روسيا - أوكرانيا: بوتين يختبر عزم الغرب (تحليل إخباري)

روسيا - أوكرانيا: بوتين يختبر عزم الغرب (تحليل إخباري)
TT

روسيا - أوكرانيا: بوتين يختبر عزم الغرب (تحليل إخباري)

روسيا - أوكرانيا: بوتين يختبر عزم الغرب (تحليل إخباري)

يغيب الصراع الروسي – الأوكراني عن واجهة الأنباء مدة من الزمن ليعود ويحتل الشاشة مجدداً محمّلاً بأخطار جديدة وأبعاد لم تكن له في الجولات السابقة. هكذا استؤنف التوتر على الحدود الروسية الأوكرانية وعادت مشاهد الدبابات الروسية المتوجهة إلى الغرب والجنود الأوكرانيين في خنادقهم لتسيطر على نشرات الأخبار.
وفي كل مرة يتصاعد فيها التوتر بين موسكو وكييف، تبدو العودة إلى تاريخ العلاقات الروسية - الأوكرانية مغرية لتفسير بعض أوجه النزاع الحالي. وتعود العلاقة إلى مئات الأعوام، وشهدت تقلبات عدة بدءاً من «إمارة كييف» التي تعد الكيان السياسي الأم للدولة الروسية ومهد الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية والروسية مروراً بتسليم الكومنولث الليتواني – البولوني أوكرانيا إلى موسكو في القرن السابع عشر وصولاً إلى القضاء على محاولات الاستقلال الأوكرانية عن روسيا بعد انهيار إمبراطورية آل رومانوف وضمّها إلى الاتحاد السوفياتي الوليد وصولاً إلى انحياز بعض الأوكرانيين إلى الاحتلال الألماني وقتالهم ضد القوات السوفياتية في الحرب العالمية الثانية واستقلال أوكرانيا في 1991 وبروز مشكلة شبه جزيرة القرم، ناهيك بالتداخل الديموغرافي في منطقة الدونباس ذات الأكثرية الروسية. هذه عناصر تجعل العلاقات الأوكرانية – الروسية أرضاً خصبة للتحالفات كما للصراعات.
في المرحلة الحالية، تسيطر رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على عالم السياسة الخارجية الروسي. تتلخص هذه الرؤية في منع تكرار ما حصل في تسعينات القرن الماضي من تدهور في مكانة البلاد ومستوى معيشة السكان وانقلاب القوى العظمى السابقة إلى ما يشبه بلداً من العالم الثالث في مؤشراته التنموية وفي درجة احترام الغرب له.
وفي وقت تشير الاستطلاعات المتاحة إلى تدهور شعبية الرئيس الروسي وإلى وجود مناخ على استعداد، في أقل تقدير، للأخذ بوجهة نظر المعارض السجين ألكسي نافالني، وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد من تراجع كبير بسبب تقلبات أسعار النفط الذي اعتمد بوتين على صعوده في العقدين الأولين من القرن الحالي لترسيخ حكمه وإنفاق المال على البنية التحتية وعلى تجديد القوات المسلحة ووسط تفشي وباء «كورونا»، تبدو مساعي أوكرانيا للتقرب من الغرب بمثابة التحدي المباشر لموسكو التي تراهن على ضعف مؤسسات الدولة الأوكرانية خصوصاً تلك الدفاعية والأمنية وعلى هشاشة حكم الرئيس فلودومير زيلنسكي وعدم قدرته على خوض مواجهة قاسية مع بوتين.
صحيح أن بيانات كييف تتحدث عن عشرات من خروقات وقف إطلاق النار في دونتسك وسقوط 22 قتيلاً من الجنود الأوكرانيين منذ بداية العام الحالي، إلا أن المناوشات المستمرة في تلك المنطقة شيء واندلاع قتال واسع النطاق بين الجيشين الروسي والأوكراني شيء آخر تماماً. والأرجح أن التوتر الحالي سيتواصل في الأسابيع المقبلة تحت شعار إجراء الجانبين لمناورات عسكرية أو اتخاذ الجيش الروسي إجراءات دفاعية مقابل التدريبات التي تُجريها قوات من حلف شمال الأطلسي مع الجيش الأوكراني في وقت لاحق من أبريل (نيسان) الحالي، لكن النظر إلى خلفية المسألة يُظهر أن ما يهم بوتين ليس أوكرانيا بذاتها ولا الأقلية الروسية التي أعلنت جمهورية غير معترف فيها في دونتسك بل دفع الغرب خصوصاً الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الحد الأقصى من التوتر.
فروسيا التي سحبت سفيرها من واشنطن بعدما وصف بايدن نظيره الروسي بـ«القاتل» في خطوة ليست لها سابقة حتى في أكثر أيام الحرب الباردة خطراً، تريد فرض جملة من القواعد على الإدارة الأميركية الجديدة تختلف عن تلك التي سادت في أثناء عهد دونالد ترمب. من هذه القواعد الاعتراف الأميركي بندّية روسيا على الساحة الدولية وعدم التعامل معها من موقع القوة. وقد يبدو هذا الطلب صعباً نظراً إلى الإخفاق الذي يلاحق الدبلوماسية الروسية في كل الملفات التي تعد نفسها معنية بها خصوصاً الفشل الدائم في إنجاز حل سياسي للمأزق السوري. إضافة إلى عدم امتلاك موسكو الروافع المالية لتنفيذ سياساتها على النحو الذي تفعله الصين ما يجعلها تعتمد أكثر على التهديد بالقوة على النحو الذي تفعله في أوكرانيا.
لكن السؤال الكبير: هل يندفع بوتين إلى حرب مفتوحة في أوكرانيا لإثبات موقعه ودور روسيا المستعاد؟ إذا قيس المستقبل على الماضي واستُعيد تاريخ الرجل في الحروب التي شنّها في جورجيا في 2008 وفي شبه جزيرة القرم ودعمه الانفصاليين الروس في شرق أوكرانيا في 2014 والتدخل في الحرب السورية في 2015، يمكن الاستنتاج أن بوتين لا يقْدم على مغامرات يواجه فيها خصوم وازنين ومصممين على القتال. وأن استراتيجيته تقوم على انتهاز مواضع الضعف والتردد عند الأعداء على نحو ما فعل في الصراعات المذكورة.
من هنا تبدو تأكيدات بايدن لنظيره الأوكراني أن الولايات المتحدة ستقف «كتفاً إلى كتف» مع كييف في مواجهة التهديدات الروسية، من العلامات التي قد تحمل بوتين على إعادة حساباته فيما يتعلق بتصعيد الموقف الميداني في الجنوب الغربي لروسيا.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.