لكنه على حد وصفه «سيكون ضربة نظيفة، ووقتها قد تعيد إثيوبيا بناء السد، وقد تحصل على تعاطف من دول أفريقية»، ما يعني أن «كل حل في الأزمة له مأزقه». وحول خطوات مصر والسودان المقبلة، قال: «ستحاول كل من مصر والسودان شرح الموقف للمجتمع الدولي، للتوقيع على اتفاق يضمن حقوقهما».
في المقابل، ذكر أستاذ الأراضي والمياه في جامعة القاهرة المتخصص في منابع النيل الدكتور نادر نور الدين أن «شبح الحرب يقترب بشدة، وإثيوبيا تجر مصر إلى الحرب دون إرادتها»، موضحاً أن «إثيوبيا اعترضت بشدة خلال اجتماع كينشاسا على تشكيل رباعية دولية، كما رفضت كل ما اقترحته مصر».
ولفت إلى أن «الموقف بات صعباً لأجندة المباحثات القادمة، خاصة فيما يتعلق بأشهر الملء، فإثيوبيا تريد تخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه في يوليو (تموز) المقبل، بالإضافة إلى 5 مليارات من العام الماضي، وجميعها تمثل 28 في المائة من مياه النيل الأزرق»، موضحاً أن «التصريحات الإثيوبية بتوليد الكهرباء في أغسطس (آب) المقبل، تعني تنفيذ المرحلة الثانية من ملء خزان السد خلال يوليو المقبل، ومصر اقترحت أن يكون الملء في أغسطس أو سبتمبر (أيلول)، ولو نفذت إثيوبيا ما أعلنته، ستعاني مصر والسودان، حتى تحصل إثيوبيا على الـ13.5 مليار متر مكعب».
وخلص نور الدين إلى أن «التعنت الإثيوبي يجرنا للحرب»، لافتاً إلى «تداول بعض الأقاويل عن أن إثيوبيا تحاول أن تدفع مصر لضرب السد، لأن هناك عيوباً كبيرة به تهدد وجوده... حتى الآن صور الأقمار الصناعية تسجل أن السد لن يستطيع أن يُكمل تخزين الـ13 مليار متر مكعب».
وأشار إلى أن «مصر ستراقب حتى يونيو التقدم في بناء السد، وهل سيسمح بتخزين هذا الكم من المياه؟». وأضاف أن «الخطوة المقبلة هي تقديم طلب مشترك من مصر والسودان لمجلس الأمن، لعقد اجتماع عاجل، وقيام مجلس الأمن بإرسال لجنة خبراء لتقييم الأضرار». لكنه عاد ليؤكد أنه «لو كان هناك تحرك عسكري، فسيكون قبل يوليو المقبل. هذا إذا اكتمل الحائط الأوسط للسد».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».