الطريق إلى «داعش».. رحلة مبايعة الموت

ترصد: مقاتلون أجانب «فرزوا» من اليوم الأول إلى «المقابر».. وأبو البراء أول قتلى التنظيم بمضافة المهاجرين

الطريق إلى «داعش».. رحلة مبايعة الموت
TT

الطريق إلى «داعش».. رحلة مبايعة الموت

الطريق إلى «داعش».. رحلة مبايعة الموت

بدأ الشاب اليمني «أبو همام» في ربيع 2014 رحلته إلى «داعش» من اليمن، وصولا إلى العراق.. تعرف خلالها على خبايا وأسرار الجماعات المتطرفة ما بين سماسرة ووسطاء ومضافات تجمع وعبور، حتى انتهى الأمر بفرزه مع رفاق مشتتين بين صفوف تنظيم داعش والجماعات المتطرفة الأخرى.
وقال أبو همام، وهو أحد الفاعلين على منصة «مؤسسة البتار الإعلامية» خلال رحلة النفير ومبايعة أبو بكر البغدادي بعد عملية الانشقاق لعدد من نشطاء المؤسسة الإعلاميين عن تنظيم القاعدة: «استقبلتنا سيارتا وانيت بيضاوان غمارتين، وكان السائق ومساعده مسلحين وشرهين في التدخين بطريقة ضايقتنا، لكن كان مطلوبا منا عدم الحديث أو الكلام حتى نصل للمضافة».

جاء هذا الحديث ضمن تسجيلات «حملة السكينة»؛ في إطار محاولاتها لإقناع وتوعية المستهدفين عبر المواقع الإلكترونية، في إحدى حملاتها العلمية والفكرية، وخصت «الشرق الأوسط» بنقل تفاصيل «رحلة مبايعة الموت».
ووفقا لما جاء في التسجيلات، أضاف «أبو همام» اليمني: «وقف السائق على جانب الطريق وتداول الكلام مع شخص كان بانتظاره، ثم أتى الشخص واختار من السيارة التي خلفنا اثنين وأخذهما»، متابعا: «حاولت الاتصال بالإنترنت لكن لا توجد شبكة إنترنت ولا شبكة جوال، كانت أطول ساعات مرت في حياتي حتى إنهم لم يسمحوا لنا بالوقوف لصلاة الظهر».
وكانت «مؤسسة البتار» الإعلامية، قد تعرضت لعملية «إغواء وإغراء» عبر «وسطاء» للانتقال إلى تنظيم «داعش» ومبايعة البغدادي، حتى بدأت عملية النقل والانتقال المعلوماتي التقني والمعرفي، وكذلك البشرى بنفير 3 من مؤسسي «البتار» والفاعلين فيها، قبل أن تتم تصفية مؤسسي «البتار» على يد «داعش» بعد امتلاكهم لأرشيفها المتطرف الضخم الذي قام على جمعه همام الحميدي (يمني الجنسية)، ومعاوية القحطاني ومجموعة أخرى، هم: «جراح وخبيب القرشي وحازم ومفيد».
وفي بداية 2014 قرر الحميدي (النفير) والمشاركة في مواطن القتال في العراق وسوريا؛ ووصل بصحبة مجموعة من المقاتلين من اليمن منهم أبو بلال الحربي، وأبو أسيد الخويطر، وبايع البغدادي استعدادا للانضمام إلى صفوف «داعش» بصفته أحد العناصر المخصصة لـ«سرايا الإنترنت»، مسلما ما لديه كافة للفريق الجديد، حيث تدار الأعمال وسط خلايا «داعش» بطريقة مختلفة.
وسرعان ما اختفى الحميدي في ظروف غامضة بعد مشاحنات وتبادل الاتهامات مع عناصر «داعش»، وتسلم دفة العمل الإعلامي للمؤسسة «محمد المصري».
وفي رحلة نفير الشاب اليمني بصحبة رفاقه، التي ترسم خارطة ما قد يسمى «الطريق إلى الموت»، بدأت الفصول بعملية التفاوض مع «وسيط» متخصص لاستقطاب الأفراد والجماعات المنتمين لتنظيمات وجماعات أخرى مثل «القاعدة» و«أنصار السنة» و«أجناد مصر»، مقابل إغراءات مالية وأخرى معنوية بمنح «ولاية» أو «إمارة» عبر دعوات إلكترونية للتواصل المباشر مع وسيط آخر على الأرض في حال تحقيق نوع من التجاوب.
وحسب ما يقوله المقاتل الجديد في صفوف «داعش»، فإنه لا يشترط انتماء الوسيط لتنظيم «داعش»، وقد تخالف عقيدته في أحوال أخرى عقيدة المستهدف، مضيفا: «معظمهم مجهولون».
وتتلخص وظيفة وسطاء تجنيد المقاتلين الأجانب، كما أفاد أبو همام اليمني، في عملية جذب أفراد من خارج الجماعات المسلحة، قائلا: «لدى الوسطاء منصات إلكترونية وعادة ما يكثفون التحريض والدعوة والنشر»، مؤكدا أن أكثر المنصات نجاحا تعود إلى الأوروبيين، حيث إن نحو 90 في المائة من الأوروبيين المنتمين للجماعات المتطرفة جاءوا من خلال وسطاء إلكترونيين، حسب قوله.
بعد انتهاء عملية «التفاوض»، يعبر المجندون الأجانب 3 «مراكز» تسمى «المضافات» تبدأ أولا بـ«مضافة استقبال» ثم «مضافة العبور» وتكون عادة بالقرب من مواقع حدودية أو بعد تجاوز الحدود السورية والعراقية.. وأخير، وهي الأهم، «الفرز».. ويواصل أبو همام اليمني حديثه: «بعض القادمين يمرون بمضافة أخرى، وهي مضافة (التجمع) للمقاتلين استعدادا للانطلاق إلى مناطق الصراع، ويبدأ منها مباشرة النشر والتواصل عبر الإنترنت بصورة عشوائية».
مضافات «التجمع» غالبا ما تنتمي إلى «داعش»، إلا أنها لا تقتصر عليهم، فالبعض الآخر منها لإمداد «القاعدة» و«أنصار الشريعة» وتنظيمات أخرى، بالمقاتلين الأجانب، إلا أنه، بحسبه، «تمت السيطرة عليها أو تحويلها في ظروف غامضة من هذه التنظيمات إلى تنظيم (داعش)»، مضيفا: «تبدأ من هنا عملية الانطلاق المكثفة لنشر الأخبار والمعلومات بصورة تتسم بالعشوائية والحماس».
تأتي هنا مرحلة «الاستقبال» التي هي أشبه ما تكون بمكاتب «استقبال العمالة الأجنبية» من حيث اختلاط الجنسيات واللغات، باعتبارها مركزا لتسجيل البيانات والمعلومات، وبين أبو همام اليمني أن «(بيت الاستقبال) خليط بشري وتسجيل للمعلومات، ولا يظهر عليهم مطلقا الالتزام الديني كما هي الحال في (بيت العبور)، خلافا لمضافة التجمع والفرز، ولا يسمح فيهما باستقبال أو إرسال أي مشاركة عبر الإنترنت أو بأي اتصال هاتفي، وفي بعض الأحوال يجري التسلم والتسليم للمجندين بمبالغ مالية».
وكانت فكرة إطلاق مؤسسة إعلامية تناصر الجماعات المتطرفة، قد نشأت في يونيو (حزيران) 2013، لدى الحميدي والقحطاني، على غرار مؤسسات المتطرفين الإعلامية الأخرى، بعد توفر أرشيف ضخم من الإصدارات، وبدأ الحميدي حسابا باسم «مأسدة الإعلام» إشارة إلى «مأسدة الأنصار»، وهو أول مركز أنشأه أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الخاص باستقبال واستضافة وتدريب المقاتلين، حتى تطور العمل إلى «سرية البتار الإعلامية» المخصصة لـ«تويتر»، وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2013 أعلن عن إنشاء «مؤسسة البتار الإعلامية».
وفي مطلع 2014 قرر الحميدي «النفير» للمشاركة في مواطن القتال بالعراق وسوريا؛ بصحبة مجموعة من المقاتلين في اليمن منهم من بايع حينها البغدادي منضما إلى صفوف «داعش» كأحد العناصر المخصصة لـ«سرايا الإنترنت»، ومباشرة سلم جميع ما لديه للفريق الجديد، حيث تدار الأعمال وسط خلايا «داعش» بطريقة مختلفة، قبل عملية اختفائه.
كان من بين ما لفت «أبو همام» في بيئة «داعش» الجديدة تلذذهم بإذلال الخليجيين، خاصة السعوديين واليمنيين، وسحب الثقة منهم، بمن في ذلك الأردنيون، قائلا: «أبو البراء المكي لما قال لهم إنه سعودي شتموه وشتموا أباه وأمه، وأحدهم قال له (يلعن دين أهلك)، فأنكر عليهم، وقال إن لعن الدين كفر، وما دخل أمي وأبي لتلعنوهما، ودخل معهم في نقاش ساخن، وكان هو أول من قتل في مضافة المهاجرين».
ويصف عبد المنعم المشوح مسؤول «حملة السكينة»، المحطة الأخيرة لمقاتلي الجماعات المتطرفة «مضافة الفرز» بالمحطة الأكثر غرابة وضبابية، والتي يبرز منها كثير من علامات الاستفهام، والتي أنشأت فكرتها على يد الزرقاوي؛ الزعيم السابق لتنظيم داعش، ثم تطورت في عهد البغدادي، قائلا: «يجري فيها رصد ومناقشة المستهدف، ثم فرزه إما إلى سرايا ومنصات الإنترنت، وهي ذات أولوية لديهم، أو إلى الجبهات أو الحراسة، أو إلى القتل والإعدام»، مضيفا: «في كل بيت مقبرة جماعية، حيث تجري محاكمة بعض المهاجرين وإعدامهم».
وبحسب ما أفاد به «المشوح»، فقد جرى إعدام بعض مسؤولي المنصات الإلكترونية التابعة لـ«القاعدة» بعد مبايعتهم للبغدادي وتسليم أرشيفهم لتنظيم داعش، فأعدموا في مكانهم الذي بايعوا فيه.
استطاعت «حملة السكينة» التي انطلقت في 2003، التواصل الفكري مع أفراد هذه الجماعات عبر الإنترنت، ونفذت عدة حملات توعية إلكترونية في شبكات التواصل استهدفت المنتمين فعليا للتنظيمات المتطرفة. ويؤكد المشوح أن المعلومات التي يجري رصدها تخدمهم في بناء تصور صحيح للخارطة الفكرية لتلك التنظيمات، مما يساعد في تصميم برامج توعية ومواجهة مؤثرة.
مضافات «الفرز» لا تقتصر خدماتها على تنظيم داعش، وإنما تتكفل بتوزيع جموع المقاتلين الأجانب الوافدين إلى مختلف الجماعات المقاتلة في العراق وسوريا، وقال لـ«الشرق الأوسط» مسؤول «حملة السكينة»: «الغريب أنه وعبر هذه المضافة يجري الفرز أيضا إلى جبهات (القاعدة) أو (خراسان)، وبعض المفارز لا ترسل إلا إلى تنظيم داعش، وهي الأكثر وفقا لمداولاتهم عبر الإنترنت».
مقاتل «داعش» أبو همام اليمني، يلقي المزيد من الضوء على مضافات تنظيم داعش، التي أكد إحاطتها بالكاميرات من داخلها وخارجها، قائلا: «زميلنا أسد المهاجر سبق له الجلوس في (بيت الأنصار) التابع لابن لادن، ويذكر لنا الفرق الكبير بين هذه المضافة وتلك.. هذه كأنها قاعدة استخباراتية».
وأكد وجود «سجن» خاص في عدد من المضافات، واحتواء أخرى على غرف فاخرة، مشيرا إلى وجود أغلب المنصات الإلكترونية في هذه المضافات، قائلا: «يجري أخذ مجموعات من المهاجرين وتصويرهم في منطقة قريبة من المضافة، من باب التحريض والتجنيد». وأضاف: «حدثت مشكلة بين مهاجر هندي ومدير المضافة، وكان يريد قتل الهندي، والسبب أن مدير المضافة العراقي تسلط على الهنود الثلاثة وجعل مهمتهم التنظيف والكنس».
كذلك كان للنساء نصيب من مضافات «الفرز» و«التجمع»، وبحسب أبو همام، تبدأ آلية فرزهم بالزواج، ودوريات الحسبة، والنشر الإلكتروني، والتمريض، والتعليم، ومن بين المفارز النسائية، واحدة تديرها سيدة عراقية متزوجة من أحد المقاتلين العراقيين، وهو مسؤول بدوره أيضا عن مضافة الرجال. وقال: «إسراء هي التي أتواصل معها في بيت المهاجرات، وهي إحدى مشرفات (تويتر)».
«مضافات داعش» تأتي نسخا مقلدة لمضافات العرب إبان الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفياتي، التي بدأت بـ«مكتب خدمات المجاهدين» في بيشاور عام 1984 على يد عبد الله عزام كمحطة استقبال أولية للمقاتلين القادمين من الخليج والأردن وشمال أفريقيا، استقل بعدها أسامة بن لادن بمعسكر تدريب آخر في 1988 في منطقة جاجي في أفغانستان بالقرب من الحدود الباكستانية، وأطلق عليه «مأسدة الأنصار العرب»، وتحولت بعدها إلى ما يسمى «قاعدة الأنصار العرب».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».