إردوغان: المعارضة وراء «بيان الأدميرالات»... و«قناة إسطنبول» ستنفذ رغماً عنهم

السجن المؤبد لعسكريين بتهمة التورط في الانقلاب الفاشل... ومصادرة ممتلكات المئات

قوة تابعة للجيش التركي خارج مبنى المحكمة في إسطنبول (أ.ب)
قوة تابعة للجيش التركي خارج مبنى المحكمة في إسطنبول (أ.ب)
TT

إردوغان: المعارضة وراء «بيان الأدميرالات»... و«قناة إسطنبول» ستنفذ رغماً عنهم

قوة تابعة للجيش التركي خارج مبنى المحكمة في إسطنبول (أ.ب)
قوة تابعة للجيش التركي خارج مبنى المحكمة في إسطنبول (أ.ب)

اتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان المعارضة بالوقوف وراء البيان الصادر عن 103 من أدميرالات القوات البحرية المتقاعدين، الذي تضمن تحذيراً من المساس باتفاقية «مونترو» الموقعة عام 1936، التي تنظم الحركة في المضايق التركية، في ظل الاستعداد لتنفيذ مشروع «قناة إسطنبول» للربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة... وتعهّد بإتمام مشروع القناة «شاء مَن شاء وأبى من أبى»، معتبراً أن البيان هو تمهيد لانقلاب على حكومته، وأن المعارضة في قلب هذا البيان.
في الوقت ذاته، أصدرت محكمة الجنايات في أنقرة حكماً بالسجن مدى الحياة بحق 22 من العسكريين المتقاعدين، من بين 497 عسكرياً، غالبيتهم من الحرس الرئاسي، بتهمة الاشتراك في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو (تموز) 2016 ونسبتها السلطات إلى حركة «الخدمة» التي يتزعمها الداعية التركية المقيم في أميركا فتح الله غولن، الحليف الوثيق السابق لإردوغان. كما أعلنت السلطات مصادرة أموال 377 شخصاً، لاتهامهم بالارتباط بمنظمات إرهابية، بينهم 205 من حركة غولن. وهاجم إردوغان، بشدة، زعيم المعارضة التركية رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، متهماً إياه بأنه من أصدر الأوامر للأدميرالات المتقاعدين بإصدار بيان، ليل السبت الماضي، للتحذير من المساس باتفاقية مونترو، والاعتراض على مشروع قناة إسطنبول، ودعوة الجيش للتدخل لحماية الدستور. وقال إردوغان، في كلمة أمام نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم بالبرلمان التركي، أمس (الأربعاء): «اسمحوا لي بأن أقول هذا بوضوح شديد... حزب الشعب الجمهوري نفسه في قلب هذا البيان»، متهماً الحزب بـ«محاولة زرع الفوضى من خلال كسر أمل الشعب التركي، خصوصاً الشباب، بالسعي لتبرير البيان الذي حمل (رائحة الانقلاب)، بأنه محاولة من الحكومة لخلق (أجندة مصطنعة) تهدف إلى صرف الانتباه عن الأزمة الاقتصادية بالبلاد».
وأوقف القضاء، الاثنين، 10 أدميرالات متقاعدين، ونبّه على 4 آخرين بالتوجه إلى مديرية أمن أنقرة خلال 3 أيام، بسبب كبر سنهم، بعدما وقع 103 أدميرالات رسالة مفتوحة، نُشِرت ليل السبت - الأحد، تنتقد مشروع «قناة إسطنبول»، قال عنها إردوغان إنها مقدمة لانقلاب، مشيراً إلى أن جميع الهجمات على الديمقراطية في تركيا بدأت بتحذيرات مماثلة، ووصفها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو وأعضاء الحكومة وقيادات الحزب الحاكم بأنها أسلوب يستحضر انقلاباً. وقال إردوغان لنواب حزبه أمس: «ننظر إلى هذه العقلية الخبيثة التي ترى قوتها في كارثة على الدولة والشعب، على أنها خطيرة مثل الإرهابيين والمتآمرين للانقلاب... يتلقى هؤلاء الأدميرالات تعليمات من قائدهم العام (كليتشدار أوغلو) الذي يحاول توجيه بلادنا إلى مناخ من الفوضى بدلاً من الثقة والاستقرار». وقال إردوغان إن الحكومة ستجري قريباً مناقصة لقناة إسطنبول، وستضع حجر الأساس للمشروع في الصيف المقبل، مضيفاً: «استعدادات القناة في مراحلها الأخيرة... سواء شئتم أم أبيتم، نحن بدأنا مشروع (قناة إسطنبول)، وسنضعها في خدمة أمتنا».
في الوقت ذاته، أصدرت محكمة الجنايات في أنقرة، أمس، أحكاماً مشددة بالسجن مدى الحياة في حق 22 عسكرياً سابقاً، على خلفية إدانتهم بالمشاركة في محاولة الانقلاب عام 2016.
وتضمنت قرارات المحكمة الحكم بالسجن المؤبد المشدد على أوميت جينجر، المقدم السابق الذي أجبر مذيعة في تليفون «تي آر تي» الرسمي على قراءة بيان الانقلاب العسكري ليلة 15 يوليو 2016، بتهمة «انتهاك النظام الدستوري». كما حكم على العقيد السابق محمد تانجو بوسهور، الذي أصدر الأمر بالسيطرة على مبنى التلفزيون الرسمي، بالسجن المؤبد المشدد مرتين. وحكم على الرائد السابق فداكار أكتشا، الذي قاد فريقاً انتقل من فوج الحرس الرئاسي إلى مقر الأركان العامة، بالسجن المؤبد المشدد، وعلى عثمان كولتارلا، الرائد السابق المسؤول عن أمن القصر الرئاسي، بالسجن مدى الحياة. وشملت المحاكمة مجموعة من 497 متهماً، خدم غالبيتهم في الحرس الرئاسي التركي.
بالتزامن، اعتقلت قوات مكافحة الإرهاب التركية 16 عسكرياً، بعضهم لا يزال بالخدمة، في صفوف الجيش، بدعوى إجراء اتصالات مع أعضاء في حركة غولن من هواتف عمومية أو هواتف في مقاصف بالوحدات العسكرية، بموجب أمر اعتقال صدر من النيابة العامة في ولاية بالكسير، غرب البلاد. وشمل قرار الاعتقال ضابط صف بالخدمة، وعسكريين مفصولين، و13 طالباً بمدرسة عسكرية أغلقتها السلطات عقب محاولة الانقلاب. ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة، احتجزت السلطات أكثر من 80 ألفاً لمحاكمتهم، وعزلت أو أوقفت عن العمل أكثر من 180 ألفاً من العاملين بمختلف مؤسسات الدولة، وطردت أكثر من 20 ألفاً من الجيش، في حملة لا تزال مستمرة حتى اليوم، وتواجه بانتقادات شديدة من حلفاء تركيا الغربيين والمنظمات الحقوقية الدولية والمعارضة التركية.
في غضون ذلك، قالت وزارة الخزانة والمالية التركية، في بيان، أمس، إنه تمت مصادرة ممتلكات 377 شخصاً بتهمة الانتماء لعدد من «التنظيمات الإرهابية»، بينهم 205 من أعضاء حركة غولن، منهم رجل البارز حمدي أكين إيبك، وأكرم دومانلي رئيس تحرير صحيفة «زمان» التي أُغلقت قبل محاولة الانقلاب، وهدايت كاراجا مدير تلفزيون «سمان يولو» المعتقل منذ عام 2014. والصحافي عبد الله أيماز، والقياديان في الحركة جمال أوشاك، ومصطفى أوزجان.
كما تمت مصادرة ممتلكات 77 شخصاً من أعضاء حزب العمال الكردستاني المصنف كـ«تنظيم إرهابي» من جانب أنقرة، و9 أشخاص من المنتمين إلى حزب «جبهة التحرر الشعبي الثوري» و86 شخصاً من المنتمين لتنظيم «داعش» الإرهابي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟