تقنيات مبتكرة لاستخلاص ثاني أكسيد الكربون الجوي

تجارب واعدة للحد من التغيرات المناخية

تقنيات مبتكرة لاستخلاص ثاني أكسيد الكربون الجوي
TT

تقنيات مبتكرة لاستخلاص ثاني أكسيد الكربون الجوي

تقنيات مبتكرة لاستخلاص ثاني أكسيد الكربون الجوي

يحذّر العلماء بشكل متزايد من أنّ الاستغناء عن معامل الفحم، وبناء منشآت طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وغرس المزيد من الأشجار في كلّ مكان، لن يمنع احترار كوكب الأرض بالدرجة المأساوية المتوقّعة.
وتعتقد شركة أميركية ناشئة أنّ التقاط الكربون من الهواء مباشرة يمكن أن يصبح حلاً فعالاً لهذه المشكلة، على صعيد التكلفة، وذلك بالانتقال من الاعتماد على تقنيات «صفر كربون» إلى تقنيات «سالبة للكربون».
هل يتمّ بذل أي جهود لتنظيف الجوّ من الكربون على نطاقٍ صناعي؟ وفي حال كانت هذه الجهود قائمة، ما هي السلسلة الكاملة المعتمدة للإنتاج؟ حتّى اليوم، تسير شركة واحدة في هذا الاتجاه هي «غلوبال ثيرموستات» التي حلّت رئيستها التنفيذية غراسييلا تشيشيلنسكي ضيفة على موقع البث الصوتي الإنترنتي «راديو سبيكتروم» التابع لجمعية المهندسين الكهربائيين الأميركيين بإدارة ستيفن تشيري.
وغراسييلا تشيشيلنسكي باحثة أرجنتينية، محاضرة في الاقتصاد والإحصاءات الرياضية في جامعة كولومبيا الأميركية ومديرة برنامج «اتحاد إدراة المخاطر» التّابع للجامعة ومؤلّفة مشاركة لكتاب «عكس التغيّر المناخي» الصادر في يوليو (تموز) 2020.
استخلاص الكربون
لدى الشركة عدّة منشآت في كاليفورنيا ستتمتّع كلّ واحدة منها بقدرة على التخلّص من 3000 إلى 4000 طنّ متري من ثاني أكسيد الكربون في السنة. فما هي طريقة عمل هذه المنشآت؟ تقول تشيشيلنسكي: تتغيّر القدرة الحقيقية بحسب المعدّات. تقع هذه المنشآت فيما كان يُعرف بمعهد ستانفورد للأبحاث، وتعمل على تخليص الهواء من ثاني أكسيد الكربون بشكلٍ مباشر بواسطة تقنية اسمها «التقاط الهواء مباشرة»، وشركة «غلوبال ثيرموستات» هي الشركة الأميركيّة الوحيدة التي تعمل في هذا المجال وتقود العالم فيه اليوم.
تعمل التقنية بشكل رئيسي على فرك الهواء عبر تحريك كميّة كبيرة منه فوق معدّات الالتقاط والمواد الكيميائية الضرورية التي تتسم بانجذاب طبيعي نحو ثاني أكسيد الكربون. وهكذا، عندما يمرّ الهواء بجانبها، تمتصّ ثاني أكسيد الكربون بواسطة المذيبات ومن ثمّ يُصار إلى فصل مزيج الغاز عن المذيب لنحصل على ثاني أكسيد كربون صافٍ بنسبة 98 في المائة. هذه هي طريقة عمل المنشآت
هذا الأمرُ قابلٌ للتحقيق ويمكن أن يساهم في تخليصنا من ثاني أكسيد الكربون وتحقيق أرباحٍ مالية في وقتٍ واحد. في الحقيقة، هذه هي خطّة العمل التي وضعتها الشركة والتي هدفها أيضاً عكس التغيّر المناخي.
ما الذي يحصل لثاني أكسيد الكربون عندما يصل إلى درجة 98 في المائة من الصفاء؟ تقول الباحثة إن ثاني أكسد الكربون قيّمٌ جداً رغم الضرر والخطورة الذي قد يتسبب بهما حسب كثافته في الجوّ. والهدف أن تكون تكلفة سحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء أقلّ من تكلفة بيعه.
بنزين صناعي
وتعمل الشركة على إنتاج الوقود الصناعي وتحديداً الجازولين (البنزين) الصناعي، ولكن من خلال دمج ثاني أكسيد الكربون مع الهيدروجين (ثاني أكسيد الكربون من الهواء والهيدروجين من الماء). ويصنع الهيدروجين باستخدام تقنية التحلّل المائي، بينما يستخلص ثاني أكسيد الكربون من الجو بالتقنية المذكورة أعلاه. ينتج جمع هذين الغازين الهيدروكربونات، التي عند مزجها بالطريقة الصحيحة تعطي مادّة كيميائية مطابقة للبنزين بجميع جزيئاتها باستثناء أنّ مصدرها الماء والهواء وليس النفط.
إذا أحرقتُم هذه المادّة، فستحصلون طبعاً على ثاني أكسيد الكربون ولكنه ذلك المنبعث من الجوّ أثناء إنتاج البنزين. وبهذه الطريقة، ستحصلون على دائرة مقفلة، ما يعني أنّ هذه العمليّة لا تنتج أي انبعاثات جديدة لأنّها في الأساس استخدمت البنزين الناتج عن جمع الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون الصادرين عن الماء والهواء.
إلى جانب سوق البنزين، تقول الباحثة إن عمل الشركة يتركز اليوم على سوق تحلية المياه، ونعمل مع شركة هي الأكبر عالمياً في هذا المجال مقرّها المملكة العربية السعودية. وتحتاج عملية تحلية المياه إلى كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون ولا سيّما تلك الخاصّة بالاستخدام البشري لأنّها تتطلّب كمية كبيرة من هذا الغاز. يُضاف إلى هذين المثالين والتطبيقات والاستخدامات التجارية، وصناعة البنزين الصناعي وتحلية المياه، إنتاج المشروبات الكربونية كالجعة والكوكا كولا التي يتم التعاون فيها مع شركات أخرى كسيمنز و«آي إم إي» وشركات صناعة الآليات كبورشه على إنتاج بنزين نظيف.
وتجدر الإشارة إلى أن شركة أخرى هي «إير كومباني» تنتج مشروبات كحولية «سالبة للكربون» عبر عملية تبدأ باستخدام ثاني أكسيد الكربون السائل وتحويله إلى إيثانول ومن ثمّ أخضتعه من التكرير حتّى يتحوّل إلى منتجٍ للبيع.
موازنة الكربون
يُستخدم ثاني أكسيد الكربون أيضاً لإنتاج عناصر تدخل في صناعة الإسمنت ومواد بناء أخرى. وبشكل عام، يبدو أن قيمة سوق ثاني أكسيد الكربون العالمية تصل إلى تريليون دولار سنوياً، ما يؤكّد على القيمة الباهظة التي تتمتّع بها هذه المادّة الكيميائية المتوفّرة على كوكبنا رغم الخطر والضرر اللذين تعرّضنا له.
ما هو مقدار استهلاك الطاقة؟ لأن عمليّات سحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء واستخدامه في واحدٍ من التطبيقات المذكورة تحتاج إلى استهلاك الطاقة، وما هو صافي ميزانية الكربون المطلوبة؟ تقول تشيشيلنسكي إن الشركة لا تستخدم الكهرباء التي تولد اليوم بواسطة الوقود الأحفوري، بل تعتمد على الحرارة التي تخلّفها عمليات صناعية أخرى غير توليد الكهرباء التي تستخدم بقدرٍ قليل. ومن البشائر هنا أننا أصبحنا قادرين في عام 2020 ولأوّل مرّة في تاريخ البشرية على إنتاج طاقة من الشمس مباشرة وبتكلفة أقلّ من إنتاجها بالوقود الأحفوري. وقد تدنت مبالغ تعريفة وحدة الإنتاج الكهربائي من الطاقة الشمسية خلال السنتين والنصف الأخيرتين.
وماذا عن توحيد الجهود؟ يتطلّب العمل أشكالاً متعدّدة من الخبرة ما دفع «غلوبال ثيرموستات» إلى توقيع اتفاق تطوير مشترك مع شركة إكسون موبيل، بالإضافة إلى تعاونها مع كوكا كولا وسيمنز وشركة أخرى اسمها «إتش آي إف» في تشيلي. ويهدف التعاون مع إكسون إلى بناء معمل بقدرة واحد غيغاطنّ، أي توسيع وتحسين التقنية لتصبح قادرة على سحب ما يقارب مليار طنّ من ثاني أكسيد الكربون من الجوّ كلّ عام. ولكن، لتحقيق هدف «عكس التغيّر المناخي»، نحتاج إلى سحب 40 غيغاطنّا من هذا الغاز سنوياً من الجوّ. وإذا استطعنا بناء 40 من هذه المصانع، فسنتمكّن من سحب كامل كميّة ثاني أكسيد الكربون التي يحتاجها البشر من الجوّ لعكس التغيّر المناخي.



«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
TT

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الاهتمام بمبادرات «إعادة التحريج» بصفتها استراتيجية فعّالة لمواجهة آثار تغيّر المناخ وتحسين سبل معيشة السكان المحليين.

«إعادة التحريج»

تعني «إعادة التحريج»، وفق الأمم المتحدة، استعادة الأراضي التي كانت مغطاة بالغابات من خلال زراعة أشجار جديدة لتعويض الغطاء الحرجي المفقود، بخلاف التشجير الذي يركّز على زراعة أشجار في مناطق لم تكن غابات أصلاً.

وتهدف هذه العملية إلى معالجة تحديات بيئية كبيرة، مثل: التغير المناخي وتآكل التربة، كما تعزّز التنوع البيولوجي، فضلاً عن فوائدها البيئية، مثل تحسين جودة الهواء. وتُسهم «إعادة التحريج» في خلق فرص عمل وتحسين الأمن الغذائي.

ومن أبرز هذه المبادرات «تحدي بون» (Bonn Challenge)، الذي أُطلق عام 2011 بوصفه حملة عالمية، تهدف إلى إعادة تأهيل 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة والغابات بحلول عام 2030.

وتشمل هذه المبادرة أساليب متعددة؛ مثل: الزراعة المكثفة لتكوين غابات جديدة لأغراض بيئية أو إنتاجية، والزراعة المختلطة التي تدمج الأشجار مع المحاصيل، أو تربية الحيوانات لزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى التجدد الطبيعي حيث تترك الطبيعة لاستعادة الغابات ذاتياً دون تدخل بشري.

وفي دراسة أُجريت من قِبل فريق بحث دولي من الدنمارك وكندا والولايات المتحدة، تم تحليل تأثير «إعادة التحريج» في تحسين مستويات المعيشة لدى 18 دولة أفريقية، ونُشرت النتائج في عدد 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من دورية «Communications Earth & Environment».

واعتمدت الدراسة على بيانات أكثر من 200 ألف أسرة بين عامي 2000 و2015. واستخدم الباحثون أساليب إحصائية دقيقة لتحديد العلاقة الإيجابية بين إعادة التحريج وتحسّن مستويات المعيشة.

واستندوا إلى مؤشرات متنوعة لقياس الفقر تشمل التعليم والصحة ومستويات المعيشة؛ حيث أظهرت النتائج أن زراعة الأشجار أسهمت بشكل مباشر في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، بالإضافة إلى آثار اقتصادية غير مباشرة. كما أظهرت أن مناطق زراعة الأشجار كان لها تأثير أكبر من مناطق استعادة الغابات الطبيعية في تخفيف حدة الفقر.

يقول الباحث الرئيس للدراسة في قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية بجامعة كوبنهاغن، الدكتور باوي دن برابر، إن الدراسة تطرح ثلاث آليات رئيسة قد تُسهم في تقليص الفقر، نتيجة لتوسع مزارع الأشجار أو استعادة الغابات.

وأضاف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الآليات تتمثّل في توفير الدخل من خلال بيع منتجات الغابات، مثل: المطاط أو زيت النخيل، ما يسمح للأسرة بزيادة مواردها المادية. كما أن زراعة الأشجار قد تؤدي إلى خلق فرص عمل للسكان المحليين، في حين يمكن أن تُسهم مناطق التجديد البيئي في تحسين الظروف البيئية، ما يفيد الأسر المحلية من خلال النباتات والحيوانات التي يمكن بيعها وتوفير دخل إضافي للسكان.

ووفقاً لنتائج الدراسة، هناك مؤشرات من بعض البلدان؛ مثل: أوغندا، وبنين، أظهرت زيادة في النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار مقارنة بتلك التي لا تحتوي عليها.

تأثيرات الاستدامة

كما أشارت الدراسة إلى أن برامج التشجير في أفريقيا التي تهدف إلى استعادة أكثر من 120 مليون هكتار من الأراضي عبر مبادرات، مثل: «السور الأخضر العظيم»، و«الأجندة الأفريقية لاستعادة النظم البيئية»، تمثّل جهداً كبيراً لمكافحة الفقر وتدهور البيئة.

وتُسهم نتائج الدراسة، وفق برابر، في النقاش المستمر حول استدامة تأثيرات زراعة الأشجار في التنوع البيولوجي والمجتمعات المحلية، من خلال تسليط الضوء على الفوائد المحتملة لهذه المبادرات عندما يتمّ تنفيذها بشكل مدروس ومتوازن. كما أظهرت أن مبادرات زراعة الأشجار، مثل «تحدي بون»، يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية للمجتمعات المحلية، سواء من حيث تحسين مستوى المعيشة أو تعزيز التنوع البيولوجي.

وتوصي الدراسة بأهمية مشاركة المجتمعات المحلية في هذه المبادرات بصفتها شرطاً أساسياً لضمان استدامتها ونجاحها، فالتفاعل المباشر للمجتمعات مع المشروعات البيئية يزيد من تقبلها وفاعليتها، مما يعزّز فرص نجاحها على المدى الطويل.