كيف ساعد «القمر الدودة» على تحرير السفينة الجانحة بقناة السويس؟

قوى الطبيعة تجد الحلول لأسوأ كارثة ملاحية

صورة من محطة الفضاء الدولية لحادث السفينة العالقة (ناسا)
صورة من محطة الفضاء الدولية لحادث السفينة العالقة (ناسا)
TT

كيف ساعد «القمر الدودة» على تحرير السفينة الجانحة بقناة السويس؟

صورة من محطة الفضاء الدولية لحادث السفينة العالقة (ناسا)
صورة من محطة الفضاء الدولية لحادث السفينة العالقة (ناسا)

احتاجت سفينة الشحن الضخمة «إيفر جيفين» إلى القليل من مساعدة «قمر الدودة» الذي زين السماء لتحصل على دفعة ساعدت على تحريرها، بعد أن تقطعت بها السبل في قناة السويس.
كارثة ملاحية
ولمدة أسبوع تقريباً، سيطرت كارثة الحاوية على تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي، فقد انحصرت السفينة التي يبلغ طولها 1300 قدم (400 متر) في ممر تجاري رئيسي، ما أدى إلى عرقلة حركة المرور، قبل أن تنجح جهود تحريرها بمساعدة عوامل المد والجزر، التي توفرها ظروف «القمر الدودة»، وهو الاسم الذي يطلق على البدر الكامل لهذا الشهر نسبة إلى ديدان الأرض، التي يبدأ ظهورها في مارس (آذار).
يقول موقع «ساينس لايف» في تقرير له الثلاثاء الماضي، إن حادثة الحاوية لم تكن تشغل أهل الأرض فقط، بل وصل صداها إلى الفضاء على بعد 250 ميلاً (400 كيلومتر) فوق الأحداث، حيث توجد محطة الفضاء الدولية، وقام رائد الفضاء الروسي سيرجي كود - سفيرشكوف، الذي يعيش ويعمل في المختبر المداري منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بمشاركة الصور الملتقطة من موقعه المداري لمركب «إيفر جيفين» الشهير العالق في قناة السويس.
وكتب سفيرشكوف «أحد أكثر الأخبار التي نوقشت هو حادث قناة السويس، حيث حجبت إحدى أكبر سفن الحاويات في العالم أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم... ويمكنك رؤية المشهد الآن من محطة الفضاء الدولية».
وأصدرت وكالة الفضاء الأوروبية صوراً من قمرها الصناعي (Sentinel - 1) تقارن فيها حركة المرور المعتادة في قناة السويس مع الوضع يوم الخميس (25 مارس)، عندما تراكمت السفن الأخرى في ازدحام مروري خلف السفينة.
وفي هذه الأثناء، شاهدت الأقمار الصناعية التي تديرها شركة (Maxar) الأميركية جهود الإنقاذ التي بدأت تؤتي ثمارها، حيث عرضت كل من الأقمار الصناعية (WorldView - 2) (GeoEye - 1)من الشركة إطلالات على «إيفر جيفين» وزوارق القطر المحيطة بها في وقت متأخر من صباح الاثنين 29 مارس.
لكن منظر تلك القاطرات كان له يد المساعدة من بعض الميكانيكا السماوية، فبعد كل شيء، فإن قناة السويس، مثل العديد من المسطحات المائية الأخرى، ترتفع وتنخفض مع المد والجزر، وهو أحد الآثار الجانبية لعلاقة الأرض بجيرانها في الكون.
قوى الطبيعة
يكون المد والجزر في أقصى درجاته عندما تتوافق الأرض مع كل من الشمس والقمر، وهما الجسمان اللذان يمارسان أقوى جاذبية على كوكبنا، ونظراً لأن الماء يتحرك بسهولة أكبر استجابة لهذا السحب، فإن المد والجزر هي الاستجابة الأكثر وضوحاً لهذا التجاذب الثقالي. وعندما يكون هناك قمر كامل أو قمر في طورته الجديدة، فإن جاذبيته تضيف قوة لجاذبية الشمس، ما يؤدي إلى المد والجزر الأكثر دراماتيكية، وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA).
وكان قمر الدودة يوم الأحد (28 مارس)، هو أفضل وقت بالنسبة للسفينة التي تقطعت بها السبل، حيث كان القمر قريباً نسبياً من الأرض ووصل إلى أقرب نقطة تسمى الحضيض يوم الثلاثاء (30 مارس)، وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
وتضيف الإدارة: هذه العوامل تعني أن القمر اصطف بالفعل ليمنح «إيفر جيفين» دفعة تشتد الحاجة إليها، وربما شهدت قناة السويس مستويات مياه أعلى بحوالي 18 بوصة (46 سم) من المعتاد.
وكان بيتر بيردوفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة «بوسكاليس»، وهي شركة الإنقاذ التي ساعدت في الإفراج عن إيفر جيفين، أكد على هذه الحقيقة لوكالة أسوشيتيد برس، وقال: «ساعدنا بشكل كبير المد الهابط القوي الذي شهدناه هذا المساء، ففي الواقع، لديك قوى الطبيعة تدفعك بقوة، وقد دفعت بقوة أكبر مما يمكن أن تسحبه قاطرتان».
والآن، بفضل القمر، فإن إيفر جيفين أصبحت تسير مرة أخرى، لتؤكد على أن قوى الطبيعة تحمل الحل في كثير من المواقف الصعبة.
يقول الدكتور ياسر عبد الهادي الأستاذ بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، إن القمر هو الأقرب إلى الأرض من الشمس، لذلك فإنه رغم صغر حجمه، فإن تأثير جاذبيته على مياه البحار والمحيطات مرتفع.
ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «الطبيعي أن هذا التأثير يزيد كلما كان القمر في أقرب نقطة من الأرض، وهذا يحدث في مرحلتي المحاق والبدر، حيث يصل المد إلى أقصى نقطة، وهذا ما ساعد في تحرير السفينة العالقة، وهو الأمر الذي لم يكن متاحا قبل ذلك، حيث تقل في الأسبوعين الأول والثالث ظاهرة المد».


مقالات ذات صلة

أول قمر اصطناعي خشبي في العالم تُطلقه اليابان إلى الفضاء

يوميات الشرق بين يدَي تاكاو دوي نموذج هندسي لـ«ليغنوسات» (رويترز)

أول قمر اصطناعي خشبي في العالم تُطلقه اليابان إلى الفضاء

انطلق أول قمر اصطناعي خشبي في العالم صنعه باحثون يابانيون إلى الفضاء، الثلاثاء، في اختبار مُبكر لاستخدام الأخشاب باستكشاف القمر والمريخ.

«الشرق الأوسط» (كيوتو اليابان)
آسيا مركبة الإطلاق «سويوز 2.1» خلال انطلاقها من قاعدة فوستوتشني الفضائية الروسية (أ.ب)

روسيا تطلق للفضاء عشرات الأقمار منها اثنان لإيران

قالت وكالة الفضاء الروسية (روسكوسموس) إن روسيا أطلقت صاروخا من طراز سويوز في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء محملا بقمرين صناعيين مصممين لمراقبة الطقس.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
علوم أداة رسم خرائط ثلاثية الأبعاد تحل محل نظام تحديد المواقع العالمي

أداة رسم خرائط ثلاثية الأبعاد تحل محل نظام تحديد المواقع العالمي

إذا حدث وتعطَّل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، فهل يمكن للطائرات التنقل من خلال مقارنة الملامح التي ترصدها فيما حولها، بخرائط ثلاثية الأبعاد مفصَّلة؟

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا لحظة انطلاق المركبة "شنتشو-19" على متن صاروخ من طراز "لونغ مارش-2إف" من مركز جيوتشيوان لإطلاق الأقمار الصناعية

رواد فضاء صينيون يؤدون تجارب لاستخدام الطوب في البناء على القمر

أرسلت الصين ثلاثة رواد فضاء إلى محطتها الفضائية المأهولة حيث سيجرون عشرات التجارب العلمية بعضها يتعلق ببناء مساكن بشرية.

«الشرق الأوسط» (جيوتشيوان)
تكنولوجيا استكشاف المريخ يُعدّ أمراً صعباً للغاية (رويترز)

روبوتات بأدمغة حشرات قد تشق طريقها قريباً إلى المريخ

قد تشق روبوتات مدرّبة على العمل بطريقة أدمغة الحشرات نفسها طريقها عبر الفضاء قريباً، حيث يخطّط مطوّروها لاختبارها على المريخ.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«الأكل العاطفي» تُحوّله الحرب إعلاناً للحياة... ولا تغفر مبالغاته

تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
TT

«الأكل العاطفي» تُحوّله الحرب إعلاناً للحياة... ولا تغفر مبالغاته

تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)

يقصد عيادةَ اختصاصية التغذية اللبنانية، فيرا متّى، مواظبون على خطط غذائية تقي ويلات؛ منها السكّري. هؤلاء، في معظمهم، لم يغادروا المنازل نحو سقوف تتراءى آمنة من التوحّش المُعادي. في مقابلهم، يُفرِط كثيرون في تناول الطعام لسدّ حاجة إلى امتلاء تفرضه فراغات مؤلمة. لطالما تأكّدت العلاقة الشائكة بين المعدة والعالم الخارجي، وبدا وثيقاً الرابط بين الطعام والظرف. هذه أيامٌ مضطربة. جَرْفٌ من النزوح والخوف وفوضى الوقت. لذا تتدخّل الشهية في ترميم ما يتجوَّف. وتمنح بعض الأصناف اللذيذة شعوراً بالسكينة. فماذا يحدُث لدواخلنا، وهل النجاة حقاً بالأكل؟

اختصاصية السلوك الغذائي والتغذية العيادية الدكتورة فيرا متّى (حسابها الشخصي)

ينطبق وَصْف «ستريس إيترز (الأكل العاطفي)» على ملتهمي الطعام الملوَّعين بالمآسي. تقول اختصاصية السلوك الغذائي والتغذية العيادية، الدكتورة فيرا متّى، إنهم يشاءون مما يتناولونه الإحساس بواقع أفضل. تتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن وَقْع الاضطراب في الأجساد والنفوس، فتتصدّى له، عموماً، أصناف المأكولات وكمّياتها: «تاركو المنازل يتابعون النقل المباشر للحرب دون انقطاع. يتفاقم توتّرهم وينمو الشعور بعدم الأمان. ذلك يعزّز هرمونات تشتهي أنواع السكّر، وقد تتعدّى الرغبةُ الحلويات إلى الأملاح، دفعةً واحدة، دون فاصل أو استراحة أضراس».

تحسم تبدُّل العادات الغذائية أو تأثّرها في أقل تقدير. فغذاء النازح غالباً «غير صحّي»، ويُعمّق سوءه «النوم المتقطّع، والروتين المستجدّ». تشرح: «ضرر ذلك على الأطفال الحدّ من نموّهم الفكري والجسدي، بينما يمسُّ هرمون الكورتيزول المُسبِّب تكوُّن الدهون على بطن الكبار، فتتحقّق زيادة الوزن وإن قلَّ التهام الطعام جراء اضطراب النوم والتوتّر العالي. هنا، يتحوّل كل ما يدخل الفم إلى دهون لإصابة هذا الهرمون بالارتفاع اللافت مُحوطاً بعوامل تُصعِّب انخفاضه».

تستوقفها وضعية التغذية المستجدّة، لتراوحها بين القلّة والسوء: «قد يحضُر الطعام على شكل معلّبات مثلاً. هذه طافحة بالصوديوم والسكّر المُضاف، وتحتوي مواد كيميائية تُسبّب السرطان على المدى الطويل. بذلك، لا يعود نقصُ الطعام مُسبِّبَ المرض؛ وإنما سوءه».

غذاء النازح غالباً غير صحّي ويُعمّق سوءه النوم المتقطّع (أ.ف.ب)

ما يُفعِّل تناقُل الأمراض، وفق فيرا متّى، «الطعام غير المحفوظ جيداً». تتحدّث عن حالات بكتيرية تتمثّل في عوارض؛ منها التقيّؤ واضطراب الأمعاء، لغياب الثلاجات أو انقطاع الكهرباء. «ذلك يُخفّض المناعة وينشر الأوبئة، خصوصاً بين الأطفال. أما الكبار فيفاقمون مشكلات السكّري والشرايين والكولسترول وتشحُّم الكبد إنْ عانوها».

تعطي نسبة 20 في المائة فقط، من بين مَن تابعتْ حالتهم الغذائية، لمن لا يزالون يلتزمون نظامهم الصحّي. آخرون لوَّعهم السكّري، فازدادوا لوعة، وضخَّم تبدُّلُ غذائهم معاناتهم مع الأمراض. من دورها العيادي، تحاول إعادة أمور إلى نصابها: «نركّز اليوم على السلامة الغذائية، وكيفية تعامُل النازحين مع واقعهم الصحّي. دورنا توعوي. علينا الحدّ من التسمُّم، فأزمة الدواء لم تُحلّ، والمستشفيات توفّر استيعابها للجرحى. لا بدّ من تفادي تحميلها أعباء إضافية».

تفترض إخضاع اللبنانيين لفحص يختبر انجراف معظمهم خلف «الأكل العاطفي»، وتضمن النتيجة: «قلة فقط ستكون خارج القائمة». تصوغ معادلة هذه الأيام: «تلفزيون وبرادات. الالتهام فظيع للأخبار والمأكولات. لا شيء آخر. نحاول جَعْل هذا البراد صحّياً».

إنها الحرب؛ بشاعتها تفرض البحث عن ملاذ، ومطاردة لحظة تُحتَسب، والسعي خلف فسحة، فيتراءى الطعام تعويضاً رقيقاً. بالنسبة إلى اختصاصية التغذية، إنه «إحساس بالامتلاء وبأنّ مَن يتناوله لا يزال حياً». تحت قسوة هذه الأيام ومُرّها، لا يعود الإحساس بالذنب المُرافق للإفراط في تناوله، هو الغالب... «يتراجع ليتقدّم الشعور بالنجاة. مساعي البقاء تهزم فكرة الكيلوغرامات الزائدة. بإمكان الأكل العاطفي إتاحة المساحة للراحة والسعادة. ذلك يسبق تسبّبه في ثقل وزيادة الوزن. بتحقّقهما، يلوح الذنب، وإنما في مرحلة لاحقة، بعد بهجة الامتلاء الداخلي».

ضرر سوء الغذاء على الأطفال يمسّ بنموّهم الفكري والجسدي (د.ب.أ)

تتفهّم الحاجة إلى اللحاق بكل ما يُعزّي والتشبُّث به. الطعام يتقدَّم. ترى أن لا أحد مخوَّلاً تقديم نصيحة لنازح من نوع «اضبط شهيتك بينما القصف في جوارك». برأيها، «يكفي الخوف وحده شعوراً سيئاً». يهمّها «الحدّ من نتائج كارثية ستظهر بوضوح بعد الحرب»، مُفضِّلة الاستعانة بالتمر مثلاً بدل «القضاء على علبة شيكولاته» والقهوة البيضاء لتقليص ضخّ الكافيين.

وتنصح بالتنفُّس والرياضة، فهما «يهدّئان هرمون الأعصاب»، وبالنظافة بما «تشمل غلي الماء قبل استعماله حال الشكّ في مصدره». تضيف: «الاستغناء عن تناول دجاج ولحوم أُبقيت مدّة خارج الثلاجة، لاحتمال فسادها، على عكس الحمّص والصعتر، مثلاً، القابلَيْن لعمر أطول». أما الحصص الغذائية، فالمفيد منها «التونة والسردين والأرز والمعكرونة وزيت الزيتون، ولا بأس بمعلّبات البازلاء والذرة بديلاً للخضراوات. يُفضَّل استبعاد اللحوم المصنّعة. الحليب المجفَّف جيّد أيضاً لغياب الطبيعي».