الحكومة الليبية لـ«الشرق الأوسط»: سرت خارج السيطرة.. والتدخل العسكري مرفوض

إيطاليا تعلن أنها مستعدة لقيادة تحالف دولي في ليبيا لمواجهة الإرهاب

قوات ليبية تحرس مقر السفارة الإيطالية في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
قوات ليبية تحرس مقر السفارة الإيطالية في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

الحكومة الليبية لـ«الشرق الأوسط»: سرت خارج السيطرة.. والتدخل العسكري مرفوض

قوات ليبية تحرس مقر السفارة الإيطالية في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
قوات ليبية تحرس مقر السفارة الإيطالية في طرابلس أمس (أ.ف.ب)

في وقت أعلنت فيه إيطاليا أنها مستعدة لإرسال آلاف الرجال وأن تتولى سريعا قيادة ائتلاف يضم دولا أوروبية ومن المنطقة للتصدي لتقدم الإرهابيين في ليبيا، أكدت مصادر بالحكومة الليبية لـ«الشرق الأوسط» أن مبدأ التدخل العسكري في ليبيا مرفوض، لكنها أوضحت أن هناك تنسيقا يجري بين الحكومة الشرعية الليبية والحكومة المصرية في إطار مواقف مكافحة الإرهاب.
وبالأمس، أعلن وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني، إن بلاده أغلقت سفارتها في ليبيا مؤقتا بسبب تفاقم الصراع هناك. وأضاف جنتيلوني في بيان، أن «تدهور الوضع في ليبيا جعل إغلاق (السفارة) ضروريا».
وكانت وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي قد أعلنت أن إيطاليا مستعدة لإرسال آلاف الرجال وأن تتولى سريعا قيادة ائتلاف يضم دولا أوروبية ومن المنطقة للتصدي لتقدم المتطرفين في ليبيا. وأكدت في مقابلة مع صحيفة «إل ميساجيرو»، أن «إيطاليا مستعدة لقيادة ائتلاف في ليبيا من دول المنطقة، شمال أفريقيا وأوروبا، لوقف تقدم المتطرفين الذين باتوا على مسافة 350 كلم من سواحلنا».
وقالت بينوتي: «إذا أرسلنا إلى أفغانستان حتى خمسة آلاف جندي ففي بلد يعنينا عن قرب مثل ليبيا، حيث يثير التدهور الأمني قلقا أكبر لإيطاليا يمكن لمساهمتنا أن تكون كبيرة وثابتة». وأوضحت: «نبحث في الأمر منذ أشهر، لكن ذلك بات ملحا»، مؤكدة أن «أي قرار سيتخذ في البرلمان»، وأن وزير الخارجية باولو جنتيلوني «سيقدم الخميس معلومات وتقييمات».
وتابعت بينوتي، أن «الخطر وشيك ولا يمكننا الانتظار أكثر من ذلك. لإيطاليا ضرورات دفاعية وطنية تكمن في عدم وجود (خلافة إسلامية) تحكم في السواحل المقابلة. لكننا نريد التنسيق مع آخرين في إطار نظام من الشرعية الدولية». وقالت: «علينا أن نكون موجودين في ليبيا كما تدخلنا في العراق إلى جانب المقاتلين الأكراد الشجعان» من دون أن نحدد نوع التدخل. وأضافت إن «وصول جهاديين إرهابيين إلى إيطاليا على متن زوارق مطاطية تنقل مهاجرين غير شرعيين أمر محتمل».
لكن مسؤولا بارزا بالحكومة الانتقالية الليبية أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «مبدأ التدخل الخارجي في ليبيا مرفوض تماما». وحول ما إذا كانت القاهرة قد طلبت من حكومته التدخل عسكريا، على خلفية اختطاف مواطنين مصريين هناك، قال إن «الحكومتين لديهما تنسيق كامل في المواقف في محاربة الإرهاب. لكن مبدأ التدخل الخارجي مرفوض».
من جهة ثانية أقر مسؤول مقرب من رئيس الوزراء الليبي عبد الله الثني بأن مدينة سرت باتت فعلا خارج سيطرة الدولة، وقال: «فعلا، هي أقرب لمصراتة، ويسيطر عليها أنصار الشر، الذين لبسوا ثوب داعش أخيرا». وأكد المسؤول الذي اشترط عدم تعريفه في تصريحات خاصة، أنه «لا هيمنة للحكومة الانتقالية على مدينة سرت كما هو الحال في مدينة درنة»، التي تعتبر المعقل الرئيس للجماعات المتطرفة في شرق البلاد. كما أعلن عن تشكيل قوة مشتركة لتأمين مدينة سرت وإرجاع المرافق والمؤسسات إلى شرعية الدولة الليبية، موضحا أنه قرر تشكيل غرفة عمليات لمتابعة الوضع الأمني والعسكري والتنسيق مع القوة المشتركة بعضوية وزارة الداخلية ورئاسة الأركان العامة للجيش الليبي وجهاز المخابرات الليبية والاستخبارات العسكرية.
من جهته، قال نقيب الصيادين في محافظة كفر الشيخ، شمال مصر، إن 21 صيادا مصريا احتجزوا في مدينة مصراتة غربي ليبيا، مشيرا في تصريحات له أمس إلى أنه جرى احتجازهم من جانب ميليشيات فجر ليبيا منذ ثلاثة شهور أشهر، قبل أن تنقطع اتصالاتهم مع ذويهم منذ 4 أيام ولا يعرف عنهم شيئا.
لكن المتحدث الرسمي باسم بلدية مصراتة، أسامة بادي، أبلغ في المقابل وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، أن ما حدث أن السلطات الليبية أوقفت يوم الخميس الماضي بمدينة مصراتة 18 عاملا مصريا وأحالتهم إلى جهاز مباحث الجوازات بسبب مخالفتهم للإجراءات القانونية المتبعة للدولة الليبية حول صحة التأشيرات وإجراءات الإقامة المتبعة للعمال الأجانب الوافدين، مضيفا أنه لم يجرِ اختطاف أي صياد أو عامل مصري بمدينة مصراتة.
من جهته، تعهد بدر عبد العاطي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، بأن القاهرة لن تتوانى عن القيام بكل جهد لحماية أبنائها المختطفين في ليبيا. وأضاف: «سنقوم بكل جهد، على الرغم من الصعوبات والتعقيدات الخطيرة الموجودة على الأرض بما فيها حالة الفوضى الأمنية القائمة، وعدم قدرة الحكومة الليبية على بسط سيطرتها على كل الأراضي واستشراء التنظيمات الإرهابية في مناطق مختلفة داخل ليبيا».
وأكد مجددا على ضرورة التزام المصريين في ليبيا بأقصى درجات الحرص والحذر والابتعاد التام عن مناطق الاشتباكات ومناطق سيطرة الجماعات المتطرفة واللجوء إلى أماكن أكثر أمانا داخل ليبيا أو العودة إلى أرض الوطن، وأن الحكومة تقدم التسهيلات الممكنة لمن يرغب في العودة أخذا في الاعتبار الأوضاع الأمنية المعقدة داخل ليبيا، مشيرا إلى قرار مجلس الوزراء المصري بعدم السفر إلى ليبيا في ظل الظروف الراهنة حفاظا على أرواح المصريين.
من جانبه، أعلن مدير معبر السلوم البري اللواء محمد متولي أن إنهاء إجراءات عودة المصريين من الأراضي الليبية تسير ببطء، وذلك نظرا لعودة الكثير منهم عقب اندلاع اشتباكات مسلحة بين الفصائل الليبية والجيش الوطني.
وأضاف أنه جرى السماح للأسر العالقة بالسلوم ومرسى مطروح بالسفر إلى ليبيا عقب صدور قرار رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب بالسماح للمصريات المتزوجات من ليبيين بدخول الأراضي الليبية واستثنائهن من قرار حظر السفر، مشيرا إلى أنه جرى تسجيل سفر نحو 65 عائلة ليبية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.