أنس الآلوسي يصهر الحضارتين المصرية والعراقية في سرديته الخمسينية

عبر معرض في القاهرة يضم 30 لوحة و25 منحوتة

الفنان العراقي أنس الآلوسي (الشرق الأوسط)
الفنان العراقي أنس الآلوسي (الشرق الأوسط)
TT

أنس الآلوسي يصهر الحضارتين المصرية والعراقية في سرديته الخمسينية

الفنان العراقي أنس الآلوسي (الشرق الأوسط)
الفنان العراقي أنس الآلوسي (الشرق الأوسط)

هل يمكن لتجربة إبداعية أن تحمل ذاكرة عمرها 50 عاماً بكل خبراتها وتراكماتها الفكرية والبصرية؟ حاول الفنان العراقي أنس الآلوسي فعل ذلك، عبر تجربته النحتية والتصويرية الجديدة التي تستضيفها قاعة الزمالك للفن بالقاهرة، إذ اختار تقديم إبداعاته تحت عنوان «ذاكرة الـ50» ليلخص عبر 30 لوحة و25 قطعة نحتية مشواراً طويلاً من الفن واللحظات الإنسانية الخالصة النابعة من «ذاكرة المكان» المنتعشة والحاضرة بنفس قوة الزمان في أعماله.
على غير ما قد يُوحي به عنوان المعرض لم تأتِ الأعمال مجرد سرد تقليدي أو عرض استيعادي لمسيرة فنان، إنما جاءت متنوعة في الأفكار والأساليب الفنية، ليعثر المتلقي على مضمون مختلف وشكل جديد لم يلتقِ بهما من قبل في معارضه السابقة، وكأنها «ذاكرة 50 عاماً» المستقبلية للفنان، أو كأنه يصيغ خبرات الماضي بلغة أتقنها حديثاً، يقول أنس الآلوسي لـ«الشرق الأوسط»: «جاء المعرض نتاجاً لخبرات زمنية ومكانية متراكمة، لكنها في الوقت نفسه تتضمن تكوينات وعلاقات وموضوعات جديدة لم أتطرق إليها من قبل، وكأن الماضي يقودني باحترافية إلى المستقبل».
ويرى الآلوسي أن تدشين معرض عن حياته السابقة سيكون بمثابة «تحصيل حاصل»، ومجرد تكرار، ويقول: «إن ذلك ينبع من مقولة قرأتها وآمنت بها منذ الطفولة إلى حد أنني كنت أدونها على كراريس المدرسة، وهي (إذا أردت أن تنفيني ضعني داخل نظام، إنني لست رمزاً حسابياً إنني إنسان)».
عندما ينتقل الزائر للمعرض من عمل إلى آخر يجد نفسه ينتقل من فكرة إلى أخرى، ومن حالة إلى أخرى من دون ملل، لا سيما أنه سعى للإمساك بمشاعر السعادة والتفاؤل والأمل في أعماله، ويفاجئه خوض الفنان الذي يقيم في القاهرة منذ نحو 15 عاماً لمجالات لم يسبق له أن اقترب منها، ومن بين ذلك، الاحتفاء الشديد بنحت الطيور والحيوانات، يقول: «في ثقافتنا التشكيلية العراقية نحتفي بنحت مفردات ترمز إلى القوة، مثل الحصان والثور، لكن في مصر وجدت أنه يكاد لا يوجد نحات لم يجسد البومة، فقررت أن أقدمها برؤيتي الخاصة» ويتابع: «البيئة تؤثر على الفنان وتدفعه لاستلهام مفردات منها»، وأتذكر أن الفنان الراحل آدم حنين حين جاء لزيارتي في المسبك الخاص بي بإحدى المناطق الزراعية، وشاهد منحوتة الإوزة اندهش فحكيت له أنها تأتي كل يوم من المزرعة المجاورة، وتزورني، وتخيلت أنها تدعوني لنحتها فنحتها، بينما جاء تجسيدي للثعلب بعد أن أكل 11 دجاجة من حظيرة مزرعتي، فقلت بالهناء والشفاء ونحته! وهكذا كان لكل طائر أو حيوان رسمته أو نحته، حكاية مستمدة من البيئة المصرية، وقد وجدت فيها حياة وثراء وتنوعاً يكسر ملل المتلقي وينقله إلى حالة من الطرافة والتماهي مع الواقع».
حتى في تناول الآلوسي للعلاقات الإنسانية في معرضه المستمر إلى 5 أبريل (نيسان) الجاري، فإنه يقدمها بشكل جديد، إذ نجد شخوصه يبدون كما لو أنهم محلّقون في الفضاء، يسيطر عليهم الوجد والعاطفة المنسابة، فعلى سبيل المثال تجسد السيدة في منحوتة «اشتياق» الشجن والحنين الشديد تجاه الحبيب الذي تنتظره في نافذة بيتها، ويستوقف المتلقي الحركة في العمل، التي جعلت السيدة تظهر كأنها تحلق في أجواء من العاطفة المتأججة، وساعد على ذلك وقوف المنحوتة على قاعدة ذات ثلاث دوائر تقود إلى عوالم غير محدودة، وقد تبدو جزءاً أساسياً من العمل الفني، على عكس المألوف في المنحوتات التي تكتفي بالاستناد إلى قواعد من الغرانيت أو البرونز، كما شكل الجزء الخاص بالنافذة التي تنظر عبرها السيدة بمفردها عملاً فنياً خالصاً، من فرط ما جاء مسكوناً بالمشاعر والنوستالجيا، يقول الفنان: «توثق النافذة في المنحوتة ذكريات غالية، فهي تجسد نافذة كنت صنعتها يدوياً في فيلا بمصر لكنها تهدمت».
استخدم الآلوسي البرونز كثيراً تأثراً بالفن العراقي، وعن ذلك يقول: «من فرط حبي له أعتبر نفسي مصنوعاً من البرونز، ويُعد ذلك حضوراً عراقياً في مشواري، لأن البرونز هو انعكاس للشخصية العراقية التي تميل إلى التحدي، باعتباره خامة صعبة للغاية في التشكيل، لكنها على صعوبتها موصلة جيدة للمشاعر والمفاهيم، ربما لأن النحاس الذي تقترب نسبته في البرونز من 90 في المائة هو موصل جيد للحرارة والشحنات، وهو كذلك على المستوى المعنوي».
يتجاوز الحضور العراقي في أعمال الفنان الخامة ليشمل الحركة، فيكاد يخلو المعرض من السكون: «الحركة ميزة متوارثة عن الحضارات الآشورية والبابلية في العراق»، كما يطل علينا الحضور ذاته من خلال النقوش الغائرة والخطوط الدقيقة التي تطورت في بعض الأعمال إلى تقاطعات وأشكال هندسية من دون أن تمثل تشويشاً بصرياً، أو تنأى بعين المتلقي بعيداً عن المكنونات العاطفية والفكرية للمنحوتات. لا سيما أنه أجاد تحميلها بالدلالات، فعلى سبيل المثال ترمز المربعات إلى العزلة والانغلاق من جراء الجائحة، بينما جاءت الدوائر في أعمال أخرى لتأخذنا إلى فضاءات الحرية المنشودة...
ووسط هذا الاعتناء بالتفاصيل المحفورة والمنحنيات نعثر داخل المعرض على منحوتة واحدة تمثل نموذجاً للاختزال والتلخيص، تحمل عنوان «مسافرة» تاركاً الدهشة داخل المتلقي من هذا الانتقال في التقنية: «هي بداية لتجربة فنية جديدة في معرضي القادم أعلن عنها الآن، فقد فضلت الانتقال التدريجي لكي لا أفاجئ المتلقي بسرعة ونوع التغيير».شكل اللوحات غوصاً في دواخل الفنان نتعرف من خلالها على خريطته النفسية عبر تكوينات لونية قوية وموحية: «الرسم بالنسبة لي تفريغ لشحنات انفعالية ومشاعر وقتية سريعة، على العكس من النحت الذي يستغرق العمل فيه ما بين الفورم والكتلة والسطوح وغير ذلك وقتاً طويلاً، وخلاله تتبدل المشاعر وتختلف العاطفة».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.