احتدام «حرب العقوبات» وموسكو تنتقد «قانون قيصر»

TT

احتدام «حرب العقوبات» وموسكو تنتقد «قانون قيصر»

تصاعدت حدة النقاشات بين موسكو والغرب حول ملف العقوبات المفروضة على سوريا. وفي مقابل تأكيد مسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا على تحميل الحكومة السورية مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية، وتأكيد عدم التوجه لرفع العقوبات قبل تثبيت تسوية سياسية نهائية، صعدت موسكو من لهجتها حيال «قانون قيصر» الأميركي، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن البلدان الأوروبية «مرعوبة» من هذا القانون لأنه يغلق أي طريق أمام فتح مجالات للتعاون مع دمشق. وتزامنت التطورات مع إعلان دمشق تحديث لائحتها الخاصة بالعقوبات، وضمت النسخة المحدثة 700 شخصية، بينهم مسؤولون عرب وأجانب وكيانات معارضة.
وفي الأثناء، شهدت موسكو تطوراً غير مسبوق مع إصدار منظمات حقوقية غير قانونية تقريراً نادراً يكشف انتهاكات قام بها الجيش الروسي على الأراضي السورية.
وقال لافروف، في حديث تلفزيوني مساء الجمعة، إن «كثيراً من المحاورين الأوروبيين (مرعوبون) بسبب لائحة العقوبات الأميركية المفروضة على الحكومة السورية بموجب قانون (قيصر)»، مشيراً إلى أن القانون يضع عراقيل أمام توجه أي طرف إقليمي أو دولي للتعاون مع دمشق لتحسين الظروف المعيشية أو إدارة الشؤون الاقتصادية في سوريا. وأوضح الوزير الروسي أن «محاورين في أوروبا، وفي المنطقة أيضاً، يقولون همساً إنهم مرعوبون من أن هذا القانون منع أي فرصة بطريقة ما للتعاون الاقتصادي مع سوريا».
وأضاف أن الهدف من القيود المفروضة على دمشق قد تم الإعلان عنه، وهو «خنق الشعب السوري حتى ينهض، ويسقط بشار الأسد». وكرر الموقف الروسي الذي يحذر من تأثير العقوبات على السكان المدنيين، وقال لمحاوريه: «انظروا ماذا يحدث الآن في سوريا نتيجة قانون قيصر».
وحملت عبارات لافروف رداً مباشراً على تصريحات مسؤولين غربيين حول هذا الموضوع. وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قد قال قبل يومين إن «الفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية على أيدي نظام (الرئيس بشار) الأسد أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الرهيبة التي تزايدت أكثر بفعل التحدي المتمثل في فيروس (كورونا)».
وأكد المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، أن «تصرفات النظام هي المسؤول الأول عن اندلاع الأزمة الإنسانية، وليس عقوبات الاتحاد الأوروبي».
وفي غضون ذلك، نشرت دمشق، أمس، النسخة المعدلة من لائحة عقوباتها على شخصيات وكيانات سورية وأجنبية، وفقاً لقوانين مكافحة الإرهاب المحلية.
وشملت اللائحة المحدثة التي أقرتها «هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» التابعة للنظام السوري أسماء أكثر من 600 شخصية سياسية وطبية وإعلامية وأكاديمية ودينية وغيرها، من السوريين والعرب والأجانب، إضافة إلى أكثر من 100 جمعية وهيئة وكيان.
ومن أبرز المدرجين على القائمة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض نصر الحريري، وأول سفير منشق عن النظام نواف الشيخ فارس، ورئيس الوزراء التركي سابقاً أحمد داود أوغلو، والممثل السوري عبد الحكيم قطيفان، وشخصيات سورية معارضة.
وفي غضون ذلك، دعا تقرير نادر أصدرته منظمات حقوقية غير حكومية الروس إلى التعرف على «التجاوزات التي ارتكبتها» بلادهم منذ بدء التدخل العسكري في سوريا.
ونشر التقرير، وهو الأول لمنظمات غير حكومية روسية المخصص للنزاع السوري، بمناسبة الذكرى العاشرة للحرب في هذا البلد، وهدف إلى تسليط الضوء على ضحايا العمليات العسكرية الروسية، وهو موضوع لا تتطرق إليه عادة وسائل الإعلام الموالية للكرملين.
وتناقض نتائج التقرير الخطاب الرسمي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يقول إن جيشه خاض معركة لإنقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد من «إرهابيين».
ورأى التقرير الذي أعدته أبرز منظمة غير حكومية روسية (ميموريال)، مع عدة منظمات أخرى، أن التدخل الروسي في سوريا «أدى إلى تغيير مسار الحرب، لكن الثمن كان سقوط كثير من الضحايا المدنيين».
واستند التقرير الواقع في مائتي صفحة إلى شهادات أكثر من 150 شاهداً على الأحداث في سوريا. وقال معدو التقرير إن «الغالبية الساحقة ممن تحدثنا معهم لا يرون أن روسيا منقذة، وإنما قوة أجنبية مدمرة ساهم تدخلها العسكري والسياسي في تقوية مجرم الحرب على رأس بلادهم».
وأضافت الوثيقة أن «بعض الذين ردوا على الأسئلة كشفوا أنهم هم أو أقاربهم كانوا ضحايا القصف الروسي». وحث التقرير موسكو على إجراء تحقيقات مستقلة في عمليات القصف التي قام بها جيشها في سوريا، ودفع تعويضات للضحايا.
ولم يتمكن معدو التقرير من دخول سوريا، لكنهم استجوبوا سوريين فروا من الحرب، في لبنان والأردن وتركيا وألمانيا أو داخل روسيا.
وتتهم الوثيقة التي استغرق إعدادها عامين موسكو بارتكاب تجاوزات عبر قصف مدنيين بشكل عشوائي، أو مساندة نظام متهم بارتكاب فظاعات، مثل استخدام أسلحة كيماوية أو استخدام سلاح التجويع ضد مدن محاصرة.
وقالت سيدة من سكان حي الوعر الذي كان معقلاً للمعارضة في حمص (شرق)، وخضع لحصار بين 2013 و2016، إنه «بعد ستة أشهر من بدء القصف الروسي، كان هناك عدد ضحايا أكثر مما سجل خلال عامين من القصف السوري».
وقال معدو التقرير إنهم يريدون أن يقرأ أكبر عدد ممكن من الروس تقريرهم، وأن «يدركوا مسؤولياتهم فيما حصل باسمهم في سوريا». وأضافوا: «نشعر بالمرارة والخجل في الوقت نفسه من الطريقة التي ينظر بها السوريون الذين قابلناهم إلى الروس».
وشكل هذا التطور ثاني حلقة في تحركات منظمات حقوقية معارضة في روسيا في الفترة الأخيرة، بعدما كانت هذه المنظمات قد تجاهلت الغوص في تطورات الوضع في سوريا خلال السنوات الماضية.
وجاء التطور الأول في 11 مارس (آذار)، عبر تقديم شكوى جنائية في العاصمة الروسية ضد مقاتلي مجموعات «فاغنر» شبه العسكرية. ولعبت صحيفة «نوفايا غازيتا» المعارضة التي كانت بين الأطراف التي أثارت ملف مشاركة المرتزقة الروس في المناطق الساخنة دوراً حاسماً في تجميع المعلومات اللازمة لتقديم الدعوى الجنائية، بالتعاون مع «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» و«الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان»، ومركز «ميموريال» لحقوق الإنسان في موسكو.
وتم تقديم الشكوى نيابة عن شقيق أحد الضحايا الذين لقوا مصرعهم على أيدي مقاتلي «فاغنر»، وهو شاب أقدم مسلحو المجموعة على تعذيبه وقتله والتمثيل بجثته في يونيو (حزيران) 2017 في بادية حمص.
وعلى الرغم من تضاؤل الآمال في وصول الشكوى القضائية إلى ساحات المحاكم في روسيا، قال المركز السوري للإعلام وحرية التعبير بعد تقديم الشكوى، في بيان، إن هذه الدعوى تعد المحاولة الأولى من نوعها من قبل عائلة ضحية سورية لمحاسبة المشتبه بهم الروس على الجرائم الجسيمة المرتكبة في سوريا.



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.