السعودية لتأكيد نهج التحول البيئي عالمياً بأكبر مبادرات خضراء تنفيذية

مختصون لـ «الشرق الأوسط»: المبادرتان تمثلان نقلة نوعية في تاريخ الطاقة والمناخ الدولي وتمهدان لاستثمارات عملاقة

السعودية تقدم مبادرة عالمية لأكبر مشروع تشجير عالمي لمواجهة التغيرات المناخية (تصوير: بشير صالح)
السعودية تقدم مبادرة عالمية لأكبر مشروع تشجير عالمي لمواجهة التغيرات المناخية (تصوير: بشير صالح)
TT

السعودية لتأكيد نهج التحول البيئي عالمياً بأكبر مبادرات خضراء تنفيذية

السعودية تقدم مبادرة عالمية لأكبر مشروع تشجير عالمي لمواجهة التغيرات المناخية (تصوير: بشير صالح)
السعودية تقدم مبادرة عالمية لأكبر مشروع تشجير عالمي لمواجهة التغيرات المناخية (تصوير: بشير صالح)

في وقت تشهد فيه السعودية مؤخراً تحركات متسارعة نحو تحقيق الاستدامة البيئية، لتكون أحد مبادئها الرئيسية في كل مبادراتها وبرامجها، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، أول من أمس، عن أكبر مبادرتين تنفيذيتين عالميتين للمناخ وحماية البيئة، وهما: «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، اللتين سيجري إطلاقهما قريباً، حيث ترسمان توجه البلاد (وفق رؤية 2030) والمنطقة نحو حماية الأرض والطبيعة، ووضعها في خريطة طريق ذات معالم واضحة، وتسهمان بشكل قوي في تحقيق المستهدفات العالمية.
وفي وقت نقلت فيه السعودية نهج مبادرات التحول المناخي إلى أرض الواقع، أكد مختصون لـ«الشرق الأوسط» أن مشاريع السعودية مؤخراً تؤكد حراكها نحو الحفاظ على البيئة، والاعتماد عليها بصفتها مرتكزاً أساسياً في مبادراتها لمستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة، مبينين أن المملكة تطمح إلى خلق تغيير شامل بالمنطقة يتلاءم مع مكانتها الاستراتيجية، مشيرين إلى أن هذه المشاريع تمثل مصدراً مسؤولاً بيئياً للطاقة، وتسعى إلى خفض الانبعاثات الكربونية ومكافحة التلوث البيئي، كما ستكون نقلة نوعية في تاريخ الطاقة، وتمهد لاستثمارات عملاقة.

المكانة العالمية
من جانبه، ذكر محمد الضبعي، المتخصص في الاقتصاد النفطي، لـ«الشرق الأوسط» أن المملكة تنطلق من مكانتها العالمية، بصفتها أحد أكبر الاقتصادات، وتدرك أن البيئة مؤشر تنموي يعكس ازدهار المجتمع وتقدمه، ولها دور مهم في إيجاد بيئة صحية إيجابية جاذبة، ورفع مستوى جودة الحياة من خلال طبيعة متوازنة مستدامة.
وأبان الضبعي أن المملكة تبادر من مسؤوليتها، بصفتها أحد أهم مصادر الطاقة في العالم، لجعلها أكثر صداقة للبيئة، الأمر الذي سيطيل من عمر الطلب العالمي على مصادر الطاقة الأحفورية، لذلك قامت السعودية بإعادة هيكلة المنظومة البيئية، وأنشأت مراكز بيئية جديدة، وحدثت الأنظمة والقوانين، وأسست القوات الخاصة للأمن البيئي للتنفيذ.
وأوضح أن المبادرتين جاءتا لترسما توجه الدولة في المساهمة بشكل فاعل في حماية كوكب الأرض، وتؤكدا أن البيئة أصبحت ركيزة أساسية في توجهات المملكة، مؤكداً أن تقليل الانبعاثات بنسبة 4 في المائة من خلال الطاقة المتجددة، و2.5 في المائة عبر التشجير، و10 في المائة من خلال تخفيض الانبعاثات الناتجة عن صناعة النفط، سيحقق خفضاً تاريخياً في انبعاثات الكربون يصل إلى 16 في المائة.
كذلك فإن مبادرة الشرق الأوسط تمثل أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم، وهو ضعف حجم السور الأخضر العظيم في منطقة الساحل لزراعة 40 مليار شجرة إضافية في الشرق الأوسط، وستخفض الانبعاثات الكربونية بما نسبته أكثر من 10 في المائة من المساهمات العالمية.

بيانات وصفية
وتابع الخبير النفطي أن بيئة المملكة قد عانت في العقود الأخيرة من انحسار الغطاء النباتي والتصحر، وزيادة معدلات التلوث والعواصف الترابية، وانقراض فصائل من الكائنات الفطرية، وانخفاض منسوب المياه الجوفية، وتسبب ذلك في خلل بيئي كبير وأضرار اقتصادية وصحية على الإنسان.
وقال: «تقدير حجم العمالة في الاقتصاد الأخضر بالمملكة يتطلب استخدام نهج (تثليث البيانات) الذي يستخدم كثيراً من مصادر البيانات للقطاعات... يمكن أن يعطي هذا اقتراحاً بدور الاقتصاد الأخضر في التنمية الاقتصادية والتوظيف على المستوى الإقليمي، وسيجعل من الممكن مقارنة مقياس (الوظائف الخضراء) بالتوظيف في القطاعات المرتبطة بالوقود الأحفوري، ومقارنة الاقتصاد الأخضر في السعودية بالاقتصادات الأخرى داخلياً وخارجياً».
ومن خلال مجموعة بيانات قطاع الخدمات والسلع منخفضة الكربون والبيئية، وفق فيصل الفضل ممثل المنظمات غير الحكومية لدى الأمم المتحدة بالوضع الاستشاري، يُقدر أن الاقتصاد الأخضر في الولايات المتحدة يمثل 1.3 تريليون دولار من عائدات المبيعات السنوية، ويوظف ما يقرب من 9.5 مليون عامل، منوهاً بأن كليهما نما بنسبة تزيد على 20 في المائة بين 2012 و2016.
ووفق الفضل، تشير المقارنة مع الصين وأعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ودول مجموعة العشرين إلى أن الولايات المتحدة لديها نسبة أكبر من السكان في سن العمل يعملون 4 في المائة، وعائدات مبيعات أعلى للفرد في الاقتصاد الأخضر، في حين تشير القيم المقدرة للبلدان الأخرى إلى أن لديها أيضاً إنتاجاً واستهلاكاً كبيراً في الاقتصاد الأخضر، مشدداً على ضرورة أن تحذو السعودية حذو الاقتصادات الأخرى، من حيث تطوير سياسات الطاقة والبيئة والسياسات التعليمية ذات الصلة بالاقتصاد الأخضر، لتظل قادرة على المنافسة في هذه المجالات.
وقال الفضل: «بالنظر إلى أوجه القصور في مصادر البيانات الأخرى، يمكن أن تساهم هذه المعلومات في فهم التأثير المحتمل للتغييرات في السياسات على المستوى الإقليمي في الشرق الأوسط على القطاعات الاقتصادية التي تعد حيوية لمكافحة تغير المناخ وحماية البيئة».
نقلة استثمارية

ووصف فيصل الفضل، الأمين العام للمنتدى السعودي للأبنية الخضراء، لـ«الشرق الأوسط» المبادرة بأنها نقلة نوعية في تاريخ الطاقة والبيئة، وهي تمهيد لاستقطاب مليارات من الاستثمارات الأجنبية للسعودية.
ومن ناحيته، قال عبد الله المليحي، المستثمر في مجال الأبنية الخضراء عضو مجلس الغرف السعودية السابق رئيس شركة التميز، إن مبادرة ولي العهد السعودي الخضراء ستستقطب مليارات الاستثمارات الأجنبية للمملكة نهاية العام، في ظل إمكانية جذب استثمارات خلال السنوات الخمس المقبلة بقيمة 20 مليار دولار. واستطرد: «تعد المبادرة داعماً كبيراً للاقتصاد، وطرحاً لمجالات مختلفة للبيئة، وتطويراً للمحميات، وحداً من التصحر، وفرصاً واعدة للاستثمار وخلق فرص العمل، بما يتناغم مع توجه الملكة نحو الاقتصاد النقي».
وتوقع المليحي أن تفتح هذه المبادرة شهية المستثمرين الدوليين في مجالات الصناعات التي تلتزم بمناصرة اتفاقية المناخ والاقتصاد الكربوني، حيث إن المبادرة ستعمل كذلك على تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4 في المائة من المساهمات العالمية، الأمر الذي يترتب عليه جذب الشركات العالمية المتخصصة في المجال البيئي، وجلب التقنيات الحديثة للمملكة، في ظل دعم كبير للمجال الزراعي والمشاتل لتوفير التقنيات التي تساعد علي إيجاد النباتات التي تتأقلم مع البيئة.

فرص العمل
ويعتقد المليحي أن هذه المبادرة بجانب اقتصاديتها الموجهة، فإنها ستوفر فرص عمل كبيرة للشباب السعودي من الجنسين، فضلاً عن أنها تضع المملكة في صف الدول المتقدمة الداعمة للبيئة الخضراء، مشيراً إلى أن المملكة غنية بالمحميات الطبيعية التي تصنف بصفتها من أكبر المحميات في العالم، ما يجعلها فرصة تاريخية لتطويرها، وأن تكون وجهات سياحية، إلى جانب مشاريع الطاقة المتجددة التي ستوفر 50 في المائة من إنتاج الكهرباء داخل المملكة بحلول عام 2030، ومشاريع في مجال التقنيات الهيدروكربونية النظيفة التي ستمحي أكثر من 130 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى رفع نسبة تحويل النفايات عن المرادم إلى 94 في المائة.
ووفق المليحي، فإن دراسة سعودية قدرت كمية النفايات المنتجة حتى عام 2035 بنحو 106 ملايين طن تحتاج إلى 1329 من محطات المعالجة والمدافن اللازمة، وعمل 77 ألف موظف، مؤكداً وجود كثير من الفرص الاستثمارية الجاذبة في هذا القطاع، في ظل تأكيد ولي العهد أن المملكة مصممة على إحداث تأثير عالمي دائم، انطلاقاً من دورها الريادي، وبدء العمل على مبادرة الشرق الأوسط الأخضر مع الدول الشقيقة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والشرق الأوسط.

الاستدامة البيئية
ومن ناحيته، أكد الخبير البيئي الدكتور علي عشقي لـ«الشرق الأوسط» أن من ركائز التنمية الاقتصادية تطبيق مبدأ الاستدامة لجميع النظم البيئية، وهي تعني الترشيد في استغلال الموارد البيئة، والمحافظة عليها، بما يضمن حق الأجيال المقبلة في هذه الموارد، مفيداً بأن المملكة حرصت على اتباع نهج علمي لتطبيق هذا المبدأ في جميع النظم، واستخدمت الهيدروجين الأخضر بصفته مصدراً للطاقة في نيوم وجميع مشاريع رؤية المملكة.
وواصل الدكتور عشقي أن السعودية تحارب جميع أشكال التلوث البيئي في النظم الثلاثة كافة: الغلاف الجوي والبحر والأرض، وتحد من العبث بالحياة الفطرية، وتنشئ المحميات البيئة لحماية الحياة الفطرية، علاوة على مكافحة التصحر، وزيادة مساحة الغطاء الخضري، ونشر التوعية بين شرائح المجتمع المختلفة.
وتابع أن ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي تعود إلى أنشطة الانفجارات الشمسية، وما يصدر عنها من موجات كهرومغناطيسية تعرف بالرياح الشمسية، وهي قادرة على رفع درجة حرارة الغلاف الجوي، إضافة إلى دورات ميلانكوفيتش الثلاث المسببة للعصور الجليدية الكبيرة الناجمة عن تغير موضع الأرض بالنسبة للشمس.

أسبقية سعودية
من جهتها، ذكرت الباحثة الكاتبة في شؤون الطاقة والمناخ إيمان عبد الله لـ«الشرق الأوسط» أن حماية البيئة من المستهدفات الرئيسية في «رؤية السعودية 2030»، وفازت بقصب السبق عالمياً بمطالبات تبني نهج خفض الانبعاثات، ونقلها إلى أرض الواقع، ليتسنى تحقيق العمل على خفض مستويات التلوث والتصحر، والتصدي لتحديات تغير المناخ، والحفاظ على التنوع الحيوي للحياة البحرية.
ووفقاً للباحثة، فإن «السعودية صدرت إلى اليابان أول شحنة من الأمونيا الزرقاء في العالم، وذلك لاستخدامها في توليد الطاقة الخالية من الكربون، وتبنت خلال رئاستها لمجموعة العشرين أخيراً مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، ليتم تأسيس أول مجموعة عمل خاصة للبيئة»، مشيرة إلى أنه تم إطلاق مبادرتين دوليتين: الأولى تستهدف الحد من تدهور الأراضي، والثانية تحافظ على صحة وحيوية الشعاب المرجانية.
وأضافت أن إعلان مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر» هو تأكيد لمكانة المملكة الدولية في المبادرة لتقديم الحلول الرامية إلى تحقيق المستهدفات العالمية في حماية كوكب الأرض والبيئة.


مقالات ذات صلة

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

الاقتصاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستحواذ على حصة تُقارب 15 % في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من فعاليات النسخة السابقة من المؤتمر في الرياض (واس)

السعودية تشهد انطلاق مؤتمر سلاسل الإمداد الأحد

تشهد السعودية انطلاق النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد، يوم الأحد المقبل، برعاية وزير النقل والخدمات اللوجيستية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة تجمع المسؤولين السعوديين واليابانيين خلال إطلاق صندوق مؤشرات متداولة وإدراجه في بورصة طوكيو (الشرق الأوسط)

«الاستثمارات العامة السعودي» يستثمر بأكبر صندوق في بورصة طوكيو

أعلنت مجموعة «ميزوهو» المالية، الخميس، إطلاق صندوق مؤشرات متداولة، وإدراجه في بورصة طوكيو.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة).

عبير حمدي (الرياض)

تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
TT

تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)

أيد أربعة من صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي يوم الجمعة المزيد من خفض أسعار الفائدة؛ شريطة أن يستقر التضخم عند هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة كما هو متوقع.

وخفض البنك المركزي لمنطقة اليورو أسعار الفائدة للمرة الرابعة هذا العام يوم الخميس، وأبقى الباب مفتوحا لمزيد من التيسير، على الرغم من أن بعض المحللين شعروا أن إشارة رئيسة البنك كريستين لاغارد في هذا الاتجاه كانت أقل وضوحا مما كانوا يأملون.

وبدا أن محافظ البنك المركزي الفرنسي فرنسوا فيليروي دي غالو، وزميله الإسباني خوسيه لويس إسكريفا، والنمساوي روبرت هولزمان، وغاستون راينش من لوكسمبورغ، قد أكدوا الرسالة يوم الجمعة.

وقال فيليروي دي غالو لإذاعة الأعمال الفرنسية: «سيكون هناك المزيد من تخفيضات الأسعار العام المقبل». وفي حديثه على التلفزيون الإسباني، أضاف إسكريفا أنه من «المنطقي» أن «يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة مرة أخرى في اجتماعات مستقبلية» إذا استمر التضخم في التقارب مع الهدف. وكان 2.3 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني).

وخفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الذي يدفعه على احتياطيات البنوك بمقدار 25 نقطة أساس إلى 3.0 في المائة يوم الخميس، ويتوقع المستثمرون تخفيضات أخرى بقيمة 100 نقطة أساس على الأقل بحلول يونيو (حزيران) المقبل.

ورفضت لاغارد التكهن بالمسار المستقبلي للأسعار، مشيرة إلى المخاطر التي تتراوح من التعريفات الجمركية الأميركية المحتملة إلى عدم اليقين السياسي في الداخل، حيث إن فرنسا حالياً دون حكومة، بينما تواجه ألمانيا تحديات انتخابات جديدة، فضلاً عن التضخم المحلي المرتفع.

وألقى فيليروي دي غالو، الوسطي الذي أصبح مؤيداً بشكل متزايد للسياسة التيسيرية في الأشهر الأخيرة، بثقله وراء توقعات السوق. وقال: «ألاحظ أننا مرتاحون بشكل جماعي إلى حد ما لتوقعات أسعار الفائدة في الأسواق المالية للعام المقبل».

وحتى محافظ البنك المركزي النمساوي روبرت هولزمان، وهو من الصقور وكان المعارض الوحيد للتيسير، أيد عودة أسعار الفائدة إلى مستوى محايد، لا يحفز الاقتصاد ولا يكبح جماحه، عند حوالي 2 في المائة. وقال للصحافيين: «ستتجه أسعار الفائدة في هذا الاتجاه. وإذا تحققت تقييمات السوق كما هي في الوقت الحالي، فسوف تتطابق مع توقعاتنا. وإذا تطابقت توقعاتنا، فربما يتعين علينا تعديل أسعار الفائدة لدينا لتكون متسقة».

وقال راينيش من لوكسمبورغ، والذي نادراً ما يناقش السياسة في العلن، لوسائل الإعلام المحلية أنه «لن يكون من غير المعقول» أن «ينخفض ​​سعر الودائع إلى 2.5 في المائة بحلول أوائل الربيع»، وهو ما يعني على الأرجح خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) المقبلين.

بينما قلل إسكريفا من احتمال خفض سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وهو الخيار الذي طرحه بعض زملائه وتبناه البنوك المركزية في سويسرا والولايات المتحدة. وقال محافظ البنك المركزي الإسباني المعين حديثا: «في المناقشات التي أجريناها (الخميس)، كانت الفكرة السائدة هي أنه يتعين علينا الاستمرار في إجراء تحركات هبوطية بمقدار 25 نقطة أساس، وهو الشكل الذي سيسمح لنا بمواصلة تقييم التأثيرات من حيث انكماش التضخم».

في غضون ذلك، ظل الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو دون تغيير في أكتوبر (تشرين الأول) مقارنة بالشهر السابق، متجاوزا التوقعات بانخفاض طفيف، لكن البيانات تشير إلى عدم وجود تعافي في الأفق لقطاع غارق في الركود منذ ما يقرب من عامين. وجاء الرقم الذي لم يتغير، والذي أصدره «يوروستات»، أعلى قليلا من توقعات الاقتصاديين بانخفاض بنسبة 0.1 في المائة، ويأتي بعد انخفاض بنسبة 1.5 في المائة في سبتمبر (أيلول).

وأعلنت ألمانيا وفرنسا وهولندا عن قراءات سلبية خلال الشهر، بينما ظل الإنتاج الإيطالي راكدا، تاركا إسبانيا الدولة الوحيدة من بين أكبر دول منطقة اليورو التي سجلت قراءة إيجابية.

وعانت الصناعة الأوروبية لسنوات من ارتفاع حاد في تكاليف الطاقة، وتراجع الطلب من الصين، وارتفاع تكاليف التمويل للاستثمار، والإنفاق الاستهلاكي الحذر في الداخل. وكان هذا الضعف أحد الأسباب الرئيسية وراء خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة يوم الخميس وخفض توقعاته للنمو، بحجة وجود حالة من عدم اليقين في الوفرة.

وبالمقارنة بالعام السابق، انخفض الناتج الصناعي في منطقة اليورو بنسبة 1.2 في المائة، مقابل التوقعات بانخفاض بنسبة 1.9 في المائة. ومقارنة بالشهر السابق، انخفض إنتاج الطاقة والسلع المعمرة والسلع الاستهلاكية، وارتفع إنتاج السلع الرأسمالية فقط.