التدابير التقنية تغطي مؤقتاً الفشل السياسي باحتواء أزمات لبنان

الرئيس السابق للرقابة يقترح... وخبيران يعلقان على «خريطة طريق» للخروج من النفق النقدي والمصرفي

التدابير التقنية تغطي مؤقتاً الفشل السياسي باحتواء أزمات لبنان
TT

التدابير التقنية تغطي مؤقتاً الفشل السياسي باحتواء أزمات لبنان

التدابير التقنية تغطي مؤقتاً الفشل السياسي باحتواء أزمات لبنان

يتواصل تفشي الإحباط بوتيرة متسارعة في كل مفاصل الاقتصاد اللبناني وقطاعاته الحيوية، مزخماً بشبه الانسداد الداخلي في مقاربة الملف الحكومي الشائك والذي ينتج تمادياً ثقيلاً في تأخير المفاوضات المعلقة مع صندوق النقد الدولي. وبحدث هذا رغم الإقرار الجماعي بأن حصيلة التفاوض باتت فاصلة لجهة إمكانية إعادة انتظام المؤسسات واحتواء فجوات الخسائر الهائلة، من خلال الحصول على برنامج تمويلي. وهو الشرط اللازم أيضاً لانسياب الدعم الخارجي وتعاون الدول والمؤسسات التواقة لمد يد العون إلى البلد المنكوب.
وفي هذه الأثناء، تبقى الفوضى النقدية المتعاظمة إلى حد فقدان العملة الوطنية نحو 90 في المائة من قيمتها الإبرائية والشرائية، مكمن الخطر الأكبر الذي لا تقتصر أضراره على مدخرات المواطنين ومعيشتهم فحسب، بل هي تشي بالتحول إلى وقود لفوضى اجتماعية وربما أمنية. وذلك تحت وطأة تعاظم الأضرار التي تطوق نحو 60 في المائة من المقيمين دون خط الفقر، وتكاد تضم إليهم فئات جديدة لتصل النسبة إلى 80 في المائة، عقب تلاشي قدرات الطبقات الوسطى بفعل الاقتطاع من المدخرات المحبوسة في البنوك.
ريثما تنضج «طبخة» التسويات السياسية في إدارة التعامل مع الاستحقاقات الداهمة والآنية في لبنان، تتكرر المحاولات التقنية لكبح سرعة التدهور واحتواء ما أمكن من النتائج والمؤشرات الكارثية التي تتدحرج ككرات الثلج على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. وفي آخر تجليات المعالجات غير السياسية، عودة مصرف لبنان (البنك المركزي) إلى ميدان التداولات النقدية عبر منصة ثلاثية الضلع تشاركه فيها المصارف وشركات الصرافة.
هذه المشهدية المتناقضة بوقائعها وبمقارباتها تثير الكثير من الأسئلة، وتطرح جدلية موضوعية بشأن مدى نجاعة البُعد التقني، بموازاة توالي الفشل على الجبهة السياسية، وقرب نضوب احتياطات العملات الصعبة لدى مصرف لبنان. وهو ما سعت «الشرق الأوسط» إلى سبر أجوبته، ضمن سياق مقاربة أحدث التدابير النقدية التي تترقبها الأسواق، مع ثلاثة من كبار المعنيين والمتابعين عن كثب للشأن الاقتصادي عموماً والقضايا النقدية والمالية على وجه الخصوص، هم: الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، والمدير العام لمصرف «فيرست ناشونال بنك» نجيب سمعان، والخبير المصرفي داخل لبنان وخارجه الدكتور جو سرّوع.
- حمود: خريطة المعالجة مسؤولية الدولة أولاً
عن هذه المستجدات وماهيتها ونتائجها المتوخاة، يقول سمير حمود «بداية، لا بد من الإقرار بأن الوظيفة الأصلية للبنوك هي الائتمان عبر ضخ ما تجمعه من مدخرات. أما في حالة القطاع المصرفي اللبناني، فهو يحمل كتلة نقدية يصعب تذويبها أو تسييلها وفق الآليات التقليدية المعروفة. هذه الكتلة البالغة نحو 105 مليارات دولار أميركية حالياً، وتمثل إجمالي الودائع هي متجمدة فعلياً، ويتعذّر صهرها طبيعياً إلا من خلال ثلاث قنوات رئيسية، هي: الاستمرار بالسحوبات، والتخزين في المنازل أو التحويل إلى الخارج... إضافة إلى استخدام الأرصدة لتغطية مديونية قائمة. بينما يؤول استعمال المدخرات لشراء عقارات مثلاً إلى تغيير هوية المودع فقط، ومن دون تحقق هدف احتواء جزء من الكتلة المنتقلة من شخص إلى آخر».
في الوضعية السارية حالياً، يوضح حمود، فإنه ومع الانسداد التام لقناتي السحب النقدي للدولارات أو تحويلها إلى الخارج وعقم المبادلة بالعقارات، عمد البنك المركزي إلى فتح مسرب جانبي عبر إتاحة صرف الودائع الدولارية بالليرة ضمن قيود للكميات وسقف للسعر عند 3900 ليرة لكل دولار. وهذا يعني عملياً، أن سحب كامل الأرصدة سيتوزع على 20 سنة بالحد الأدنى، باعتبار أن المتوسط المشروط للسحوبات يبلغ نحو 5 مليارات دولار سنوياً. وللعلم، جرى سابقاً استخدام جزء من الودائع المجمدة لتسديد نحو 18 مليار دولار من الديون العاملة، وباتت الأمور أكثر صعوبة حالياً إلا في حال شراء قرض عقاري لعميل.
بذا؛ كما يؤكد الرئيس السابق للرقابة المصرفية، فإن النظام المصرفي «دخل في حالة جمود بسبب حيازته كتلة نقدية كبيرة تتعدى المائة مليار دولار غير قابلة للتسييل أو الاستخدام ولا حتى التذويب. بل إن القطاع يكاد يتصف بأنه غير قابل للحياة، ولا سبيل لإعادة إنعاشه من دون المرور الحكمي بحزمة متطلبات رئيسة، يتصدرها ضخ رساميل جديدة بدولار جديد (فريش)، وودائع وتسليفات على المنوال عينه. ويليها إعادة تنظيم السيولة وضبطها، وأيضاً إدارات جديدة وملكيات جديدة، وربما اعتماد أسماء جديدة للبنوك. أن التزام هذه الموجبات من قبل المصارف العاملة سيفضي إلى خلق كيانات مصرفية جديدة يمكن أن تنشأ كوحدات مستقلة بالكامل داخل البنوك أو إنشاء بنوك جديدة تكون مؤهلة لاستقطاب مساهمات خارجية».
«هذا مسار استراتيجي يتعذر من دون سلوكه جذب ودائع جديدة»، كما يجزم سمير حمود. أما بخصوص الودائع الحالية «فنحن لا ننشد أي تدخل من قبل الدولة، ولا نتوقع أن تقدر على تعويم أي مصرف على غرار التجارب الدولية. ومن المنطقي أنه على المصرف العاجز عن إعادة تكوين حصانته الخروج طوعاً من السوق تحت مظلة البنك المركزي الملتزم بكامل الحقوق المتوجبة، ولا سيما الزبائن والموظفين».
ويتابع حمود شرحه، فيقول، إن «إبراء الدولة من مهام الكفالة والحماية للقطاع المصرفي الوطني لا يمكن أن يعفيها من موجب أداء ديونها واحترام التزاماتها تجاه الدائنين، وفي مقدمهم البنك المركزي. فهذه المؤسسة شخصية معنوية من القطاع العام، أي أن ملكية البنك تعود للدولة، بدليل أنه في حال تحقيق أرباح لديه فهو ملزم بحصة 80 في المائة تعود إلى الخزينة، أي لصالح الدولة. والبديهي أن (غُنم) الربح للمستفيد وجوباً يقتضي مشاركته بالـ(غُرم) عند حصول خسائر أو عجز».
ثم يوضح «كذلك من الضروري الإشارة إلى الدولة اللبنانية مدينة حالياً (على الورق) بنحو 65 مليار دولار لصالح البنك المركزي والجهاز المصرفي. وما اقترحه أن تقوم الدولة بإصدار سندات دين جديدة متدنية الفوائد قد تصل إلى الصفر وطويلة الآجال لمدة تصل إلى 20 سنة، بهدف استبدال ديونها القائمة لصالح البنك المركزي بنحو 55 مليار دولار محرّرة بالليرة ولصالح المصارف بنحو 10 مليارات دولار لقاء سنداتها الدولية. بذا تتحقق تغطية الفجوة في ميزانية مصرف لبنان ويتاح له تيسير توظيفات المصارف لديه. وهذا، مع أن الجزء الأكبر من الاستبدال سيكون ضخاً من مال الدولة في المؤسسة المموّلة وهي من القطاع العام أيضاً».
واستطراداً، يشرح حمود آليات «خريطة الطريق» التي لقيت اهتماماً نيابياً ومصرفياً، فيقول «ضخ هذه الكتلة بمبلغ 65 مليار دولار، ولو بسندات آجلة لمدة 20 سنة، سيعزز مكانة احتياطات البنك المركزي البالغة حالياً نحو 15 مليار دولار. وتوازياً يجري إعادة هيكلة ميزانيات البنوك التي تبلغ موجباتها من الودائع 105 مليارات دولار، بينما هي تملك نحو 25 مليار دولار كتسليفات عاملة في القطاع الخاص، ولديها نحو 70 مليار دولار كتوظيفات في البنك المركزي، يضاف إليها 10 مليارات دولار كسندات جديدة تصدرها الدولة بديلاً من سندات (اليوروبوندز)، فتكون الحصيلة متطابقة محاسبياً وموضوعياً. وهذا فضلاً عن نحو 3.5 مليار دولار تمثل حسابات المصارف لدى بنوك خارجية مراسلة، وبذلك كله نكفل تصويب دوران الحقوق والموجبات بين (ثلاثي) الدولة والبنك المركزي والمصارف، ونضمن – وهذا الأهم معنوياً ونفسياً – الخروج من مخاوف ذوبان ودائع الناس وضياعها إلى واقع إعادة التسييل التدرجي للمدخرات والحقوق».
- لا تتوقعوا إنتاجاً من مصنع مغلق
ومن مدخل الاستدلال، يضيف حمود «لا يمكن توقع إنتاج مع عزل إدارة المصنع وإقفاله بالسلاسل. هكذا هو حال الدولة حالياً. ولذا؛ لا مفر من إعادة التشغيل بتجديد الإدارة واعتماد خيارات ميسرة بالفعل. ومع التغطية الممكنة للفجوات المالية والخسائر الموصوفة... يبقى فقط مسألة المديونية الخارجية للدولة البالغة نحو 20 مليار دولار في الأسواق الدولية، وهي ليست مستعصية كما يتصور البعض. ففي حال نضوج المعالجات الداخلية والشروع بتنفيذها، ستجد الدولة أمامها خيارين يتسمان بالمرونة وقابلين للتشاركية، هما: التفاوض المباشر مع الدائنين و- أو الاستثمار في نتائج المفاوضات المرتقبة مع صندوق النقد الدولي. ولدى الدولة ومصرفها المركزي احتياطات حقيقية من الدولار والذهب الذي تقارب قيمته 17 مليار دولار. ومع تقدم العلاقة مع الصندوق يمكن إعادة برمجة هذه المديونية وخفض كلفتها، مع الإشارة إلى أن هذه السندات موزعة أصلاً على شرائح تصل استحقاقاتها إلى عام 2037.
ويستخلص حمود، أن «الخطأ الكبير الذي يحاكي الخطيئة يتمثل باستسهال الدعوة إلى الاقتطاع من المدخرات، والتنصل من ديون الدولة المحلية والخارجية. فما من دولة تعلن الفشل والإفلاس بهذه الطريقة بينما هي تحوز أصولاً وموجودات ومعالجات علمية متاحة. يضاف إلى ذلك ميزة الهبوط الحاد للفوائد التي يمكن للدولة عرضها على الدائنين بحدود 1 في المائة فقط. وهذه فرصة نموذجية لإعادة هيكلة المالية العامة ووضع مسار واضع لاستعادة التوازن بين إيرادات ومصروفات الخزينة».
ويختم «نعم، لدينا الحلول، لكن تنقصنا الإرادة والإدارة. فلنفتح المصنع من جديد وليبدأ التشغيل والإنتاج وفتح قنوات الإيرادات. بذا فقط نحول القيود الورقية العائدة لمقيمين ومغتربين إلى دولارات حقيقية يرضى أصحابها بالتأكيد الاستحصال عليها بعملتها وقيمتها، ولو ضمن جدولة زمنية، شرط أن تكون معززة بالضمانة وبواقع تغيير حقيقي في إدارة البلد وشؤونه. الدولة لا تأكل حقوق مواطنيها وثرواته، إنما هي الراعي الصالح وهي الضامن لحقوق الناس الذين يقومون بخدمة وطنهم وبواجباتهم».
- سمعان: الثقة مفتاح الخروج من النفق
من جهته، يعتقد المدير العام المصرفي نجيب سمعان، أن التدابير التقنية التي تضطر السلطة النقدية إلى استخدامها تحت وطأة تفاقم الأزمتين النقدية والمالية، «لا يمكن أن تشكل بديلاً عن المعالجات السياسية الملحة التي تحتاج إليها البلاد»... توطئة لإعادة تفعيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ويضيف «من الواضح أن استنزاف الاحتياطات الحرة لدى مصرف لبنان فرض إيقاعه على الميدان الداخلي بسبب تعذر تواصل دعم المواد الأساسية وفق النمط السائد؛ ما ينذر بموجات تضخمية خطرة، بينما تكاد التبادلات النقدية في الأسواق الموازية تستسلم تماماً لمنظومة المضاربات».
سمعان يرى «أن وجوب إعادة هيكلة القطاع المالي بكل مكوناته ومؤسساته لا يستقيم في ظل فوضى الأسواق وتعاظم المخاوف من تسريع وتيرة التدهور. وبالتالي، فإن الحكومة الموعودة هي العنوان الوحيد لعودة البلد إلى مسار الإنتاجية، وتحديد مستويات القعر المالي... تمهيداً لمحاكاة علاجاته بدءاً من اتفاق، لا بديل عنه، مع صندوق النقد الدولي، والاستجابة للمتطلبات الإصلاحية المعروفة التي وردت معظم بنودها في مذكرات الحكومة إلى (مؤتمر سيدر) وفي مندرجات الورقة الفرنسية ضمن (خريطة طريق) الخروج من النفق».
وإذ يتفق سمعان مع اقتراحات حمود لجهة مبادرة الدولة إلى تحديد إطار تغطية الفجوات والخسائر عبر آليات تتصل بإعادة هيكلة مديونيتها والتزاماتها، فهو يؤكد أن «استعادة الثقة مهمة تكافلية يجب أن تعكسها وتقودها حكومة منسجمة، على أن تبادر في أولى خطواتها إلى استئناف المفاوضات المعلقة مع صندوق النقد الدولي مسبوقة بتوحيد الرؤية والاقتراحات وتحديد تشاركي لمستوى القعر وخسائره».
- سرّوع: الدعم ليس من مسؤولية البنك المركزي
أما الخبير المصرفي جو سرّوع، فيرى مسبقاً أن «وضع لبنان الحالي يشكل مزيجاً مسخاً من اقتصاد حرّ بعملانية اشتراكية وثقافة ميركنتيلية MERCANTILE، وفي ظل دولة فاشلة غير منتجة ومن دون هيبة. ولذا؛ فإن الاستسهال في استعمال الاحتياطي الإلزامي في موضوع الدعم أو سواه، أمر يستدعي التنبيه لمخالفته الأصول والأنظمة ولتداعياته على حقوق المودعين». ويتابع «في الأصل الدعم هو مسؤولية الدولة وليس المصرف المركزي، الذي تنحصر مسؤوليته بتوفير العملات الأجنبية عند اللزوم، بأسعارها المتداولة أو أن يقرضها إلى الدولة، في حال كان لديها القدرة على الايفاء. وفي مطلق الأحوال، يجب أن يُدرج الدعم بكل تفاصيله في موازنة الدولة وفي مشروع خزينتها، وتحديد سبل تموينه».
ويوضح سرّوع، قائلاً «لدى المصرف المركزي نوعان أساسيان من الاحتياطي. وهذان النوعان مكوّنان من عملة واحدة من حيث اشتراكهما في الشق الأول من الاسم، إنما يختلفان استراتيجياً في الهدف، أي أنهما ليسا وجهين لعملة واحدة. الاحتياطي الصافي موجه إلى حزمة أهداف تشكل مظلة واقية للاقتصاد الوطني. واستخداماته تتركز في إدارة العملة الوطنية وصيانتها في إطار السياسة النقدية، بشقيها النقدي ومستوى الفوائد الدائنة والمدينة. والإدارة الجيدة والمُجدية للسياسة النقدية تساهم في إدارة مستويات التضخّم وتداعياتها سلباً أو إيجاباً على مستويات النمو في الناتج المحلي. في حين أن الاحتياطي الإلزامي ناتج من عملية دينامية، تُبنى على إيداع كل مصرف من البنوك العاملة في لبنان في حساب خاص باسم البنك المعني، يُعرف بحساب الاحتياطي الإلزامي ما نسبته 15 في المائة من قيمة ودائعه بالعملة الأجنبية المدونة في موازنة المصرف السنوية المدققة من قبل مدققي حساباته الخارجيين. ومعلوم أن الهدف من هذا التدبير، هو ضمان جزئي للودائع، إضافة إلى ضمان الودائع المقر قانوناً في حال تعثر المصرف المعني».
«بالمحصلة، - كما بقول سرّوع - فإن الاحتياطي الصافي هو المورد الاستراتيجي الحاضر للمصرف المركزي لإدارة السياسة النقدية. ودائع المصارف في المصرف المركزي بكل منتوجاتها المالية، شأن بين المصارف والمصرف المركزي. كما أن ودائع الناس شأن بين المودعين ومصارفهم. أما استباحة الاحتياطي الإلزامي الذي يموّل عملياً بجزء من ودائعهم، فأي استباحة له من أي سلطة كانت - مؤتمنة كالمصرف المركزي أو أي سلطة أخرى - يُعدّ انتقاصا من حقوق المودعين، وشأنه في هذا شأن أي انتقاص آخر حاصل الآن في حقوق المودعين ويُعتبر بمنزلة الاقتطاع المباشر من ودائعهم. والمطلوب أولا وأخيراً، الآن، الإصلاح الشامل الحقيقي، في ظل حوكمة جيدة وعادلة. أما بخلاف هذا المسار، فإن الأكلاف ستتضاعف على الصُّعد المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية وحتى... الأمنية».
- دولار جديد بسعر 10 آلاف ليرة عبر منصة مصرف لبنان الثلاثية
> من المفترض أن يجري بعيد منتصف أبريل (نيسان) الحالي تدشين المنصة الإلكترونية الجديدة تحت إدارة مصرف لبنان المركزي، وبمشاركة الجهاز المصرفي وشركات الصرافة المرخصة. وهي عبارة عن تطبيق ثلاثي الضلع يصار من خلاله إلى مواكبة الطلب التجاري على الدولار الأميركي خارج منظومتي السعرين الرسمي عند مستوى 1515 ليرة لكل دولار والموازي عند مستوى قريب من عتبة 13 ألف ليرة للدولار.
وإذ أكد وزير المال الدكتور غازي وزني صحة التوقعات بتحديد سعر التداول الأولي عبر المنصة بحدود 10 آلاف ليرة للدولار الواحد، يتريث حاكم البنك المركزي رياض سلامة في الإفصاح عن الخطوات التنفيذية لجهة تحديد فئات المستفيدين وشروط الاستحصال على العملة الصعبة ومصدر تدفقها لتلبية الطلب وفق الآلية الجديدة. أما المعلومات المصرفية فتشير إلى أن التداولات ستكون شبه حصرية في المرحلة الأولى وهادفة لتغطية الحاجات النقدية بالعملات الصعبة المتصلة بالمستوردات من الخارج.
هذا، وتنتظر ادارات المصارف، وفق متابعات أجرتها «الشرق الأوسط»، صدور التعليمات التطبيقية للانضمام إلى المنصة، بما يشمل وصف الاحتياجات البشرية واللوجيستية المطلوبة، وتحديد المراكز والفروع المؤهلة لإدارة العمليات والبدء بتدريب الكوادر التقنية. والجدير بالذكر، أن البنك المركزي منح جميع المصارف العاملة رخصة تتيح لها القيام بعمليات التداولات النقدية، مغطياً بذلك الجانب القانوني ضمن التحضيرات للقيام بعمليات الصرافة بالعملات الأجنبية مقابل الأوراق النقدية بالليرة اللبنانية.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.