على حافة حديقة شاسعة في طهران أقيم هيكل خرساني بتصميم يعرف بـ«العمارة القاسية» بلون الرمال، بداخله أحد أرقى مجموعات الفن الغربي الحديث في العالم.
يدخل الزائر إلى «متحف طهران للفن المعاصر» من خلال ردهة تدور بشكل حلزوني نحو الأسفل وكأنه نسخة مقلوبة من «متحف غوغنهايم» لفرانك لويد رايت، لتجد صور آية الله الخميني، والد ثورة 1979 الإيرانية، وآية الله علي خامنئي، الذي خلفه في منصب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، تتصدر المكان.
تحت الأرض ستجد في انتظارك سلسلة من صالات العرض حيث لا شيء يضاهي الشعور بالوقوف وجهاً لوجه لأول مرة أمام أكثر التحف الفنية إثارة، وهي لوحة جدارية لجاكسون بولوك تعود لعام 1950 تحمل عنوان «جدارية على أرض حمراء»، وهي لوحة من القماش بطول 6 أقدام وعرض 8 أقدام، رُسمت باللون الأحمر الصدئ وبها طبقات سميكة من الطلاء المقطر، وتعتبر أحد أفضل أعمال الرسام في تلك الفترة المهمة.
يضم المتحف أعمالاً لفنانين مثل مونيه، وبيسارو، وتولوز لوتريك، وديغا، ورينوار، وغوجان، وماتيس، وشاغال، وكليي، وويسلر، ورودين، وفان جوخ، وبيكاسو، وكندنسكي، وماغريت، ودالي، وميرو.
تولت تصميم المتحف الإمبراطورة فرح ديبا بهلوي، زوجة الشاه محمد رضا بهلوي، وافتُتح لينال شهرة دولية في عام 1977. غير أنه بعد 15 شهراً فقط غادر الزوجان البلاد إثر انتفاضة شعبية ضخمة فيما اعتبر لاحقاً يوم «عطلة» رسمية في البلاد بعدما استبدلت الثورة النظام الملكي بجمهورية إسلامية في غضون أسابيع.
كان بإمكان النظام الجديد بيع أو تدمير روائع الفن الغربي. وبدلاً من ذلك، أُغلق المتحف وأخفيت كنوزه في قبو خرساني، وجرى الحفاظ على قصور الشاه وتحويلها في النهاية إلى متاحف. ولسنوات عديدة، ظلت المجموعة الفنية التي جرى شراؤها بأقل من 100 مليون دولار، محمية ولكنها غير مرئية، حسب بعض التقديرات، وتبلغ قيمتها في الوقت الحالي 3 مليارات دولار.
ومؤخراً كتبت دونا شتاين، المنسقة الأميركية التي عاشت في طهران بين عامي 1975 و1977 ولعبت دوراً صغيراً لكنه مهم في الحصول على تلك المجموعة، مذكرات بعنوان «أنا والإمبراطورة: كيف جمعت الإمبراطورية القديمة الفن الحديث ورفضته ثم أعادت اكتشافه».
تروي المذكرات قصتين متشابكتين: قصة بيروقراطية تحركها قواعد هرمية، لكنها مختلة وظيفياً في كثير من الأحيان والتي اشترت الفن الغربي بأسعار زهيدة بشكل عجيب. الصورة الأخرى تعرض الحياة اليومية لشابة أميركية غير متزوجة عاشت في نظام طهران القديم.
تشعر شتاين، التي تبلغ من العمر الآن 78 عاماً، والتي عملت في السابق مديرة لمتحف ويندي في لوس أنجليس والمتقاعدة حالياً، أن ما يجري حالياً ليس سوى تصفية حسابات.
وكتبت في مقدمة مذكراتها: «لأنني كنت أجنبية أعمل إلى حد كبير في السر، فإن دوري القيادي في تشكيل المجموعة الوطنية لم يجرِ الاعتراف به بشكل كامل»، مضيفة أن رؤساءها الذكور «استحوذوا بجرأة على الفضل في اختياراتي الجمالية». وبالتالي كتبت المذكرات تحت عنوان، «الإمبراطورة وأنا» لتصحيح التاريخ.
اختارت فرح ديبا بهلوي ابن عمها، كامران ديبا، مهندس معماري، مديراً مؤسساً للمتحف الجديد الذي ستملأه بالفن الإيراني والغربي الحديث. وعملت شتاين خلف الكواليس باحثة ومستشارة لكريم باشا بهادوري، رئيس موظفي المشروع وصديق الطفولة للإمبراطورة.
بدأت شتاين العمل بالتدريج، وذلك برسم سياسة الاقتناء، وبناء مكتبة وتحديد الرسومات والصور والمطبوعات للشراء من خلال دراسة كتالوجات البيع بالمزادات والمعارض الخاصة.
وسرعان ما شرعت شتاين في تنظيم حملات استكشافية وصياغة مذكرات مفصلة حول الأعمال الكبرى التي تأمل في الحصول عليها للمجموعة. وساعدت في إقامة علاقات مع التجار وهواة الجمع والقيمين وأصبحت همزة وصل بينهم وبين رؤسائها. وفي مقابلة عبر الهاتف من «التادينا» في لوس أنجليس، حيث تعيش مع زوجها هنري جيمس كورن، المتخصص المتقاعد في إدارة الفنون، قالت شتاين: «كنت بمثابة الفلتر للجودة، واستخدمت هذا الفلتر بقوة لعمل سجل للتاريخ والسياق والجودة والندرة. كانت تلك فقط هي المعايير، وليس التكلفة المادية. ولذلك كان هذا العمل هو وظيفة أحلامي».
بدأت شتاين العمل بينما كانت لا تزال تعيش في نيويورك. وخلال موجة شراء استمرت 10 أيام في مايو (أيار) 1975. عاد فريق الاقتناء بالمتحف إلى إيران ومعه 125 عملاً قالت إنها حددتها للشراء. تضمنت قطعاً مهمة لبيكاسو مثل تلك اللوحة التكعيبية بعنوان «نافذة مفتوحة على شارع بينتييفر في باريس»؛ ولوحة «أسرار وإلهام»، وتمثال من البرونز بعنوان «بابون ويونغ».
وخلال رحلاتها، اختارت شتاين أيضاً عمل الفنان ألكساندر كالدر «السمكة البرتقالية»، وذلك عقب محادثة مع كلاوس بيرلس، مالك معارض «يبرلس غالاريز» والوكيل الرئيسي لشركة «غلادر» في الولايات المتحدة. كذلك زارت شتاين وزملاؤها أيضاً الدور العلوي لـ«متحف الفن الحديث»، الذي يشرف عليه أمين المتحف ويليام روبين، لدراسة لوحة الفنان بولوك بعنوان: «جدارية على الأرض الهندية الحمراء» قبل شرائها.
* خدمة «نيويورك تايمز»
حيث قالت في مذكراتها: «لم أكن من عثرت على اللوحة، لكنني أحببتها بشدة».
في إيران، ذكرت لبهادوري، الذي وصفته بـ«البعيد»، أنها بإمكانها أن تمضي أشهر دون أن تراه، وتقول إنه لا يعرف شيئاً عن الفن، «فقد كنت أشعر خلال كل اجتماع معه أن وظيفتي هي أن أعلمه تاريخ الفن».
في النهاية اكتسبت قدراً من الشجاعة وحثته على شراء لوحات جريئة مثل «المرأة الواقفة 1» لألبرتو جياكوميتي، و«الرجل الماشي»، ولوحة مارك روثكو بعنوان «سينا»، ولوحة «برتقالي وأسود على بني غامق»، و«المركز الأصفر»، ولوحة «روتو برويل» لروي ليشتنشتاين، ومطبوعات مثل «صورة شخصية» لادفارد مونك. وشجعته على شراء أعمال عند طرحها في المزاد منها «رجل متكئ على منحوتة» لفرانسيس بيكون، و«آخر كائن»، وهي منحوتة فريدة من نوعها.
لكن بهادوري كان الوجه العام للفريق حيث أُجبرت شتاين على البقاء في الظل. وكتبت شتاين تقول إن شكوكها في أنه «سرق الفضل في عملي الشاق زاد بمرور الوقت». وتدهورت مكانتها في المتحف عندما تم تعيين ديبا مديرة، وقالت: «لقد أصبحت محور ضغط الجميع من أجل السلطة، وفي النهاية تجردت من أي دور».
غادرت شتاين إيران في منتصف عام 1977 وعادت في زيارة قصيرة عندما افتتح المتحف في أكتوبر (تشرين الأول).
ورغم أنها قررت تأطير الكتاب حول فرح ديبا بهلوي التي أشارت إليها في الكتاب على أنها «صديقة»، قالت شتاين إنها التقت في ثلاث مناسبات قصيرة فقط مع الإمبراطورة في إيران وكان لقاءها الوحيد معها وجهاً لوجه بعد مقابلة في نيويورك عام 1991.
وفي رد بالبريد الإلكتروني على أسئلة مكتوبة، قالت فرح ديبا بهلوي: «كانت دونا شتاين شخصية محترفة ومجتهدة حققت نتائج. ولقد وثقت برأيها ولدينا علاقة ودية ونتواصل عبر الهاتف، وإن لم يكن كثيراً».
وأضافت أن «شتاين أسست مجموعة كبيرة من المقتنيات في جميع وسائل الإعلام كأساس لمجموعة وطنية جادة من الفن الحديث والمعاصر».