«فتح» تبدأ معركتها الانتخابية بنبذ «المرتدين»

إسرائيل تحذر من توتر في الضفة الغربية وترفع حالة التأهب

عضو القيادة المركزية في «فتح» جبريل الرجوب (يسار) في مركز الانتخابات ليلة الأربعاء لتسجيل قائمة الحركة (رويترز)
عضو القيادة المركزية في «فتح» جبريل الرجوب (يسار) في مركز الانتخابات ليلة الأربعاء لتسجيل قائمة الحركة (رويترز)
TT

«فتح» تبدأ معركتها الانتخابية بنبذ «المرتدين»

عضو القيادة المركزية في «فتح» جبريل الرجوب (يسار) في مركز الانتخابات ليلة الأربعاء لتسجيل قائمة الحركة (رويترز)
عضو القيادة المركزية في «فتح» جبريل الرجوب (يسار) في مركز الانتخابات ليلة الأربعاء لتسجيل قائمة الحركة (رويترز)

بدأت حركة «فتح» معركتها الانتخابية، أمس، بدعوة أنصارها لعدم الالتفاف «للمرتدين»، في أول تعليق واضح ومباشر ضد التحالفات التي قام بها قياديون حاليون وسابقون في الحركة.
وقال عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، جبريل الرجوب مخاطباً الفتحاويين: «حركتكم موحدة ولا تلتفتوا للمرتدين». وأضاف في تلميح إلى تحالف عضو مركزية «فتح» الأسير مروان البرغوثي، مع عضو المركزية المفصول الشهر الماضي ناصر القدوة: «وجود المرتدين هنا أو هناك أمر طبيعي، وفي زمن سيدنا محمد كان هناك مرتدون».
والهجوم الصريح الذي شنه الرجوب يلخص شكل المواجهة التي بدأت مبكراً، بين قيادة الحركة التي يرأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والقيادي فيها مروان البرغوثي الذي أطلق التحدي الأكبر للحركة ولعباس، بتحالفه مع القدوة، في قائمة موازية لم يسجل اسمه فيها، لأنه ينوي الترشح لانتخابات الرئاسة، في مواجهة عباس على الأغلب.
وقال مصدر في الحركة لـ«الشرق الأوسط» إن التعامل مع مروان سيكون مختلفاً على الأغلب عن القدوة، وإن الحركة تتريث قبل اتخاذ أي قرار. وأضاف: «إنه أسير وله رصيد كبير. سيكون هناك اجتماعات لمناقشة الأمر على مستوى عال من التأني والحرص والحسم كذلك». وتابع أن «الحركة لا تستعجل ولا تستبق الأحداث، لقد دعمته دائماً وليس سهلاً عليها، الآن تغيير الخطاب واللغة. الحركة ستنتظر، وليست قلقة من القوائم الأخرى الموازية».
وتحضرت «فتح»، كما يبدو، جيداً، للمعركة الانتخابية، وبشكل يخالف ما كان مخططاً له؛ فقد زجت بـخمسة أعضاء من اللجنة المركزية، على رأس القائمة الانتخابية التي ظلت تتغير حتى الساعة الأخيرة، وولدت بعد مخاض عسير تخللته احتجاجات وتهديدات، وحتى إطلاق نار في الهواء، في جلبة كبيرة لم تحدث مع أي فصيل أو قائمة أخرى.

وترأس نائب عباس في قيادة الحركة، محمود العالول القائمة، وانضم إليه جبريل الرجوب بعد أن أحاله عباس إلى التقاعد، ورفعه إلى رتبة فريق، بحسب قانون الانتخابات، وأحمد حلس ودلال سلامه وروحي فتوح، وجميعهم أعضاء مركزية. وبهذا تكون «فتح» الفصيل الوحيد الذي عزز قائمته بهذا العدد من قيادات الصف الأول.
ومع تسجيل «فتح» قائمتها للانتخابات، تكون 36 قائمة تسجلت رسمياً لخوض السباق يُفترض أن يقروا رسمياً، أو يتم رفض بعضهم، حتى الثلاثاء المقبل، على أن يسمح لأي قائمة بالانسحاب حتى 29 من الشهر الحالي.
ومن بين القوائم التي تسجلت إلى جانب قائمتي «فتح» و«حماس» المتنافستين الأبرز، هناك قائمة تمثل تحالف البرغوثي والقدوة، وقائمة القيادي محمد دحلان، فيما توزع اليسار على قوائم للجبهة الشعبية والديمقراطية وتحالفات أخرى.
وضم السباق قوائم مستقلين عديدة، بينها قائمة للنائب السابق في المجلس التشريعي الفلسطيني، حسن خريشة، وقائمة رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق، سلام فياض، وقوائم أخرى شبابية متعددة.
ويُفترض أن تجري الانتخابات التشريعية في 22 (مايو) المقبل، بحسب مرسوم الرئيس الفلسطيني المتعلق بالانتخابات، لكن كثيراً من الشكوك أُثيرت في الأيام القليلة الماضية حول إمكانية إلغاء أو تأجيل الانتخابات. وأثارت جهات في إسرائيل و«حماس» ومعارضين، احتمال أن يلجأ عباس لتأجيل الانتخابات، على خلفية ما وصفوه بـ«الانقسام داخل حركة (فتح)»، وموقف أميركا الغامض، ومواقف إسرائيل ودول إقليمية، قلقلة من احتمال خسارة «فتح» وفوز «حماس».
لكن مصادر أمنية إسرائيلية، حذرت، أمس، من أنه في حال قرر عباس، إلغاء الانتخابات التشريعية الفلسطينية في اللحظة الأخيرة، فإن ذلك قد يقود إلى موجة «احتجاج في أنحاء الضفة الغربية». وقال الضباط الإسرائيليون إنه تم رفع حالة التأهب في صفوف القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وأنه يجري الاستعداد «لحشد قوات أخرى قبيل الانتخابات، تحسباً من هجمات إرهابية».
وهدد الضباط الإسرائيليون بتصعيد الوضع الأمني، بقولهم إنه «في أي مكان لا تعمل فيه السلطة الفلسطينية سيجدون الجيش الإسرائيلي». وجاءت هذه المخاوف على وقع ما يراه الإسرائيليون تفككاً داخل «فتح» قد يلحق بها الهزيمة، وهو احتمال لا يقلق «فتح» حتى اللحظة، كما يقول مسؤولوها.
وقال المحل الإسرائيلي إيهود إيعاري، إن عباس «بات يدرك تداعيات الخطأ الذي ارتكبه، حينما أصدر المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات، ولم يستمع للتحذيرات المتكررة ومطالبة رئيس جهاز «الشاباك»، نداف أرغمان، بالتراجع عنها، وعدم السماح لـ(حماس) بالمشاركة فيها». وبحسبه، فإن «فتح» قد لا تستطيع الفوز «وبالتالي ستفقد إسرائيل شريكها للسلام، وهو ما يسبب حالة صداع مقلقة لإسرائيل».
وكان رئيس «الشاباك» طلب من عباس في لقاء مثير، مؤخراً، إلغاء الانتخابات، لكن الأخير رفض. وكشفت قناة «ريشت كان» العبرية، مزيداً من التفاصيل حول اللقاء، الذي قال فيه عباس لأرغمان: «أنا لا أعمل عندك. أنا أقرر إن كانت ستكون انتخابات ومع من. أنتم مَن أنشأتم (حماس)، وليس أنا».
ونشر أيضاً أنه أثناء اللقاء، وجه رئيس «الشاباك»، تهديداً لعباس، بأن إسرائيل لن تتردد في التصرف وتقديم شكوى ضد السلطة الفلسطينية أمام محكمة لاهاي، قبل أن يرد عليه الرئيس الفلسطيني: «أرجوك افعلها. تفضل. فلنجلس أنا وأنت بنفس الزنزانة». ورفض جهاز الشاباك التعقيب على فحوى التقرير، لكن جهات إسرائيلية قالت إن «الأقوال المقتبسة لم تصدر حرفياً عن أبو مازن، وبهذه اللهجة».
وأضافت أنه لربما كان مريحاً للمصادر الفلسطينية أن تعرض الأمور على هذا النحو، في ظل الوضع السياسي المعقد لأبو مازن.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.