«تيار المستقبل» يدير أذنا للحوار وأخرى للمحكمة

يفصل بين المسارين وينتظر الحكم النهائي لتحديد الخطوات اللاحقة

«تيار المستقبل» يدير أذنا للحوار وأخرى للمحكمة
TT

«تيار المستقبل» يدير أذنا للحوار وأخرى للمحكمة

«تيار المستقبل» يدير أذنا للحوار وأخرى للمحكمة

تحل ذكرى اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري هذا العام، فيما حزبه السياسي «تيار المستقبل» يخوض حوارا مع حزب الله الذي وجهت المحكمة الدولية اتهاما لعدد من عناصره بالضلوع في الجريمة، وذلك بعد أن قرر الفريقان أن يضعا جانبا الملفات الاستراتيجية الخلافية ومن بينها ملف المحكمة الدولية. وفي حين يتمسك تيار الحريري بكل ما صدر وسيصدر عن المحكمة، يتعامل حزب الله معها كأنها غير موجودة ولا تعنيه.
قياديو «المستقبل» ونوابه يشددون على أنهم حين قرروا الجلوس على طاولة الحوار الثنائي مع الحزب، فصلوا ما بين مساري المحكمة والمصلحة الوطنية العليا، حسب الوزير السابق والنائب في «المستقبل» أحمد فتفت، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن مقتنعون بوجوب التحاور مع الحزب الذي يمثل شريحة كبيرة من اللبنانيين بغض النظر عن دوره الأمني والعسكري الذي نرفضه»، لافتا إلى أن «المستقبل يسعى مع الحزب الله لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في خضم منطقة مشتعلة تحقيقا لمصالح الشعب اللبناني التي تبقى أولوية بالنسبة لنا، لكننا في الوقت عينه نتابع عن كثب ما يجري في المحكمة التي تتمتع بكامل ثقتنا وسنحافظ عليها بكل ما أوتينا من قوة».
وأشار فتفت إلى أن «المستقبل» ينتظر الحكم النهائي للمحكمة لتحديد المسؤوليات واتخاذ الخطوات المناسبة، «فالعناصر المتهمون بعملية الاغتيال لا شك هم من الحزب لكن ما نتوقع أن نسمعه في القرار النهائي ما إذا كانوا نفذوا قرارا حزبيا أم أنهم جزء من مجموعة أمنية إيرانية - سوريا خططت ونفذت عملية الاغتيال». وأضاف: «لكن المشكلة الحقيقية هي في إصرار الحزب على حماية المتهمين ووصفهم بالقديسين، مما أدى لتوريط نفسه أقله معنويا بالعملية. فاليوم حتى ولو ثبت أن هؤلاء العناصر لم ينفذوا قرارا حزبيا، فالحزب وضع نفسه بموقع المتهم من خلال منعه تحقيق العدالة».
ويذكر أن المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الحريري كانت قد أصدرت في عام 2011 قرارات اتهام بحق 4 أفراد ينتمون لحزب الله؛ هم سليم عياش ومصطفى بدر الدين، وحسين عنيسي، وأسد صبرا. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أصدرت قرار اتهام جديد بحق حسن مرعي، وهو أيضا عنصر في حزب الله بتهمة مشاركته باغتيال الحريري. ولقد صدر أول موقف رسمي لحزب الله من موضوع المحكمة على لسان أمينه العام حسن نصر الله في عام 2011 أعلن خلاله رفض كل ما يصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، واصفا إياها بأنها «أميركية - إسرائيلية». واعتبر نصر الله أن كل ما يصدر عنها «اتهامات باطلة وأحكام باطلة وهي بمثابة عدوان علينا وعلى مقاومينا، وهدفها إحداث فتنة أو حرب أهلية في لبنان».
وما زال موقف الحزب بعد مرور 4 سنوات على اتهام عناصره بعملية الاغتيال على ما هو عليه. فهو يتعاطى مع كل ما يصدر عن المحكمة بلامبالاة كاملة. وقالت مصادر في قوى 8 آذار، التي تضم حزب الله، مطلعة على أجواء الحزب أنه «لا يهتم لا من قريب أو من بعيد بالمحكمة ويعتبرها غير جديرة بالاهتمام، وكأنها واتهاماتها في عالم آخر»، وأضافت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «من هذا المنطلق لا يجد الحزب أي مشكلة بالجلوس على طاولة واحدة مع أولياء الدم، حتى أنه يتفهم موقفهم الذي ينطلق من تحليل منطقي للأمور يقضي بأن تكون مصلحتهم ومصلحة اللبنانيين بالتلاقي».
ومن جانب آخر، وصف نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الحوار بين حزبه و«المستقبل» بـ«الجيد والإيجابي والمفيد»، قائلا في احتفال للحزب في بيروت يوم أمس: «لمسنا الجدية عند الطرفين، وقرار الطرفين أن يستمرا بالحوار، وأن لا يردا على هرطقات المتضررين من الذين لا يرغبون في الحوار. والحمد لله ظهرت بعض الآثار لهذا الحوار من تخفيف الاحتقان، وإن شاء الله يكون هناك مزيد من النتائج الإيجابية».
ورأى قاسم أن «لبنان في درجة مهمة من الاستقرار الأمني والسياسي، ولكن هذا الاستقرار قراره سياسي، لولا أن الأطراف المختلفة متفقة على الاستقرار السياسي، وهناك إجماع دولي إقليمي على أن الاستقرار في لبنان ينفع الجميع، لما وجدنا هذا الاستقرار».
ورد نادر الحريري، مدير مكتب رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، على ما أشيع عن أن مصطفى بدر الدين، أحد المتهمين باغتيال الحريري ظهر خلال التعازي بجهاد مغنية، نجل القيادي في حزب الله عماد مغنية، باعتباره أحد أقربائه، فقال: «أنا لم أره، وأتمنى أن يكون هذا الخبر غير دقيق. لكن إذا صح الخبر، فهذا مناقض للبند الأساسي الذي نبحثه في الحوار وهو تخفيف الاحتقان المذهبي. أتمنى من كل قلبي أن لا يكون الخبر صحيحا».
هذا، وأفاد تحقيق نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية قبل أيام استنادا إلى ما قالت إنها تحقيقات باغتيال الحريري، بأن بدر الدين، وهو أبرز المتهمين الخمسة في القضية، قد يكون طلب موافقة من القائد العسكري السابق لحزب الله عماد مغنية على تنفيذ التفجير الذي قتل فيه الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».