اقتصاديون ومراقبون ينتقدون موازنة العراق

وجدوا أنها لا تعالج الخلل الاقتصادي... ومررت وفق أجندة سياسية

TT

اقتصاديون ومراقبون ينتقدون موازنة العراق

رغم الترحيب الواسع الذي أعقب تصويت البرلمان العراقي على قانون الموازنة الاتحادية، الأربعاء الماضي، على صعيد الشخصيات والقوى السياسية وإلى حد ما من قبل بعض الاتجاهات الشعبية التي استجابت الموازنة لمطالبها المتعلقة بالتوظيف على القطاع العام بتحويل العقود المؤقتة إلى دائمة وإطلاق مستحقات مالية لبعض الفئات كانت قد أوقفت في الأشهر الماضية، فإن خبراء ومراقبين للشأن الاقتصادي نشطوا في اليومين الأخيرين وسجلوا قائمة طويلة من الاعتراضات والانتقادات لبنود ومقررات كثيرة وردت في الموازنة، وعدها كثيرون «نسخة مكررة» عن الموازنات السابقة التي أقرت وفق صفقات ذات طابع سياسي بين القوى السياسية النافذة، إلى جانب أنها لم تراعِ تنشيط الأوضاع الاقتصادية في البلاد من خلال تخصيص الأموال اللازمة للاستثمار، إلى جانب انعكاساتها الثقيلة على الطبقات السكانية الفقيرة خاصة مع خفض قيمة الدينار العراقي وصعود أسعار معظم السلع المواد الغذائية.
وكانت النائبة عن ائتلاف «دولة القانون» عالية نصيف، قالت عشية إقرار الموازنة إنها أقرت استنادا لصفقة سياسية يذهب خلالها «منصب رئاسة الجمهورية إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، ورئاسة الوزراء إلى جهة شيعية (في إشارة إلى التيار الصدري) وتجديد ولاية أخرى لأحد الرؤساء الثلاثة (في إشارة إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي)». ورأت أن الاتفاق يمتد إلى مرحلة ما بعد الانتخابات العامة المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
ويتفق الموقع الرسمي لـ«شبكة الاقتصاديين العراقيين» على أن «صاحب القرار في مجلس النواب استمر في تفضيل الإنفاق الجاري على حساب الإنفاق على المشاريع التنموية ولأسباب انتخابية». وأشار الموقع إلى أنه وفي مقابل «تخفيض حجم الإنفاق الكلي من 164 تريليون دينار إلى حوالي 130 تريليون دينار (الذي أقرته الموازنة) ومعه تم تخفيض العجز المخطط من 71 تريليون إلى حوالي 29 تريليون دينار، لم يتم إصلاح الخلل الهيكلي المزمن في السياسة المالية وفي النهج الريعي وتوزيع الثروة المحاصصاتي المتبع في تصميم الموازنات منذ عام 2007». ورأى أن «التخصيصات للمشاريع التنموية والتي تولد فرص عمل لجيوش العاطلين لم تحظ بأهمية الإنفاق الجاري نفسها وخصص لها مبلغ 30 تريليون دينار فقط منها 5 تريليون بقروض خارجية، أي ما نسبته 23 في المائة من إجمالي الإنفاق». وأضاف أن «الظروف الحالية التي يمر بها الاقتصاد العراقي من كساد وبطالة تتطلب إعطاء حصة أكبر للجانب الاستثماري لا تقل عن 40 في المائة من إجمالي الأنفاق».
وتساءل أستاذ الاقتصاد عماد عبد الطيف سالم بنوع من السخرية في مدونته عبر «فيسبوك»: «أين هو الإصلاح الاقتصادي المالي الموعود والمُستهدَف» في هذه الموازنة؟ بماذا تختلف، كمنهجية إعداد عن جميع الموازنات العامة منذ تأسيس الدولة العراقية وإلى هذه اللحظة؟». وأضاف: «أين هي شعارات وأهداف وتوجّهات (الورقة البيضاء)» في إشارة إلى ورقة الإصلاح الاقتصادي التي طرحتها الحكومة قبل أشهر. ورأى سالم أن «ما حدث هو أنّ كاتب السيناريو في هذه المسرحيّة، لم يكن مسموحاً له بأن يتلاعب بالنصّ الأصلي للمؤلّف». وتابع «أما المُستفيدونَ وأصحاب المصلحة والشركاء الحقيقيون في وليمة الموازنة، فقد اتفقوا أخيراً على تقاسم الحصص والمغانم، وهذا هو الهدف الرئيسي من كلّ الصخب والتهويل وإعلان التعبئة العامّة».
وعبر الصحافي ورئيس تحرير جريدة «الصباح» السابق فلاح المشعل عن أسفه على أن «تدفع الحكومة للبرلمان موازنة معادية للمستوى المعيشي للطبقات الوسطى والفقيرة وتدفع بها لحافات الفقر وغالبيتهم من موظفي الدولة».
ورأى المشعل في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنها «تخلو من فرص التنمية العملية وتركز على زيادة مدخولات خزينة الدولة على حساب المواطن وإثقاله بالضرائب كما في المادة (18 - أولا)، فهناك ضريبة 20 في المائة على كارت الهاتف الجوال و25 ألف دينار يدفعها المسافر ضريبة مطار، إضافة لفرض ضريبة 100 في المائة على السجائر مع أن أسعار تلك المفردات مرتفعة أصلا». وأضاف: «وإذا ما أخذنا سعر صرف الدولار المثبت بالموازنة بـ1450 دينارا عراقيا وما يقابله من ارتفاع أسعار السوق المحلية، فإن المواطن يكون بذلك قد خسر نحو 25 في المائة من قيمة وارده المعيشي لصالح الحكومة».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.