القطاع الصحي اللبناني أمام «رفع الأسعار» أو «الإفلاس»

فوضى في التسعير لا يمكن ضبطها

الأزمة الاقتصادية تنعكس سلباً على قطاع الاستشفاء في لبنان (أ.ف.ب)
الأزمة الاقتصادية تنعكس سلباً على قطاع الاستشفاء في لبنان (أ.ف.ب)
TT

القطاع الصحي اللبناني أمام «رفع الأسعار» أو «الإفلاس»

الأزمة الاقتصادية تنعكس سلباً على قطاع الاستشفاء في لبنان (أ.ف.ب)
الأزمة الاقتصادية تنعكس سلباً على قطاع الاستشفاء في لبنان (أ.ف.ب)

تتواصل التحذيرات من تأثير انهيار الليرة اللبنانية على القطاع الصحي الذي رفع صرخته محذراً من عدم قدرته على الاستمرار واتجاهه نحو الإفلاس في حال عدم إعادة النظر في تعريفة الاستشفاء بشكل يتلاءم مع ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية.
«لم تعد المستشفيات قادرة على الاستمرار»، يقول نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون. ويلفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن التعريفة المحدّدة من قبل وزارة الصحّة «وُضعت منذ 20 عاماً بناء على دراسة مشتركة بين الوزارة والبنك الدولي، ولم يطرأ عليها أي تغيير يلحظ التضخم الذي تراكم، ولكنّها اليوم لم تعد مقبولة بأي شكل من الأشكال مع تراجع قيمة الليرة اللبنانيّة وفقدانها أكثر من 80 في المائة من قيمتها».
ويشير هارون إلى أن الوزارة، وعلى سبيل المثال، «تحدد تعريفة غرفة المستشفى بـ90 ألف ليرة؛ أي 60 دولاراً على سعر صرف الدولار الرسمي (1515 ليرة) وما قيمته الحقيقية لا تتجاوز الـ8 دولارات (سعر السوق السوداء تجاوز 12 ألفاً) وكذلك تعريفة الولادة محدّدة بـ300 ألف وكانت قيمتها 200 دولار، والآن لا تتجاوز الـ27 دولاراً»، متسائلاً: «كيف يمكن لهذه التعريفات أن تغطي تكاليف المستشفى التي ارتفعت بمجملها ما عدا الأجور؟ فالمستشفيات تدفع تكلفة الصيانة والأكل والتنظيف والتعقيم والفندقية وجزءاً من المستلزمات الطبية على أساس سعر صرف الدولار في السوق السوداء».
وانطلاقاً من هذا الواقع، قامت نقابة المستشفيات الخاصة بدراسة مفصلة قدّمتها للجهات المعنيّة تقارن التكاليف مع التعريفة على أساس ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة، فتبيّن أنه «إذا كان الدولار يساوي 9500، فيكون الدولار الاستشفائي بـ4500؛ أي نحو النصف، وما يعني أن المستشفيات الخاصة تحتاج إلى رفع التعريفة الاستشفائية بنحو ثلاثة أضعاف حتى تستطيع الاستمرار».
ويتحدث هارون عن واقع صحي مهدد بالإفلاس، وعن غياب الحلول في الوقت الحالي؛ «إذ إن رفع التعريفة من قبل الجهات الضامنة غير ممكن، فهو يعرضها للإفلاس، وكذلك من الصعب تحميل الفرق للمواطن اللبناني الذي بات حالياً لا يرتاد المستشفيات إلى في الحالات الصحية الملحّة، فكيف في حال رفع التعريفة؟»، لافتاً إلى أن وضع القطاع الصحي «يتجه من السيئ إلى الأسوأ، والمستشفيات اليوم لا تعرف على أي أسس تحدد تعريفتها، وتسودها فوضى في التسعير لا يمكن تنظيمها».
هذا الواقع الصحي الذي وصل إلى حافة الانهيار يعبّر عنه أيضاً رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي، مشيراً إلى أن القطاع الصحي «أمام أمرين؛ أحلاهما مر، فإما رفع التعريفات الطبية، وهذا يؤدي إلى انهيار المؤسسات الضامنة، وإما أن يدفع المرضى الفروقات الكبيرة فيصبح الاستشفاء للأغنياء فقط».
ويوضح عراجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الخطر الأكبر حالياً على المريض «الذي رفع صوته مؤخراً يشكو من رفع بعض المستشفيات تعريفتها»، مضيفا أن اللجنة النيابية الصحية اجتمعت مع المستشفيات «التي أكدت عدم قدرتها على الاستمرار في حال عدم رفع التعريفة 3 أو 4 أضعاف؛ الأمر الذي أكدت الجهات الضامنة عدم قدرتها عليه؛ فهو يعرضها للإفلاس، لا سيما أن ميزانياتها لم تتغيّر».
ويحذّر عراجي من خطورة انهيار القطاع الصحي وغياب الأمن الصحي على المجتمع؛ «إذ قد يؤدي إلى انفجار حقيقي بدأت بوادره تظهر من خلال تكرار حدوث مشكلات بين المرضى والمستشفيات».
من جهته، لا ينفي المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، محمد كركي، الحاجة إلى إعادة النظر في التعريفات الاستشفائيّة، «ولكن هذا يتطلب أمرين؛ الأول استقرار سعر الليرة حتى يتاح للمعنيين تحديد التعريفة الجديدة على أسس ثابتة. والثاني تأمين الأموال اللازمة».
ويوضح كركي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الضمان الاجتماعي رفع مؤخراً تعريفة الغرفة العادية وغرفة العناية الفائقة لمريض «كورونا»، وتعريفة جلسة غسل الكلى، «مما سيكلف الضمان 35 مليار ليرة إضافية سنوياً»، مشيراً إلى أن «هذا هو أقصى ما يمكن أن يقدمه الضمان حالياً».
ويلفت كركي إلى أن الضمان لا يستطيع تمويل أي رفع بالتعريفة، «فهو أصلاً يعاني من مشكلات في التمويل تعود إلى تراجع رسوم الاشتراكات بسبب فترات السماح التي أقرتها الدولة، فضلاً عن عدم دفع الدولة اللبنانية ديونها للضمان؛ البالغة 4 آلاف و500 مليار»، مشيراً إلى أن «الضمان قد يواجه لاحقاً مشكلات في التقديمات بالتعريفات الحالية في حال عدم دفع الشركات الاشتراكات وعدم تسديد الدولة ديونها».
أمام هذا الواقع، يجمع المعنيون على أن الحل الوحيد المتاح حالياً هو الحصول على هبة دولية مخصصة لدعم القطاع الصحي في لبنان، وفي هذا الإطار يلفت عراجي إلى أنه قد يتم اللجوء إلى رفع توصية إلى المؤسسات الصحية الدولية لدعم القطاع الصحي اللبناني.
وكذلك يرى كركي أن الهبات الدولية؛ وليست القروض، قد تنقذ الوضع حالياً، عاداً أن الجهات الدولية المانحة إذا لم تكن لديها ثقة بالسلطة، «فيمكن أن تثق بالضمان لأن أرقامه واضحة وشفافة».



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.