الهياكل المالية الفاعلة في تمويل اقتصاديات الإرهاب

تحويلات مالية من كل أنحاء العالم يصعب تعقبها.. و«بوكو حرام» تبدأ في استثمار عمليات العنف

الهياكل المالية الفاعلة في تمويل اقتصاديات الإرهاب
TT

الهياكل المالية الفاعلة في تمويل اقتصاديات الإرهاب

الهياكل المالية الفاعلة في تمويل اقتصاديات الإرهاب

أقر مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي تدابير استهدفت مصادر تمويل «داعش» و«جبهة النصرة»، محاولا بذلك قطع الشريان الحيوي الذي يغذي نشاط المنظمات الإرهابي، بما أن بقاء أي منظمة إرهابية كـ«داعش» أو «القاعدة» من بين غيرها، هو رهن بهياكل مالية فاعلة.
فقد أوردت صحيفة «يو إس إي توداي» (USA Today) إدانة 6 أشخاص من أصل بوسني من منطقة سانت لويس بتهمة تحويل الأموال إلى مقاتلي «داعش» في الشرق الأوسط مستخدمين خدمة «ويسترن يونيون» «وباي بال» لإرسال الأموال وأيضا البريد الأميركي لإرسال العتاد العسكري إلى «داعش»، من خلال وسطاء في تركيا والبوسنة والسعودية، وفق الصحيفة.

في سياق مماثل ذكرت وكالة الأنباء الآشورية في أوائل شهر فبراير (شباط) أن «داعش» افتتح سوقا خاصة لبيع الممتلكات التي نهبها من المنازل والكنائس الآشورية في الموصل.
وأطلق على السوق تسمية «غنائم النصارى» حيث جرى بيع أجهزة التلفزيون والثلاجات وأفران الميكروويف والأجهزة الإلكترونية الأخرى، وكذلك الأثاث والأعمال الفنية، وتراوحت الأسعار ما بين 50 ألفا إلى 75 ألف دينار عراقي.
وفي الفترة نفسها تقريبا كتبت الصحيفة الإسبانية « «El Paisأن إسبانيا باتت مركزا رئيسيا لتمويل الإرهابيين الجهاديين في سوريا والعراق «من خلال شبكة واسعة تتألف من 250 مركزا للاتصالات الهاتفية ومحلات الجزارة ومحلات البقالة، حيث يتم تحويل الأموال عبر قنوات غير رسمية يصعب تعقبها، وفقا لوكالات الاستخبارات الإسبانية». وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الشبكة تلجأ إلى ما يسمى نظام «الحوالة»، الذي يحدده الإنتربول بأنه عميلة نقل الأموال من دون تحريك للأموال، بهدف تمويل جماعات إرهابية مثل «داعش» و«النصرة».
من ناحية أخرى، اتهم موقع « «Tracking Terrorismجماعة بوكو حرام الإرهابية في نيجريا بالتواطؤ مع عصابات الجريمة المنظمة لتهريب المخدرات والخطف والسطو على المصارف وعمليات الاحتيال الإلكترونية، فضلا عن عمليات السرقة. ووفقا لمركز مكافحة الإرهاب «Combating terrorism center»، باتت عمليات الخطف أحد مصادر التمويل الرئيسية للمجموعة، وآخرها اختطاف 276 طالبة من مدرسة في نيجيريا في أبريل (نيسان) 2014.
الواضح أن تمويل الإرهاب شهد تطورا لافتا مع مرور الوقت، بحيث نجد بعض المنظمات الإرهابية اليوم تسعى إلى أن تستقل عن الجهات المانحة. وقد يكون تنظيم القاعدة خير مثال على هذا التطور، فبحسب دراسة لمؤسسة «راند» للأبحاث من عام 2004، اعتمد تنظيم القاعدة في البداية على مؤسسه أسامة بن لادن الذي استعمل ثروته الخاصة وتبرعات من أفراد أثرياء، وبعد أن أصبح الحصول على هذه التبرعات أكثر خطورة خلال التسعينات، زادت أهمية الشركات والجمعيات الخيرية التي استعملت كواجهة للتغطية. لاحقا، حين بدأ العديد من الدول والمؤسسات المالية بمطاردة الحسابات التي اشتبه بتمويلها الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر 2001. باتت تجارة السلع والتهريب وتجارة المخدرات مصادر رئيسية لإنعاش البنية التحتية المالية لتنظيم القاعدة.
يشير كولين كلارك الباحث من مؤسسة «راند» في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط» إلى أن «مصادر تمويل تنظيم القاعدة متعددة، بدءا من الهبات التي يتلقاها من منظمات خيرية، وصولا إلى الخطف والمطالبة بالفدية وتهريب المخدرات والسرقات من بين غيرها من الانتهاكات».
وقد تطورت الأساليب التي يعتمدها التنظيم لجمع الأموال مع الوقت، بدءا من الحرب السوفياتية الأفغانية التي امتدت من عام 1979 إلى 1989، ومن ثم اضطراره إلى التأقلم مع كل صراع لاحق شارك فيه، كالبوسنة والشيشان وطاجيكستان.. إلخ، بحسب كلارك.
طال هذا التطور مجموعات إرهابية أخرى، مثل جماعة بوكو حرام؛ فقد نشرت صحيفة «International Business time} أنه عندما تأسست بوكو حرام حصلت على القسم الأكبر من أموالها من جماعات محلية قريبة منها شاركتها وقتها، هدفها الأساسي هو فرض الشريعة الإسلامية والتخلص من الهيمنة الغربية في نيجيريا، إلا أنه مع مرور الوقت وجدت المنظمة مصادر دخل أخرى؛ ففي شهر أبريل (نيسان) 2013 حصلت المنظمة على ما يوازي 3.15 مليون دولار أميركي من مفاوضين فرنسيين وكمبوديين عقب تحرير 7 رهائن فرنسيين كانوا قد اختطفوا في الكاميرون.
إلا أن «داعش» يتميز عن غيره في إدارة إرهابه.. «فعلى نقيض التنظيمات الأخرى التي تعتمد على الدعم الذي تتلقاه من دولة أو كيان خارجي، لجأ التنظيم إلى تمويل عملياته بارتكاب جرائم مختلفة، بدءا من الاستيلاء على النفط والسطو على المصارف وصولا إلى الابتزاز»، وفق كلارك؛ فالتنظيم «ورث» عشرات ملايين الدولارات جراء النشاطات الإرهابية التي ارتكبها حين كان لا يزال يعرف بـ«تنظيم القاعدة في العراق»، حيث كان بارعا لدرجة أن طلبت منه القيادات العليا في «القاعدة» أن يحول الأموال إلى تنظيم القاعدة الأساسي في باكستان، عوضا عن أن يجري العكس، وفق ما أشار إليه الباحث.
ونقلا عن مقالة نشرها موقع «بلومبيرغ» في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أظهرت الدفاتر المحاسبية التي تم الاستيلاء عليها من «داعش» أن التنظيم يجني ما يكفي من المال لكي ينشئ منظمة مكتفية ذاتيا في بعض المحافظات، كالأنبار مثلا، في العراق.
والقسم الأكبر من إيراداته مرده بيع البضائع المسروقة كمواد البناء والمولدات وغيرها، كما يعتمد التنظيم على بعض الخلايا المحلية التي تسيطر على طرق ومسارات التهريب وتفرض الضرائب في المناطق الخاضعة لها، أضف إلى ذلك القسم الخاص بالغنائم الذي يعنى ببيع الممتلكات التي يتم نهبها من «الأعداء»، ولا سيما العراقيين الشيعة.
يضيف الباحث أيمن التميمي من منتدى الشرق الأوسط في لقاء مع صحيفة «الشرق الأوسط» أن «تنظيم داعش يستند على الإيرادات المتأتية من المناطق التي يسيطر عليها كجزء من خطته لإبراز نفسه كدولة فعلية، على غرار «العقارات» في الموصل التي تم الاستيلاء عليها من المسيحيين والشيعة الذين هربوا من المدينة، أو من خلال فرض الغرامات على السكان لقاء خدمات التنظيف والاشتراكات الهاتفية، واجتزاء قسم من معاشات المواطنين التي لا تزال الحكومة تسددها في مجالات مثل التعليم»، علما بأن الجزء الأكبر من إيرادات «داعش» هو من بيع النفط الذي يبدو أنه ما زال مستمرا، حيث أورد معهد دراسة الحرب (Institute For The Study of War) في شهر فبراير (شباط) أن «داعش» نشر 20 مصفاة متحركة في «زاب» الواقعة جنوب غربي مدينة كركوك، ليؤمن بذلك النفط إلى مشغلين محليين بسعر 68 ألف دينار عراقي.
وحسب تقديرات كلارك، سيجني تنظيم داعش هذه السنة بين 100 و200 مليون دولار على الأقل، علما بأن إيراداته قد انخفضت بشكل كبير منذ بدء ضربات التحالف الجوية.
وفي الوقت الذي حاولت فيه جبهة النصرة اعتماد بعض من هذه المبادئ في محافظة إدلب، وفق تميمي، لا تزال تستند بشكل كبير في مناطق أخرى في سوريا على الفديات من عمليات الخطف وعلى أموال الجهات الواهبة، وهي أساليب تعتمدها غالبية الجماعات المسلحة التي لا تطمح إلى بناء دولتها الخاصة.
وبالعودة إلى التدابير التي اعتمدتها مجموعة العمال المالي (FATF)، فتهدف أساسا إلى وضع حد لعمليات تمويل الإرهاب، وتشمل إمكانية وضع البلد المعني على قائمة البلدان غير المتعاونة مما قد يؤدي إلى فرض عقوبات على مؤسسات البلد المالية العاملة في الخارج وعلى اقتراض الدولة.
وقد اعتبر إدراج الأشخاص المتورطين بأعمال إرهابية على قائمة الخزانة الأميركية للأشخاص المحظور التعامل معهم (Specially Designated Nationals and Blocked Persons) ) تدبيرا فعالا آخر، إذ تضمن هذه التدابير تجميد أصول الفرد في حال مشاركته بأعمال إرهابية أو تسهيله أعمالا غير مشروعة لها علاقة بنشاطات إرهابية.
إلى ذلك، أقر مجلس الأمن الأسبوع الماضي تدابير تستهدف مصادر تمويل «داعش» في العراق والشام وجبهة النصرة، وأدان الجهات التي تعمد إلى شراء النفط من هذه المجموعات، وحظر التعامل بأي من التحف الأثرية المنهوبة في كل من العراق وسوريا، داعيا الدول إلى الكف عن دفع الفديات. وتأتي هذه القرارات لتعيد التأكيد على التزامات الدول الأعضاء بـ«تجميد من دون تأخير» الأموال وغيرها من الأصول المالية أو الموارد الاقتصادية للأشخاص الذين يرتكبون أو يحاولون ارتكاب أعمال إرهابية.
إلا أن الأمر لا يتعلق بإصدار القوانين بقدر ما يرتبط بكيفية تطبيقها على الأرض ووضعها حيز التنفيذ. فحتى تاريخه على سبيل المثال، لا يدخل التطبيق الجدي لهذه القرارات بعدد من البلاد؛ فعلى سبيل المثال «عادة ما تطالب قطر بإقرار هذه القوانين على الورق غير أنها نادرا ما تنفذها فعليا»، وفق كلارك.
«ورغم أن هذه القوانين قد تساعد في الحد من تمويل الإرهاب، غير أن المشهد لا يزال معقدا»، فهذه التشريعات قد تنجح بوضع مزيد من الضغط على دول الخليج من ناحية الجهات الواهبة، مما قد ينطبق على «القاعدة» في سوريا مثلا، إلا أنه بالنسبة إلى «داعش»؛ فمن الصعب أن تضع حدا لمصادر تمويل التنظيم من دون أن تعمد بغداد على سبيل المثال إلى وقف دفع رواتب الموظفين العامين كالأساتذة في مناطق مثل الموصل؛ خطوة من المستبعد أن تنفذها الحكومة العراقية خشية أن تفقد ما تبقى لها من تأثير أو نفوذ في هذه المناطق تمهيدا لإعادة السيطرة عليها وسحبها من بين أيادي «داعش»، وفق تميمي.

* باحثة غير مقيمة في المجلس الأطلسي مركز رفيق الحريري للدراسات في الشرق الأوسط



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».