تقرير أممي ينقض رواية باريس عن ضربات جوية أوقعت 22 قتيلاً في مالي

بلدة بونتي الواقعة وسط مالي بمنطقة تنشط فيها المجموعات المسلحة (أ.ف.ب)
بلدة بونتي الواقعة وسط مالي بمنطقة تنشط فيها المجموعات المسلحة (أ.ف.ب)
TT

تقرير أممي ينقض رواية باريس عن ضربات جوية أوقعت 22 قتيلاً في مالي

بلدة بونتي الواقعة وسط مالي بمنطقة تنشط فيها المجموعات المسلحة (أ.ف.ب)
بلدة بونتي الواقعة وسط مالي بمنطقة تنشط فيها المجموعات المسلحة (أ.ف.ب)

من نصدق؛ رواية وزارة الدفاع الفرنسية أم التقرير الذي أعدته «بعثة الأمم المتحدة للاستقرار في مالي (مينوسما)» والذي صدر أول من أمس؟
يدور الخلاف حول ما حصل يوم 3 يناير (كانون الثاني) الماضي عندما ألقت طائرات حربية فرنسية قنابل عدة على مجموعة من الرجال قريباً من بلدة بونتي الواقعة وسط مالي بمنطقة تنشط فيها المجموعات المسلحة المتشددة. وتركز الرواية الفرنسية على أن وحدة رقابة «طائرة مسيّرة» قد اقتفت طيلة يومين أثر دراجة نارية يمتطيها رجلان قادت إلى تجمع من نحو 40 شخصاً تأكدت قيادة القوة الفرنسية العاملة في مالي «برخان» أنهم من المتمردين. كذلك، تؤكد رواية وزارة الدفاع في باريس أن عملية المراقبة بينت أنه لم يكن يوجد نساء أو أطفال بين أفراد المجموعة؛ الأمر الذي دفع بها لإرسال طائرتين حربيتين من أجل «تحييدها»؛ أي القضاء عليها. وبالفعل، رمت الطائرتان اللتان كلفتا مهمة الهجوم، 3 قذائف نتج عنها «تحييد» نحو 30 شخصاً. وتعدّ وزارة باريس أن العناصر المتوافرة تسمح بتأكيد عدم وقوع «ضحايا جانبيين». ووفق الرواية الفرنسية، فإن ما حصل يدخل في إطار مهمة قوة «برخان» الموجودة في مالي منذ عام 2014 والقائمة على ملاحقة الجهاديين متعددي الانتماءات. إلا إن تنظيمين منها يحوذان وافر الاهتمام بسبب علاقات أحدهما بتنظيم «داعش»، والآخر بتنظيم «القاعدة». ومنذ البداية، لم تحد باريس عن روايتها رغم الشكوك التي برزت عقب توافر معلومات تؤكد أن التجمع لم يكن للمتشددين ولكن للاحتفال بزواج. وإذا كانت فرنسا تشدد على أن المجموعة من الرجال فقط؛ فإن الرد على ذلك أن التقاليد في مالي تفصل بين الرجال والنساء وأن هؤلاء كانوا بصدد تحضير الوجبات عندما حصل الهجوم الجوي.
لا شك في أن هذه المسألة «تزعج» السلطات الفرنسية، ومن شأنها إرباك عمل القوة العسكرية، وتغذي الشعور المعادي لحضورها؛ ليس فقط في مالي، وإنما في بلدان أخرى من منطقة الساحل الأفريقي. وأن تأتي الرواية المناقضة من قبل هيئة دولية مهمتها المحافظة على الاستقرار في أفريقيا (تريد باريس زيادة الاعتماد عليها كما على المساندة الأوروبية لتخفيف عبئها العسكري والبشري والمالي في منطقة الساحل)، فإن ذلك لا يذهب في اتجاه المصالح الفرنسية. من هنا؛ حرص باريس على نفي حصول أي خطأ، والإصرار على أن الهدف الذي ضربه الطيران الفرنسي كان هدفاً عسكرياً معادياً وليس مجموعة من المدنيين كانت تحتفل بزواج.
التقرير الأممي يتضمن طيفاً من المعلومات والتفاصيل، وكان حصيلة مهمة تقصي حقائق حصلت في ما بين 4 يناير (كانون الثاني)؛ أي في اليوم التالي لحصول الواقعة، و20 فبراير (شباط) الماضي، وأن فريق التحقيق ضم 15 شخصاً من العاملين في إطار حقوق الإنسان، وخبيرين دوليين في الشرطة العلمية، وأن التحقيق أجري وفق منهج المفوضية العليا لحقوق الإنسان وبحسب قواعد صارمة لجمع المعلومات والشهادات. وبني التقرير على شهادات جُمعت من مقابلات فردية وجماعية وأخرى جرت عبر الهاتف. وزرات البعثة موقع الحادثة وتعرفت إلى المكان الذي دُفنت فيه جثث القتلى. ومعنى التركيز على هذه التفصيل رغبة الهيئة الدولية في إثبات مهنيتها وحيادها. يقول التقرير المذكور؛ الذي جاء في 22 صفحة، إن البعثة الدولية «قادرة على تأكيد أن التجمع الذي ضم نحو مائة شخص من المدنيين كان من أجل الاحتفال بزواج». بيد أن التقرير يضيف أن بين هؤلاء الأشخاص وجد 5 مسلحين ينتمون إلى «كتيبة سيرما» التي تنتمي إلى «مجموعة دعم الإسلام والمسلمين في أفريقيا»؛ وهو تحالف متفرع عن تنظيم «القاعدة». ويؤكد التقرير الأممي أن 22 شخصاً قد قتلوا بفعل الضربات الفرنسية؛ من بينهم 3 أشخاص مسلحين. وجميع القتلى تتراوح أعمارهم بين 23 و71 عاماً؛ 19 منهم قضوا بإصابة مباشرة؛ منهم 16 مدنياً والمسلحون الثلاثة. وغالبية المصابين من بلدة بونتي. وينفي التقرير، بناء على ما اطلع عليه الخبراء الأمميون، وجود أسلحة في الموقع أو أي أثر لدراجة نارية «وفق الرواية الفرنسية».
وفي هجوم مباشر على طريقة عمل قوة «برخان»، جاء في التقرير أن «المجموعة التي كانت هدفاً للضربات تتشكل في أكثريتها من مدنيين يتمتعون بالحماية وفق القانون الدولي الإنساني، وهذه الضربات تثير القلق الكبير لجهة احترام عدد من المبادئ؛ خصوصاً ضرورة توفر الحذر الذي يعني القيام بكل ما هو ممكن من أجل التأكد من أن الأهداف المقصودة هي بالفعل أهداف عسكرية». وتتضمن هذه الفقرة انتقادات مباشرة لفرنسا التي لم تأخذ بعين الاعتبار المبدأ المشار إليه.
رغم هذه الخلاصات الصارمة، يوصي تقرير «مينوسما» السلطات المالية والفرنسية بالقيام بتحقيق مستقل وشفاف لتبيان ظروف الواقعة والنظر في كيفية اتخاذ التدابير كافة لتلافي الأخطاء واحترام المعايير لتحديد الطبيعة العسكرية للأهداف المقصودة، فضلاً عن تحديد المسؤوليات، ودفع التعويضات لذوي الضحايا.
حتى اليوم، ما زالت باريس؛ ممثلة في وزيرة الدفاع فلورانس بارلي وقيادة الأركان، متمسكة بروايتها للحادثة، وتسرد مجموعة من الانتقادات لعمل اللجنة الدولية وكيفية خلوصها إلى النتائج التي جاءت في التقرير. لكن السؤال اليوم يتناول الطريقة التي ستعتمدها باريس من أجل طي هذه الصفحة التي تهدم ما تحاول فرنسا بناءه منذ سنوات، خصوصاً توفير عالي الثقة بينها وبين المدنيين.



ماكرون يدعو ترمب وزيلينسكي إلى «الهدوء والاحترام»

TT

ماكرون يدعو ترمب وزيلينسكي إلى «الهدوء والاحترام»

اجتماع سابق بين ماكرون وترمب وزيلينسكي في باريس (أ.ف.ب)
اجتماع سابق بين ماكرون وترمب وزيلينسكي في باريس (أ.ف.ب)

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيرَيْه الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى «الهدوء والاحترام»، عقب المشادة الكلامية في البيت الأبيض التي أثارت مخاوف من انسحاب الولايات المتحدة من الملف الأوكراني وحدوث قطيعة مع حلفائها الأوروبيين.

وقال الرئيس الفرنسي لصحيفة «لا تريبون ديمانش» الأسبوعية، وعدة صحف أخرى تصدر الأحد: «أرى أنه بغض النظر عن الغضب، فإن الجميع بحاجة إلى العودة للهدوء والاحترام والتقدير، حتى نتمكّن من المضي قدماً بشكل ملموس؛ لأن ما هو على المحك مهم للغاية».

وذكر قصر الإليزيه أن ماكرون تحدّث منذ مساء الجمعة مع الرئيسَيْن الأوكراني والأميركي، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وحذّر ماكرون من أنه إذا لم يتمّ إيقاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فإنه «سيذهب بالتأكيد إلى مولدافيا، وربما أبعد من ذلك إلى رومانيا».

وقال ماكرون إن انسحاباً محتملاً للولايات المتحدة من الملف الأوكراني «ليس في مصلحة» واشنطن؛ لأن «ما تفعله الولايات المتحدة منذ ثلاث سنوات يتوافق تماماً مع تقاليدها الدبلوماسية والعسكرية».

وأضاف أنه إذا وافقت واشنطن على «توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار من دون أي ضمانات أمنية لأوكرانيا» فإن «قدرتها على الردع الجيواستراتيجي في مواجهة روسيا والصين وغيرهما سيتلاشى في اليوم نفسه».