اتساع مظاهرات «المحاضرين المجانيين» بالعراق

احتجاجات في 7 محافظات ضد عدم إنصافهم بالموازنة

TT

اتساع مظاهرات «المحاضرين المجانيين» بالعراق

تظاهر الآلاف من المحاضرين المجانيين بالمدارس والثانويات في 7 محافظات عراقية، أمس، وحاصروا وأغلقوا مباني إدارات التربية احتجاجاً على عدم إنصافهم في قانون الموازنة المالية العامة الذي أقره البرلمان الأسبوع الماضي، ولم يتضمن حلاً لمشكلتهم القائمة منذ سنوات من خلال توظيفهم بالقطاع العام أو ربطهم بعقود أصولية مع الدولة.
وبعد خروج المحاضرين، أول من أمس، في مظاهرة غاضبة بمحافظة الديوانية الجنوبية، قاموا خلالها بإغلاق شارع مبنى المحافظة ومديرية التربية، خرج آلاف آخرون منهم أمس، في 7 محافظات، هي: النجف، وذي قار، وبابل، وديالى، والمثنى، والديوانية، وواسط، ويتوقع أن يخرج باحتجاجات مماثلة، اليوم الاثنين، آلاف المحاضرين في العاصمة بغداد. وتمثل احتجاجات المحاضرين أبرز حالة عدم رضا، من بين حالات كثيرة، على قانون الموازنة المالية الاتحادية الذي أقره البرلمان الأسبوع الماضي.
وكان المحاضرون خرجوا في مناسبة كثيرة خلال السنوات الماضية بمظاهرات احتجاجية ونظموا اعتصامات غير قليلة في مسعى للضغط على السلطات لإرغامها على توظيفهم أو تنظيم عقود عمل أصولية معهم من دون جدوى. وبرزت مشكلة المحاضرين المجانيين أمام وزارة التربية والحكومات العراقية منذ نحو 10 سنوات من دون أن تنجح السلطات العراقية في إيجاد حل لها. وتضطر أعداد كبيرة من الخريجين وغير الخريجين إلى الالتحاق بسوق العمل التربوي مجاناً على أمل الحصول لاحقاً على عقود أصولية أو توظيف دائم.
ويقدر المحاضر المجاني أحمد محسن أعداد المحاضرين في المدارس الابتدائية والثانوية بنحو 250 ألف محاضر، إلى جانب أعداد أخرى من العاملين مجاناً في مجال الخدمات والتنظيف في المدارس. ويقول محسن لـ«الشرق الأوسط»: «التحقت بالتعليم المجاني منذ عام 2017 من دون أن أحصل على أي أجر، باستثناء 125 ألف دينار (نحو 80 دولاراً) عن كل شهر مخصصة لأجور النقل، وهناك من يعمل بالطريقة نفسها منذ عام 2012». ويضيف أن «ما يدعو للغضب حقاً هو أن القوى السياسية في البرلمان وجدت حلولاً لغالبية جماعات الأجور والمفسوخة عقودهم في وزارت الكهرباء والدفاع والداخلية و(الحشد الشعبي)، لكنها لم تجد حلاً لنا نحن جماعات التربية، وأبقت الأمور على حالها من خلال إعطائنا مبلغاً مالياً تافهاً كل شهر».
ويؤكد محسن أن «بعض القوى السياسية صارت تستثمر انتخابياً في ملف المحاضرين المجانيين، عبر إضافة آلاف الأسماء الجديدة من خريجي السنوات الأخيرة لكسب تعاطفهم والحصول على أصواتهم، من دون أن تقوم بحل مشكلة المحاضرين القديمة، لذلك ازدادت الأعداد مؤخراً بطريقة مخيفة، ستساهم في تضخيم المشكلة وتعقد حلها».
في سياق متصل، واجه رئيس اللجنة المالية في البرلمان، هيثم الجبوري، حملة انتقادات واسعة من قبل أعضاء في البرلمان والمحاضرين المجانيين، واتهموه بعرقلة إبرام عقود أصولية معهم ومنع تثبيتهم على ملاك وزارة التربية الوظيفي الدائم، وتداول ناشطون، أمس، «فيديو» حرق منزل الجبوري في محافظة بابل على يد غاضبين من جماعات المحاضرين، مما دفع به لنفي ذلك عبر بيان. وقال الجبوري إن خبر حرق منزله «غير صحيح، والفيديو الذي انتشر بشأن الحرق يعود إلى العام الماضي». وكان متظاهرون من جماعات «حراك تشرين» قاموا بحرق منزله العام الماضي.
وذكر الجبوري في بيانه أنه «أول شخص ثبت حقوق المحاضرين والإداريين والعاملين في القطاع التربوي وبمعية الأعضاء في اللجنة المالية». وأكد أنه «جرى الاتفاق مع المحاضرين بأن اللجنة ستضع التخصيص المالي وتضع إلزاماً على وزارة التربية بإصدار أوامر مباشرة للمحاضرين والإداريين وغيرهم وحسب النص القانوني في الموازنة، وتخصيص بمقدار 900 مليار دينار». وتابع أن «مسألة تحويلهم لعقود أو أجور أو تثبيتهم مسألة حكومية لا علاقة لقانون الموازنة بها».
بدوره، أكد رئيس لجنة التربية النيابية، قصي الياسري، أمس، سعي اللجنة لإيجاد حل لملف المحاضرين المجانيين بعد عدم تضمينهم في موازنة 2021. وكان الياسري اتهم، أول من أمس، رئيس اللجنة المالية هيثم الجبوري، برفع فقرة تحويل المحاضرين المجانيين إلى عقود ضمن موازنة 2021.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.