«مصرف لبنان» يوافق على تقديم المستندات لتسهيل التدقيق في حساباته

التعقيدات السياسية تعرقل محاولات الإصلاح المالي

المقر الرئيسي لـ«مصرف لبنان» في بيروت (رويترز)
المقر الرئيسي لـ«مصرف لبنان» في بيروت (رويترز)
TT

«مصرف لبنان» يوافق على تقديم المستندات لتسهيل التدقيق في حساباته

المقر الرئيسي لـ«مصرف لبنان» في بيروت (رويترز)
المقر الرئيسي لـ«مصرف لبنان» في بيروت (رويترز)

تطغى الحسابات السياسية على التفاصيل التقنية المرتبطة بالتدقيق الجنائي في حسابات المؤسسات الحكومية اللبنانية، وهو ملف دخل دائرة الخلافات بين مختلف الأطراف، وصولاً إلى تحذير الرئيس اللبناني ميشال عون ليل أول من أمس، «من أي محاولة لتعطيله»، قبل أن يجري احتواء الأزمة بتأكيد «المجلس المركزي» في «مصرف لبنان» التزامه بعملية التدقيق والقيام بمجموعة خطوات بدءاً من يوم الجمعة المقبل تتعلق بتأمين المستندات والمعلومات المطلوبة.
وتعقّد التدقيق الجنائي الذي كان يزمع إجراؤه في حسابات «المركزي» خلال الخريف الماضي، عندما رفض الإجابة عن أسئلة وجهتها الشركة المتعاقدة مع الحكومة لإجرائه «ألفاريز ومارسال»، لأنها تصطدم مع القوانين اللبنانية. وتوصلت القوى السياسية إلى تسوية تقوم على التدقيق في كل حسابات الوزارات وإدارات الدولة ومجالسها وهيئاتها، وعليه؛ جرى إقرار قانون بالبرلمان في ديسمبر (كانون الأول) الماضي يقضي برفع السرية المصرفية عن حسابات المسؤولين لمدة عام، بما يتيح للشركة التدقيق في حساباتها.
ولم يتحدد اجتماع مع الشركة المتعاقدة حتى يوم أمس، وخلال الاجتماع الافتراضي الذي عقد عبر تطبيق «زوم» وضم ممثلين عن وزارة المالية وعن «مصرف لبنان» وعن شركة التدقيق الجنائي «ألفاريز ومارسال»، إضافة إلى مفوض الحكومة لدى «المصرف المركزي»، أكد «المجلس المركزي» في «مصرف لبنان» عملية التدقيق وعلى القيام بمجموعة خطوات بدءاً من يوم الجمعة المقبل وحتى نهاية الشهر تتعلق بتأمين المستندات والمعلومات المطلوبة من الشركة، لا سيما بعد إقرار قانون رفع السرية المصرفية.
وجرى الاتفاق على أن يزود «المصرف المركزي» مفوض الحكومة بقائمة محدثة للمعلومات في مدة أقصاها نهار الجمعة المقبل، ويحدد المستندات التي يتطلب تحضيرها وقتاً أطول من نهاية شهر أبريل (نيسان) الحالي. كما جرى الاتفاق على أن يباشر «المصرف المركزي» تجميع المستندات المطلوبة لكي تكون متاحة لمفوض الحكومة على أن تسلَّم إلى الشركة عند إعادة تفعيل العقد معها.
وقالت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط»، إنه من حيث المبدأ «يفترض ألا تكون هناك أي عوائق بعد إقرار القانون في مجلس النواب»، موضحة أن «(المصرف المركزي) يتعاون وفق صلاحياته، ولا وجود لعراقيل من جهته بتاتاً».
وكانت شركة «ألفاريز ومارسال» قررت إنهاء الاتفاقية الموقعة مع وزارة المال للتدقيق المحاسبي الجنائي، بسبب «عدم حصول الشركة على المعلومات والمستندات المطلوبة للمباشرة بتنفيذ مهمتها»، قبل أن تعيد وزارة المال التواصل معها في يناير (كانون الثاني) الماضي بعد إقرار القانون في البرلمان، لمتابعة «التدقيق الجنائي لحسابات (مصرف لبنان) والوزارات والمصالح المستقلة والصناديق والمؤسسات العامة». وتقول المصادر المصرفية إن العقد القديم لم يعد سارياً، بعد أن جرى توسيع المهمة السابقة لتشمل كل الوزارات والإدارات، مشيرة إلى أن «العقد يجب أن يتغير من حيث الشكل، لكن يجب علينا انتظار المفاوضات لمعرفة على أي نوع من العقود ستستوي، وهل سيكون هناك عقد جديد أم مجرد تعديل على العقد السابق، كما ستفضي المفاوضات لمعرفة الصلاحيات التي ستُعطى لشركة التدقيق الجنائي ومعرفة طبيعة العقد ومدته وتكلفته».
ولا يبدو أن الملف تعوقه التفاصيل التقنية، فهو دخل دائرة التجاذب السياسي بين القوى السياسية، وقد لمحت إليه وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم قائلة في تغريدة أمس إن «التدقيق الجنائي قرار وليس توصية»، مضيفة: «منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قلت إن العقد لا يحتاج لتعديل القانون، وطالبت بأن تجتمع الحكومة المستقيلة وتأمر حاكمية (مصرف لبنان) بالتنفيذ الفوري تحت طائلة المساءلة، أو أن يوجّه رئيسا الجمهورية والحكومة إنذاراً خطياً للحاكمية بالمعنى ذاته»، مضيفة: «والآن لم يفت الأوان».
ويرى خصوم «التيار الوطني الحر» أنه يدفع للتركيز على حسابات «المصرف المركزي» بينما يفترض أن تشمل جميع قطاعات الدولة، بما فيها وزارات تسلمها وزراء تابعون لـ«التيار»، في وقت يتهم فيه «التيار» خصومه بأنهم لا يريدون المضي بالتدقيق ويحاولون الالتفاف والاستدارة، بحسب ما قال النائب جورج عطا الله، وأن بعض القوى السياسية مستمرة بالعرقلة. ويتهم «التيار» أيضاً بعض القوى بالضغط على حاكم «مصرف لبنان» لعدم تسليم المعلومات المطلوبة منه للشركة الموكلة التدقيق.
وفي المقابل، تنفي مصادر نيابية قريبة من قوى «8 آذار» أن تكون عوائق الشروع في التدقيق سياسية، قائلة إن موقف المجلس النيابي واضح لجهة إقرار القانون الذي يسمح بالتدقيق الجنائي في حسابات جميع الوزارات والمجالس والهيئات و«مصرف لبنان» وغيرها؛ داعية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن يتم التدقيق «بعيداً عن الشعبوية». وجددت التأكيد على أن الجميع ملتزم بالتدقيق الجنائي في الحسابات، «شرط أن يشمل جميع القطاعات والوزارات والإدارات؛ ومن ضمنها حسابات وزارة الطاقة، بالنظر إلى أن أزمة تمويل الكهرباء تسببت بعجز في الخزينة يقارب نصف إجمالي العجز المالي اللبناني».
ويعدّ التدقيق المحاسبي الجنائي من مستلزمات تفاوض لبنان مع صندوق النقد الدولي، وضمن شروط وضعها الصندوق للسير في مسار الإصلاح الاقتصادي والمالي.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.