مصادر أوروبية: 4 عقبات رئيسية يمكن أن تعيق نجاح مسار فيينا

الأمين العام المساعد لجهاز التحركات الخارجية أنريكه مورا يغادر فندق المباحثات النووية الإيرانية في فيينا أمس (إ.ب.أ)
الأمين العام المساعد لجهاز التحركات الخارجية أنريكه مورا يغادر فندق المباحثات النووية الإيرانية في فيينا أمس (إ.ب.أ)
TT

مصادر أوروبية: 4 عقبات رئيسية يمكن أن تعيق نجاح مسار فيينا

الأمين العام المساعد لجهاز التحركات الخارجية أنريكه مورا يغادر فندق المباحثات النووية الإيرانية في فيينا أمس (إ.ب.أ)
الأمين العام المساعد لجهاز التحركات الخارجية أنريكه مورا يغادر فندق المباحثات النووية الإيرانية في فيينا أمس (إ.ب.أ)

ثمة قناعة في باريس قوامها أن الطرف الأوروبي، ممثلاً بفرنسا وألمانيا وبريطانيا، إضافة إلى ممثل الاتحاد الأوروبي سوف يلعب دوراً حاسماً في المناقشات، التي بدأت في فيينا أمس، في إطار «اللجنة المشتركة»، التي تضم مجموعة خمسة زائد واحد، من جهة، ومع الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى.
وستكون مهمة الأوروبيين، وفق مصادر أوروبية في باريس متابعة لتطورات الملف النووي الإيراني مزدوجة: دفع الطرفين الإيراني والأميركي إلى التخلي عن مطالب الحد الأقصى والقبول بالأفكار «الوسطية» التي من شأنها إخراج المفاوضات غير المباشرة من عنق الزجاجة، علماً بأن كثيرين يعتبرون أنها ستكون «شاقة». لكن في الوقت عينه، برزت قبيل انطلاق المناقشات، مؤشرات تدل على رغبة متبادلة أميركية - إيرانية في «تسهيلها».
بيد أن هذا الاعتدال في التصريحات الذي يتمايز بقوة عن التصريحات المتشنجة السابقة، لا يعني أبداً أن العودة إلى العمل باتفاق 2015 أصبح قاب قوسين أو أدنى. فالمفاوضات يمكن أن تنجح كما يمكن أن تفشل. وبحسب المصادر الأوروبية، ثمة أربعة أسباب رئيسية من شأنها أن تنسفها أو على الأقل تجعلها تتواصل إلى آماد طويلة من غير نذر نجاح.
أول هذه الأسباب إصرار طهران على الرفع الكامل للعقوبات تلك التي أعادت إدارة الرئيس السابق ترمب فرضها أو العقوبات الإضافية التي أقرتها في إطار سياسة «الضغوط القصوى»، وأن يتم ذلك دفعة واحدة. وهذا المطلب يتناقض مع المقترح الأميركي - الأوروبي الذي يدعو إلى اعتماد مبادئ «التماثلية» و«التدرج» و«التزامن». وترجح هذه المصادر أن يكون الموقف الإيراني المعلن بهذا الخصوص «تفاوضياً» بمعنى المطالبة بالحد الأقصى للتراجع لاحقاً شيئاً فشيئاً والسعي للحصول على «أثمان» مقابل هذا التراجع. من هنا، تعتبر هذه المصادر أن طهران نجحت في «مراكمة» الأوراق التي تستطيع طرحها خلال المفاوضات غير المباشرة التي حصلت عليها من خلال الخروج التدريجي المتواصل من بنود الاتفاق النووي منذ ربيع عام 2019 وحتى اليوم. ولكن تمسك طهران بمطلبها من شأنه إفشال المسار الراهن.
واضح أن الإصرار الإيراني على هذه المسألة بوجهيها «رفع كامل العقوبات ودفعة واحدة»، لا يمكن أن يلقى قبولاً أميركياً رغم رغبة فريق الرئيس بايدن في تحقيق «إنجاز» سريع في هذا الملف. وهذا الرفض يمكن أن يشكل السبب الثاني للفشل. ذلك أن بايدن أرفق رغبته في العودة إلى الاتفاق بالتفاوض مع إيران من أجل اتفاق أشمل يضم برنامجها الصاروخي - الباليستي بغرض «تحجيمه»، وسياستها الإقليمية بغرض لجم نزوعها للتدخل في شؤون الدول الأخرى. يضاف إلى ذلك وجود حرص أميركي - أوروبي على ضم أطراف إقليمية إلى طاولة التفاوض، تحديداً السعودية والإمارات وإسرائيل. كذلك يتعين التذكير بأن الطرفين الأميركي والأوروبي أصدرا بياناً مشتركا الشهر الماضي، أكدا فيه التزامهما منع إيران من أن تصبح يوماً قوة نووية.
والحال أن قبول واشنطن رفع العقوبات وإن اقتصرت على النووي وحده سينزع من يديها أقوى الأوراق الضاغطة وسيحرمها من أي ضمانة من شأنها إلزام الإيرانيين الجلوس إلى طاولة المفاوضات «بأي شكل كان» وتحقيق الأهداف المشار إليها.
وسبق لمصادر أوروبية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن عبرت عن «قلقها» من رغبة «تسرع» أميركية تذكر بما حصل لدى إنجاز اتفاق 2015، حيث كان الرئيس الأسبق أوباما «مستعجلاً» في التوقيع على اتفاق ومصراً على رفض الربط بين النووي والمسائل الأخرى.
حقيقة الأمر أن بايدن ليس حر اليدين، إذ ثمة معارضة تتخطى الانقسام التقليدي بين الجمهوريين والديمقراطيين وتتحفظ على ما تعتبره «تنازلات» لإيران. يضاف إلى ذلك، تحفظات أقوى من دول الإقليم التي ترى أن التساهل مع طهران أنتج حتى اليوم مزيداً من التصعيد ضد القواعد الأميركية في العراق، ومزيداً من الصواريخ، والمسيرات ضد السعودية، ومزيداً من التعقيدات السياسية والحكومية في لبنان. فضلاً عن ذلك، ثمة معلومات مؤكدة تظهر وجود انقسام داخل الإدارة الأميركية نفسها بشأن الخط الواجب السير على هديه في التعاطي مع الملف النووي المتفجر، بحيث إن البيت الأبيض يتأرجح بين خطين غير متوازيين، الأمر الذي من شأنه، في حال تواصله، أن يعيق بلوغ الاتفاق ونجاح المفاوضات.
يبقى أن مسار فيينا سيكون على سباق مع الزمن، تحديداً مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية في إيران. وتأمل الأطراف الثلاثة المعنية (إيران والولايات المتحدة والأوروبيون) تحقيق اختراق رئيسي في شهرين (أبريل/ نيسان ومايو/ أيار)، أي قبل حلول موعد الانتخابات.
والحال أن المسائل المعقدة تحتاج إلى كثير من الوقت. وتكفي الإشارة إلى أن اتفاق 2015 تم التفاوض عليه طيلة 12 عاماً. لذا، فإن اتفاقاً أشمل ولمدة زمينة أطول وأكثر صرامة، لن يكون في متناول اليد خلال ثمانية أسابيع، علماً بأن اللعبة السياسية في طهران ستجعل الضغوط مرتفعة على فريق الرئيس روحاني لمنعه من تحقيق نجاح يمكن أن يحسب له، ويكون له تأثيره في مجرى الانتخابات المقبلة. من هنا، أهمية دور الوسيط الأوروبي الذي سيحتاج لكنوز الدبلوماسية لتحقيق اختراق في ملف متشعب.



«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مساعٍ تتوالى للوسطاء بشأن إبرام هدنة في قطاع غزة، كان أحدثها في القاهرة، وهو ما يفتح تكهنات عديدة بشأن مستقبل الاتفاق المنتظر منذ نحو عام عبر جولات سابقة عادة «ما تعثرت في محطاتها الأخيرة».

«حماس» بالمقابل تتحدث عن سعيها لـ«اتفاق حقيقي»، عقب تأكيد أميركي رسمي عن «مؤشرات مشجعة»، وسط ما يتردد «عن ضغوط وعراقيل»، وهي أحاديث ينقسم إزاءها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بشأن مستقبل الاتفاق بغزة، بين من يرى أن «الصفقة باتت وشيكة لأسباب عديدة، بينها الموقف الأميركي، حيث دعا الرئيس المنتخب دونالد ترمب للإفراج عن الرهائن في 20 يناير (كانون أول) المقبل»، وآخرين يتحدثون بحذر عن إمكانية التوصل للهدنة في «ظل شروط إسرائيلية بشأن الأسرى الفلسطينيين، وعدم الانسحاب من القطاع، قد تعرقل الاتفاق لفترة».

وفي ثالث محطة بعد إسرائيل، الخميس، وقطر، الجمعة، بحث مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، السبت، في القاهرة، مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، «جهود الجانبين للتوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار وتبادل المحتجزين في غزة»، وسط تأكيد مصري على «أهمية التحرك العاجل لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، و(حل الدولتين) باعتباره الضمان الأساسي لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط»، وفق بيان صحافي للرئاسة المصرية.

سوليفان، بحث الجمعة، في قطر، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مستجدات الأوضاع في غزة، حسب بيان صحافي لـ«الخارجية القطرية»، عقب زيارته إسرائيل، وتأكيده في تصريحات، الخميس، أنه «يزور مصر وقطر؛ لضمان سد ثغرات نهائية قبل التوصل إلى صفقة تبادل»، لافتاً إلى أن «وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن من شأنهما أن يؤديا إلى تحرير المحتجزين وزيادة المساعدات المقدمة إلى غزة كثيراً».

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال جيك سوليفان في القاهرة (الرئاسة المصرية)

وبالتزامن أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، محادثات في أنقرة مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره هاكان فيدان، وأكد وجود «مؤشرات مشجعة»، وطالب بـ«ضرورة أن توافق (حماس) على اتفاق ممكن لوقف إطلاق النار»، مطالباً أنقرة باستخدام «نفوذها» عليها للموافقة.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن «المساعي لا بد أن تكون موجودةً عادة باعتبار أنها تحول بين حدوث انفجار أو تحتويه، وليس بالضرورة يعني هذا الحراك الدبلوماسي التوصل لشيء؛ إلا في ضوء شروط معينة تلزم الطرفين بتقديم تنازلات».

ووفق عكاشة، فإن هناك طرفاً إسرائيلياً يشعر حالياً وسط المفاوضات بأنه يتحدث من مركز قوة بعد تدمير نحو 90 في المائة من قدرات «حماس»، ويتمسك بشروط «مستحيل أن تقبلها الحركة»، منها عدم خروج أسماء كبيرة في المفرج عنهم في الأسرى الفلسطينيين، ويضع مطالب بشأن الانسحاب من القطاع.

بالمقابل يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن ثمة اختلافاً تشهده المحادثات الحالية، خصوصاً في ظل مساعٍ مكثفة من الوسطاء وإصرار الإدارة الأميركية حالياً على بذل جهود كبيرة للضغط على «حماس» وإسرائيل ليسجل أن الصفقة أبرمت في عهد الرئيس جو بايدن، فضلاً عن وجود مهلة من ترمب لإتمام الهدنة.

ويعتقد أن نتنياهو قد يناور خلال الأسبوعين الحاليين من أجل تحصيل مكاسب أكبر، وقد يزيد من الضربات بالقطاع، ويمد المفاوضات إلى بداية العام المقبل لتدخل المرحلة الأولى من الهدنة قبل موعد تنصيب ترمب، كما اشترط سابقاً.

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

وأفادت «القناة الـ13» الإسرائيلية، الجمعة، بأن الحكومة كشفت عدم حدوث أي اختراق جدي في مسألة إبرام صفقة تبادل أسرى مع «حماس»، مؤكدة وجود كثير من الخلافات، لافتة إلى أنه تم إبلاغ وزراء المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) قبل أيام بأن الحركة معنية بالوقت الحالي بإبرام صفقة، وأن هناك تغييراً في موقفها.

أما «حماس»، فأصدرت بياناً، السبت، في ذكرى تأسيسها الـ37، يتحدث عن استمرار «حرب إبادة جماعية متكاملة الأركان، وتطهير عرقي وتهجير قسري وتجويع وتعطيش، لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً»، مؤكدة انفتاحها على «أيّ مبادرات جادة وحقيقية لوقف العدوان وجرائم الاحتلال، مع تمسّكها الرَّاسخ بحقوق شعبنا وثوابته وتطلعاته، والتمسك بعودة النازحين وانسحاب الاحتلال وإغاثة شعبنا وإعمار ما دمَّره الاحتلال وإنجاز صفقة جادة لتبادل الأسرى».

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية بدير البلح بوسط قطاع غزة (رويترز)

وباعتقاد مطاوع، فإن «مجزرة النصيرات وغيرها من المجازر التي قد تزيد كلما اقتربنا من اتفاق تستخدم ورقة ضغط إسرائيلية على (حماس)، ليعزز نتنياهو مكاسبه بتلك العراقيل والضغوط»، فيما يرى عكاشة أن الحركة في ظل «عراقيل إسرائيل» لن تغامر بالمتبقي من شعبيتها وتقدم تنازلات دون أي مقابل حقيقي.

ولا يحمل الأفق «احتمال إبرام اتفاق قريب إذا استمرت تلك الشروط أو العراقيل الإسرائيلية، ولو ضغطت واشنطن»، وفق تقدير عكاشة، لافتاً إلى أن «بايدن تحدث أكثر من مرة سابقاً عن اقترب الاتفاق من الإنجاز ولم يحدث شيء».

وبرأي عكاشة، فإنه يجب أن يكون لدينا حذر من الحديث عن أن المساعي الحالية قد توصلنا لاتفاق قريب، ولا يجب أن يكون لدينا تفاؤل حذر أيضاً، لكن علينا أن ننتظر ونرى مدى جدية إسرائيل في إبرام الاتفاق المطروح حالياً أم لا كعادتها.

غير أن مطاوع يرى أن المؤشرات والتسريبات الإعلامية كبيرة وكثيرة عن قرب التوصل لاتفاق، وهناك عوامل كثيرة تقول إنها باتت قريبة، موضحاً: «لكن لن تحدث الأسبوع المقبل، خصوصاً مع مناورة نتنياهو، فقد نصل للعام الجديد ونرى اتفاقاً جزئياً قبل تنصيب ترمب».