نيودلهي حجر ثقل أساسي في استراتيجية واشنطن بوجه بكين

من المصالح الدفاعية والجيوسياسية... إلى الحسابات الاقتصادية والتعاون العلمي والتقني

نيودلهي حجر ثقل أساسي في استراتيجية واشنطن بوجه بكين
TT

نيودلهي حجر ثقل أساسي في استراتيجية واشنطن بوجه بكين

نيودلهي حجر ثقل أساسي في استراتيجية واشنطن بوجه بكين

أطلق الرئيس الأميركي جو بايدن العديد من النشاطات الدبلوماسية خلال مارس (آذار)، علماً بأنه بحلول الوقت الراهن، يكون قد مر شهران على توليه الرئاسة. وخلال الأسبوع الماضي، بعث بايدن بوزير دفاعه، لويد أوستن، في جولة عبر عدد من الدول الآسيوية من بينها الهند. وقبل ذلك، قرر عقد أول قمة دولية رفيعة المستوى للدول الأعضاء في «الحوار الأمني الرباعي»، المعروف اختصاراً باسم «كواد»، وذلك في أول فعالية كبرى له على صعيد السياسات الخارجية منذ توليه الرئاسة، وكان رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، مشاركاً في الحدث.
التساؤل هنا: هل تُولي الولايات المتحدة أهمية خاصة للهند؟ وهل تعبر زيارة أوستن للهند في قلب جائحة فيروس «كوفيد - 19» عن مدى قوة التزام واشنطن بروابطها مع نيو دلهي، مع ملاحظة أن الهند تعد الدولة الوحيدة التي يتفق بخصوصها الديمقراطيون والجمهوريون، بل يتنافس الحزبان على أيهما يظهر أنه شريكها الأفضل. ولا يخفى أن وراء اهتمام صانعي السياسات في واشنطن بإمكانية بناء شراكة استراتيجية مع الهند، تزايد التنافس الأميركي - الصيني، وقدرة الهند، بالتالي، على المساهمة في تعزيز الموقف الأميركي.
تعمّقت العلاقات بين الهند والولايات المتحدة على امتداد العقدين الماضيين لتتحول إلى شراكة استراتيجية قوية على ثلاثة أصعدة: الاقتصاد والدفاع/الصعيد العسكري والقيّم. ويعني التنافس بين الولايات المتحدة والصين، أن الولايات المتحدة تودّ أن يقف حلفاؤها وشركاؤها معها في وجه الصعود الصيني، وتحمل الهند على وجه التحديد أهمية حيوية على هذا الصعيد. وتتمثل الاستراتيجية الواضحة في تعزيز التحالفات والشراكات على جبهة الهند - المحيط الهادي. والمؤكد أن ما ستقرره الهند والولايات المتحدة سيترك تأثيرات على مجمل منطقة جنوب آسيا ومنطقة الحوضي المحيطين الهندي والهادي.
- الروابط الدفاعية المتنامية
تنامت التجارة الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة من حيث الحجم خلال السنوات الـ12 الماضية؛ ذلك أنها انتقلت من مستوى الصفر تقريباً عام 2008 إلى 20 مليار دولار عام 2020. ويأتي هذا في إطار جهود الهند لتنويع مصادر مشترياتها الدفاعية. اليوم، تشتري الهند أسلحة من إسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة بكميات ضخمة. وبجانب «الحوار الأمني الرباعي»، ترتبط نيودلهي وواشنطن بعدد من الترتيبات الدفاعية، بينها التشارك في المنشآت اللوجيستية التابعة للمؤسسة العسكرية لدى كل من الطرفين. وفي الوقت الذي لم تتقبل واشنطن صفقة شراء نيودلهي منظومة صواريخ «إس - 400» الروسية، يبقى من غير المحتمل أن تدفع هذه الصفقة القيادة الهندية إلى خانة الخصوم من وجهة نظر واشنطن في وقت تحتاج فيه الأخيرة إلى نيودلهي بشدة للوقف في وجه كل من الصين وروسيا، بجانب رغبة الأميركيين في تيسير تحول الهنود بعيداً عن الاعتماد بمجال الأسلحة على جهات التصنيع الروسية باتجاه نظيراتها الأميركية.
ونظراً لغياب الاتساق بين القدرات العسكرية الهندية - الصينية، يحمل التعاون الدفاعي الأميركي - الهندي أهمية محورية لنيودلهي، خاصة أن بمقدور واشنطن منح الهند دفعة كبيرة على صعيد تحديث قدراتها الدفاعية. ومع توقيع 4 اتفاقات دفاعية، جرى بذلك تمهيد الساحة أمام مزيد من التعاون الدفاعي مستقبلاً.
- التصدّي للصين
وفيما يخصّ وزارة الدفاع الأميركية، توفر الهند الاستقرار، أو على الأقل درجة من التوازن، داخل منطقة تحاصرها التوجهات العدوانية الصينية. وبهذا الشأن، قال أحد وزراء خارجية الهند السابقين، شيام ساران، إن بلاده تشكل جزءاً محورياً في استجابة الرئيس الأميركي بايدن للتحديات الصادرة عن بكين. وأضاف ساران، أن مواقف واشنطن ونيودلهي من المحتمل أن تتقابل وتقترب من بعضها أكثر فأكثر على مدار السنوات القليلة المقبلة إزاء قضية التعامل مع والاستجابة للتحديات الصادرة عن الصين. وعلى هذا الصعيد، يبدو أن إدارة بايدن تواصل، وإن بنحو أكثر دهاءً، سياسة الرئيس السابق دونالد ترمب تجاه الصين، عبر الاستعانة بعدد من الأنظمة الديمقراطية المنتقاة داخل منطقة الهندي - الهادي عبر إحياء منظمة «كواد».
من جانبه، كتب المعلق السياسي الهندي أسد ميرزا، أن «الهند تشكل الديمقراطية الأكبر على مستوى العالم في وقت تحتد المنافسات الآيديولوجية. وتبدو الهند ثقلاً موازناً للتمدد الصيني في جنوب آسيا والمحيط الهندي. وتمثل الهند الذراع الغربية لـ(كواد) (المؤلفة من أربعة نظم ديمقراطية هي: أستراليا واليابان والهند والولايات المتحدة). وتقع هذه الدول حول المحيط الاستراتيجي الصيني، وتبدي هذه الدول الأربع التزامها بمنع تحول منطقة الهندي - الهادي إلى ساحة للنفوذ الجيوسياسي الصيني». وبفضل القدرات الهندية على الابتكار، وكذلك السوق الهندية الضخمة، تبدو الهند عنصراً جوهرياً في أي «ائتلاف تكنولوجي» ديمقراطي يسعى لصياغة الوجه العام لشبكة الإنترنت والصناعات في المستقبل.
- أميركا والهند وروسيا
من ناحية أخرى، شهدت العلاقات الأميركية - الروسية تراجعاً حاداً منذ تولي جو بايدن منصبه، وتبدو الأوضاع اليوم في حالة تغير وتبدل، ويبدو أن العالم يعاين إحياءً للفترة التي شهدت ذروة الخصومة بين واشنطن وموسكو. ولكن، مع ذلك، ورغم الدفء المتزايد في العلاقات الهندية - الأميركية والمزايا الكثيرة التي تحملها العلاقات مع القوة العظمى الوحيدة في العالم، لا يبدو أن نيودلهي على وشك التخلي عن استقلاليتها الاستراتيجية. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه في وقت مضى كانت موسكو الصديق الوحيد القوي الذي كان باستطاعة نيودلهي الاعتماد عليه عندما أدارت واشنطن وحليفاتها الغربيات ظهرها عنها. وهنا يوضح الكاتب الهندي براكاش دوتا، أن «الهند تمثل خياراً صعباً أمام الولايات المتحدة. ومع انقلاب الرئيس الأميركي جو بايدن ضد بوتين، ثارت تكهنات بأن الهند ستكون الهدف التالي على قائمة العقوبات.
إلا أن القيادة الأميركية ليست في موقف يمكنها من فرض عقوبات ضد الهند، ومن المحتمل أن تجعل من الهند (استثناءً). أما الأسباب التي تقف وراء ذلك، فبسيطة؛ إذ إن فرض عقوبات ضد الهند سيخلق توتراً في العلاقات التجارية الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، وسيؤثر كذلك بالسلب على الجهود الأميركية لخلق توازن في مواجهة الصين داخل منطقة الهندي - الهادي، بجانب كون الهند الصديق الوحيد للولايات المتحدة الموثوق به في جنوب آسيا. الحقيقة أن الهند تحمل أهمية كبرى للولايات المتحدة بدرجة تجعل من المتعذر على الأخيرة المخاطرة بخسارتها بسبب صفقة مع بلد لطالما اعتمدت عليه الهند». وما يُذكر أنه رغم الضغوط الهائلة من جانب إدارة ترمب، مضت الهند قدماً في طلب شراء منظومة الدفاع الصاروخية «إس - 400» الروسية مقابل 5.5 مليار دولار أميركي عام 2018. وكان البيت الأبيض، تحت قيادة ترمب، قد فرض يومذاك عقوبات ضد تركيا لشراء نفس منظومة الدفاع الصاروخية من روسيا، ولكن لم بحصل المثل مع الهند.
على الجهة المقابلة، نجد أن العلاقات بين الهند والكرملين تعرضت لضعف واضح، ومن المتوقع بذل إدارة بايدن قصارى جهدها لوقف هذه الصفقة. وأفادت مصادر في وزارة الخارجية الهندية أن وزير الدفاع الأميركي أوستن أثار قضية الـ«إس - 400»، وشدد على وجوب تجنب الحلفاء والشركاء «أي نمط من الشراء يمكن أن يستثير عقوبات». ومع ذلك، ظلت حكومة مودي على موقفها وشرحت للجانب الأميركي بوضوح أن القوات المسلحة الهندية تحرص على تنويع مصادر التسليح الخاصة بها، ولا يمكن أن تقبل الحكومة الهندية بأن يصبح هذا الأمر محل نقاش مع أي دولة أخرى. وحول هذا الموضوع يرى الكاتب الهندي سي. راجا موهان، الخبير بمجال الشؤون الخارجية، أن «رئيس الوزراء مودي التزم أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشراء منظومة (إس - 400)، ومن غير المحتمل أن يتراجع عن هذا الأمر. وسيكون من المثير متابعة كيف سيتطور هذا الأمر. ورغم (كواد) والأوجه المتنوعة للروابط مع الأميركيين، لا يمكن للهند بسهولة التخلي عن استقلاليتها الاستراتيجية».
واستطراداً، قال الأدميرال الأميركي جون أكويلينو رداً على سؤال من السيناتورة جين شاهين حول قرار الهند شراء منظومة «إس - 400» الصاروخية من روسيا «على الولايات المتحدة فهم حقيقة أن للهند علاقة صداقة طويلة الأمد مع الروس بمجالي التعاون الأمني وشراء المعدات العسكرية». وبعد سؤال شاهين «هل ينبغي لنا فرض عقوبات ضد الهند لشرائها المنظومة؟»، رد أكويلينو «أعتقد من الأفضل ترك هذه المسألة لصانعي السياسات ليتخذوا القرار المناسب حيالها... أعتقد أنه بالتأكيد علينا فهم أننا نقف إلى جانب الهند وأعتقد أن طرح بدائل ربما يكون سبيلاً أفضل للتعامل مع الأمر». وأردف «الهند شريك رائع بالفعل، ومثلما رأينا خلال المناقشات الأخيرة في إطار (كواد)، أعتقد أن أهمية الهند وباقي الدول الأعضاء في (كواد) ستزداد الفترة المقبلة. نحن نسعى لإقرار توازن. ومع هذا، ترتبط الهند بعلاقات طويلة مع الروس بمجال التعاون الأمني وشراء المعدات العسكرية».
- البُعد الباكستاني
من ناحيته، ذكر المحلل السياسي الهندي كيه. سي. سينغ، أن «العلاقات الهندية - الروسية قد لا تكون على الدفء ذاته الذي كانت عليه أثناء (الحرب الباردة)، ومع هذا تدرك نيودلهي أن روسيا مهمة كي تتمكن الهند من الحفاظ على سياسة خارجية متوازنة. ولا ترغب الهند في انتقال روسيا على نحو كامل باتجاه التحالف الصيني - الباكستاني؛ وذلك لأسباب متنوعة منها قدرة روسيا على إنتاج وبيع الأسلحة، والتي غالباً ما تتضمن نقل تكنولوجيا». وتابع «بجانب ذلك، لا يمكن للهند التحول من المزيج الحالي لمعداتها الدفاعية نحو الاعتماد على إمدادات تهيمن عليها الولايات المتحدة بين عشية وضحاها. أيضاً، تعتبر روسيا عاملاً مهماً في منطقة غرب آسيا وإيران. وقد نجحت في بناء نفوذ لها داخل أفغانستان، مثلما اتضح من استضافتها لعدد من الأطراف الأفغانية الفاعلة المختلفة حتى قبل انعقاد الحوار بين - الأفغاني الذي اقترحته الولايات المتحدة على الأراضي التركية. ومع التمدد الصيني بوسط آسيا، بالاعتماد على (مبادرة الحزام والطريق)، تلتقي المصالح الروسية والهندية في ضمان احتفاظ روسيا بنفوذ قوي لها في المناطق التي كانت خاضعة لها سابقاً».
- الجهود الدبلوماسية الأفغانية
وحقاً، في خضم الشراكة المتنامية بين روسيا والصين، أقصت خطة روسية مقترحة الهند من مجموعة الدول التي ترى موسكو أنه منوط بها الاتفاق حول خريطة طريق للسلام في أفغانستان، وهي روسيا والصين والولايات والمتحدة وباكستان وإيران. لكن، بفضل جهود دبلوماسية محمومة خلف الكواليس وبدعم من الولايات المتحدة، أصبحت الهند الآن جزءً من هذه المجموعة التي ربما تحدد ملامح مستقبل أفغانستان. ومن جانبه، بعث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خطاباً في مطلع مارس المنصرم إلى الرئيس الأفغاني أشرف غني ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، عبد الله عبد الله. واقترح بلينكن في إطار الخطاب عقد مؤتمر إقليمي تحت رعاية الأمم المتحدة لوزراء خارجية الولايات المتحدة والهند وروسيا والصين وباكستان وإيران لمناقشة اتباع «توجّه موحّد» إزاء أفغانستان.
وعليه، يوحي قرار أوستن المفاجئ بالتوقف في العاصمة الأفغانية كابل والرسالة التي وجهها للجنود المتمركزين بالبلاد بإمكانية أن تبقى هذه القوات لفترة أطول. ويعني ذلك أن أمام نيودلهي فرصة لبناء جسور مع قوى أخرى تمكنها من الاضطلاع بدور مؤثر... ويبدو الرهان الأفضل أمامها هو في ترتيب أولوياتها على نحو يتوافق مع واشنطن.
من جهتها، لا يبدو أن إدارة بايدن تتحرك بسرعة وفي عجالة كما كان الحال مع إدارة ترمب، والموعد النهائي المحدد في الأول من مايو (أيار) ليس منقوشاً على الحجر، بمعنى أنه تظل هناك إمكانية لتعديله. إلا أنه بينما تترك الولايات المتحدة خلفها أفغانستان في حالة متوترة وقابلة للاشتعال في أي لحظة، فإن هذا الأمر يشكل أهمية لنيودلهي ويستلزم مشاركة نشطة من جانبها في القضية الأفغانية.
- أهمية مركز اللقاحات الهندي في المعركة ضد «كوفيد ـ 19»
> كحال باقي دول العالم، ترغب الولايات المتحدة في إبقاء الهند إلى جانبها لإدراكها كيف أن الهند تشكل عنصراً محورياً للحفاظ على خط إمدادات بلقاحات ضد فيروس «كوفيد - 19». وعلاوة على ذلك، قررت مجموعة «كواد» إطلاق مبادرة كبرى بمجال اللقاحات سيجري في إطارها إنتاج لقاحات ضد الفيروس داخل الهند لدول منطقة الهندي – الهادي؛ من أجل التصدي للنفوذ الصيني. وترمي المبادرة إلى ضمان تشارك الهند في إمدادات اللقاح المتاحة لديها مع العديد من الدول الأخرى، وفي الوقت ذاته، ضمان تلبية الاحتياجات الداخلية.
هذا، وكان الرئيس جو بايدن و«كواد» قد أعلنا خطة لتوسيع نطاق القدرة الإنتاجية لإنتاج لقاحات ضد «كوفيد - 19» داخل الهند. ووصف بايدن هذه الجهود بأنها «شراكة جديدة طموحة ترمي لتعزيز جهود إنتاج اللقاحات... من أجل نفع كامل منطقة الهندي - الهادي». وتأتي جهود «كواد» من أجل تعزيز قدرة الهند التصنيعية للقاحات، بينما إدارة بايدن وقيادات دول غنية أخرى دعوات من بعض المنظمات المعنية بالصحة العالمية بالتبرع بنسبة صغيرة من اللقاحات المنتجة داخل الولايات المتحدة ودول صناعية أخرى لدول فقيرة. وتسعى جهود «كواد» لتعزيز إنتاجية الهند على تصنيع اللقاحات بمقدار مليار جرعة بحلول عام 2022، تبعاً لما ورد في بيان صادر عن البيت الأبيض.
وللعلم، اللقاحات الهندية أظهرت أعراضاً جانبية أقل واتسمت بانخفاض تكلفتها وسهولة تخزينها ونقلها. في الوقت ذاته، ثمة ارتفاع هائل في الطلب العالمي على لقاحات «كوفيد - 19». ودخلت قرابة 90 دولة في اتفاقات لتوريد لقاحات. وفي حين التزمت الصين السرية تجاه البيانات المرتبطة بلقاحاتها؛ ما أثار جدالات حول مدى فاعليتها، نظمت الهند جولات لسفراء أجانب لزيارة مصانعها الدوائية في بون وحيدر آباد.
- دور الشتات الهندي في العلاقات الثنائية
في غضون أقل عن 50 يوماً من رئاسته، عيّن الرئيس الأميركي جو بايدن على الأقل 55 أميركياً من أصول هندية في مناصب كبرى في إدارته تتنوع ما بين كاتب خطاباته إلى مراكز قيادية في وكالة «ناسا»، وكذلك جميع قطاعات الحكومة تقريباً... وهذا من دون أن ننسى طبعاً أن والدة نائبته كامالا هاريس... هندية.
الأميركيون من أصول هندية يعدّون بين المجموعات العرقية الأكثر ثراءً وتعليماً على مستوى الولايات المتحدة. وبدأت أعداد كبيرة من أبناء الجيل الثاني من الأميركيين من أصول هندية تبرز بقوة في المشهد السياسي الأميركي. وحتى الآن، تميزت إدارة أوباما - بايدن (2009 – 2017) بأنها الإدارة الأميركية التي عينت أكبر عدد من الأميركيين من أصول هندية في تاريخ البلاد. ولم تكن إدارة ترمب على مسافة بعيدة عن إدارة أوباما على هذا الصعيد، وتميزت بأنها أول إدارة تعين أميركياً من أصول هندية في منصب بدرجة وزير وداخل مجلس الأمن الوطني.
وفي وقت قريب، قال بايدن مازحاً «إن الأميركيين من أصول هندية يهيمنون على البلاد»، في إشارة إلى العدد الضخم الذي انضم إلى إدارته. ويرى البعض، أن هذا الصعود للأميركيين من أصول هندية يوحي بوجود تأثيرات تتجاوز السياسات المحلية الأميركية تدفع باتجاه يمكنه أن يعزز الاقتصاد الهندي ويعزز العلاقات الأميركية - الهندية. وبالنظر لوجود أنتوني بلينكن على رأس وزارة الخارجية وجايك سوليفان في مجلس الأمن الوطني، بجانب بايدن نفسه، من الواضح أن الإدارة الأميركية الراهنة تملك خبرة أكبر في التعامل مع الهند عن أي من الإدارات السابقة. كذلك يبدو واضحاً أن ثمة تصميماً على دفع العلاقات الأميركية - الهندية نحو مكانة مركزية في الخطط الأميركية.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.